في هذا الحوار يتحدث محمد الهرواشي(الصورة)، رئيس جمعية ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر عن محنة 45 ألف عائلة رحلت تعسفيا من الجزائر. الهرواشي يسرد تفاصيل الترحيل وملابساته السياسية. ويتطرق إلى الجمعية التي أسسها لرد الاعتبار لهؤلاء المرحلين وإنصافهم. ويناقش وضعهم الحالي بالمغرب. كيف بدأت قضية المرحلين تعسفيا من الجزائر؟ وما هو سياقها السياسي العام؟ قضية المرحلين من الجزائر بدأت سنة 1963 ، أي مباشرة بعد حرب الرمال التي أشعلها هواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة وضباط الجيش الجزائري الذي كان يهيمن عليه ضباط فرنسا أي تلك العناصر التي كانت قي صفوف الجيش الفرنسي والتي التحقت بالثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة بهدف السيطرة على الثورة وقطف ثمار المجاهدين الحقيقيين الجزائريين الذين ناضلوا في صفوف الثورة طيلة ثمان سنوات . لقد استولت هذه العناصر التي تربت في أحضان المخابرات الفرنسية على الحكم بعقد تحالف مع هواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة واحمد بنبلا الذي كان في صورة الرئيس وليس الرئيس لأن السلطة الفعلية كانت في يدي هواري بومدين وزير الدفاع وليس احمد بنبلا . هذه السيطرة قاومها المجاهدون الجزائريون الحقيقيون الذين قادوا الثورة منذ بدايتها منهم محمد بوضياف والحسين ايت احمد والحسين لحول ولخضر بورقعة واحمد خيضر وعدد من المجاهدين الذين أخذتهم الحمية على الثورة المغتصبة لا سيما بعد أن لاحظوا أن عدد من كبار المجاهدين يصفون جسديا على أيدي نظام بنبلا وحلفاءه ضباط فرنسا فقاموا بتشكيل جبهة مضادة أطلقوا عليها جبهة القوى الاشتراكية . "" وقد وجدوا دعما من طرف بعض المجاهدين الذين كانوا قاده في صفوف الجيش الوطني الشعبي نذكر منهم الطاهر الزبيري والعقيد الطاهر شعباني كما أن الشعب الجزائري أصبح يميل إلى الجبهة الجديدة التي لا يوجد في صفوفها أبناء الخونة وضباط المخابرات الفرنسية . في هذه الفترة تفتقت عبقرية بومدين ورفاقه على خطه إيجاد عدو خارجي يحولون إليه أنظار الشعب الجزائري الذي كان لا يزال مسكونا بكابوس الاستعمار . وقد وقع الاختيار على المغرب لعدة اعتبارات وفعلا نجحت الخطة وتم تهييج الشعب الجزائر وتم سحب البساط من تحت أقدام جبهة القوى الاشتراكية التي وجد قادتها أنفسهم في أتون الهيجان الشعبي ولم يجدوا بدا من التخلي عن مشروعهم ووضع يدهم في يد بنبلا وهواري بومدين الذي تفنن في اختيار منافسيه وتصفيتهم واحد واحدا إلى أن صار هو الحاكم الأوحد للجزائر يميت من يشاء ويحيي من يشاء . وهو الذي أطلق العنان لزبانيته لتصفية المغاربة الذين كانوا في صفوف الثورة وطرد العائلات التي كان يراها ذات شأن في المجتمع الجزائري. من هذه الفترة أي سنة 1963 1964 ، بدأت خطة طرد المغاربة من الجزائر حيث كان يتم الاستيلاء على ممتلكاتهم وأموالهم وأحيانا أبنائهم ويرمون بهم إلى الحدود المغربية في حالة لا إنسانية . وازداد طرد المغاربة سنة 1965 ، فبعد الانقلاب الذي قاده هواري بومدين على احمد بنبلا تمت ملاحقة وتصفية المغاربة الذين كانوا محسوبين على احمد بنبلا، فمن المغاربة من تم طرده ومنهم من تمت تصفيته ومنهم من فر بجلده إلى وطنه ليبدأ حياته من جديد وتستمر مأساة مغاربة الجزائر سنة 1968 . وهذه المرة في صفوف الجيش الوطني الشعبي إذ تم تجميع عدد كبير من الجنود الجزائريين وإيداعهم في سجن الغواصة وتصفيتهم بالرغم من حملهم الجنسية الجزائرية إلا أنهم إما ولدوا بالمغرب أو أن أبواهم مغاربة فكان نظام بومدين يعتبرهم كطابور خامس في صفوف الجيش الجزائري الذي يهيمن عليه كما أسلفنا عملاء المخابرات الفرنسية ومن بعدها المصرية والروسية . أما المأساة الكبرى فقد حدثت سنة 1975 فبعد أن قام الحسن الثاني رحمه الله بتنظيم المسيرة الخضراء في اتجاه الصحراء وبعد أن فشلت مساعي الجزائر في إشعال حرب بين المغرب واسبانيا ليتلقى الجيش المغربي هزيمة على يدي الجيش الاسباني وان يدفع الحسن الثاني عرشه ثمنا لسياسته في الصحراء ويعوم المغرب في بحر من الفوضى يتيح للجزائر فرض مخططاتها التوسعية والوصول إلى المحيط الأطلسي. في خضم هذا الفشل للحلم البومديني تفتقت عبقرية الشيطان لديه على تنظيم المسيرة الكحلاء ردا على المسيرة الخضراء وقد اختار التوقيت الأشد إيلاما وهو يوم عيد الكبير أي عيد الأضحى المبارك كان الرجال قد انتهوا من أداء صلاة العيد وشرعوا في عملية ذبح الأضحية والنساء منهمكات في إعداد المأكولات الخاصة بالمناسبة وقد ارتدين أجمل ثيابهن وتزين بأبهى زينتهن والأطفال يلعبون مع بعضهم البعض فارحين مستبشرين بأجواء العيد وقد تحلقوا حول الحولي الذي اشتراه رب الأسرة للمناسبة وهم مزهوين بعيدهم وبلباسهم الجديد الذي اشتراه لهم والدهم كما هي عادته في كل عيد ، في هذه الأجواء المفعمة بالفرحة والمحبة التي مزجت بين العائلات المغربية والجزائرية وأذابت كل الفوارق الاجتماعية والطبقية ، يطل الشيطان في أبشع صوره ، فجأة تتكسر الأبواب ويضيق الحوش بما رحب برجال مختلفي اللباس وموحدي السلاح ، جيش ودرك وشرطة الكل يسب ويلعن في المروك ، يادين الرب وأولاد القح............ فتنقلب براءة الأطفال إلى رعب وكوابيس وتنقلب فرحة النساء بالعيد إلى ولو آلات لا نهاية لها والى هستيريا لا سكون لها إلا بسكون الجسد كله حيث تتكدس أجساد النساء بعضها فوق بعض .وفي هذا الخضم المتلاطم تظهر عزيمة الرجال وقدرتهم على الصبر والتحمل التي كانت انيستهم في الجبل أيام الثورة ولكن دمعة تقهرهم وتأبى أن تنساب على خدهم معبرة عن إحساس بالظلم من أناس هم من رافعو رأسهم عاليا بين الأمم ولقد زج النظام بالمنكوبين في معتقلات كان قد أعدها خصيصا لهذه الجريمة وقد أسره الاستيلاء على أموال المغاربة وممتلكاتهم وتشتيت عائلاتهم. وحتى العائلات الجزائرية لم تسلم من بطش النظام خاصة العائلات التي جمعتها أواصر الدم مع المغاربة فكان النظام يفرق الأم عن أولادها والأب عن أبنائه وحتى الأخ عن إخوته وقد أطلق النظام الحاقد العنان لزبانيته المتكونة من ضباط فرنسا ليعيثوا فسادا في المغاربة انتقاما لامهم الاستعمارية التي أذاقوها المجاهدين المغاربة كؤوس المر واجبروها على الخروج بعد 132 سنة من الاستعمار وقد شهدت هذه العملية القذرة عدة حالات تدينها كل القوانين والأعراف الدولية . ترويع الأطفال تعذيب وقتل الرجال واغتصاب للنساء .لا لجرم اقترفوه أو لظلم أتوه إلا أنهم مغاربة تمسكوا بمغربيتهم . ويأبى النظام الحاقد إلا أن يستكمل ساديته ويجردهم من كل أوراقهم وأموالهم وكرامتهم وقبل أن يرمي بهم إلى الحدود الغربية حفاة عراة محققا نزوته الدنيئة بتنظيم المسيرة الكحلاء . ماذا عن الوضع الحالي لهؤلاء بعد ترحليهم؟ لكي نعرف الوضع الحالي للضحايا يجب أن تنطلق من الوضع الأول أي حينما كانوا مستقرين بالجزائر فعائلة كانت تحيي في بحبوبة من العيش تملك مسكن وعمل وسيارة ودكان ومقاولة وأموال في البنك أطفالها يدرسون امنين مطمئنين من كل سوء ،فجأة تتقلب حياتها إلى كوابيس يعتقل لفاردها ويعذب رجالها وتغتصب نساؤها وتجرد من ممتلكاتها وأحيانا حتى من لباسها وأولادها وأوراق ثبوتيتها،وتجد نفسها مرمية على الحدود تثير الشفقات وتعطى لها الصدقات وتسكن في المخيمات ،وتمر الأيام والشهور والسنوات وهي حائرة فيما جرى ،هل وقع لها ما وقع فعلا وهل ارتكبت جرما .أسئلة كثيرة تخرج من رأسها تبحث عن إجابات أو تفسيرات مهما كانت واعية فإذا بأسئلتها ترجع إلى رأسها لتهوى عليه كالمطارق لأنها عادت دون أن تحضى بجواب ما وكثير من العائلات جن أفرادها من شدة الصدمة التي أصابتها هذه المرحلة الأولى . وبعد عدة شهور أو عدة سنوات ترسل إلى مدينة تبعد عن وجدةوالناظور بمئات الكلمترات ويعين رب العائلة كحارس في مؤسسة صحية أو تعليمية أو عدلية في إطار سلم رقم واحد ويعطى له سكن هو عبارة عن حجرة داخل تلك المؤسسة قسم مهجور داخل المدرسة ويقولون له ها نحن أسكناك وشغلناك بأمر من جلالة الملك، فيحمد الله ويقوم بعمله الجديد بكل ما أوتى من قوة ومن صبر رغم أن ما يتقاضاه لا يكفيه حتى للخبز والشاي ولكن ما بيده حيله .المرحلة الثانية. أما المرحلة الثالثة فهي حينما يصل إلى سن التقاعد، فبقية معاشه لن يزيد على 400 درهم. أما إذا توفي إلى رحمة الله فان المعاش الذي تتقاضاه أرملته هو 100 درهم أو زد عليه قليلا. هذه هي حالة الذين ترفع نيابات التعليم المغربية دعاوي ضدهم استعجالية لان طردهم يكتسي صبغة " الاستعجال " فيستصدرون أحكاما باسم جلالة الملك ويشتون العائلات باسم جلالة الملك ،بعد أن قالوا لهم فيما مضى ادخلوها بسلام امنين وباسم جلالة الملك . ومتى تأسست جمعيتكم؟ وما هي أهدافها؟ الجمعية تأسست في23يوليوز2005أما أهدافها فهي ثلاثة أهداف فقط : -1 الدفاع عن حقوق المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر. -2 الدفاع عن مختلف قضايا الضحايا لتحقيق الاندماج الوطني . -3طرح مختلف القضايا العالقة أمام المحافل الدولية . ثلاثة أهداف لا غير. الهدف الأول والثالث يتعلق بالجزائر أما الهدف الثاني فيخص المغرب. فلا يمكن لك أن تقنع شخصا بدفاعك عن حقوقه وتقول له سأدافع عنك في الأمريكان وأنت لا تستطيع أن تدافع عنه في بركان . وما هي أهم المبادرات التي قمتم بها للتعريف بهذه القضية ونيل الحقوق؟ وماذا عن برامجكم المستقبلية؟ فيما يخص جمعيتنا فقد أسسناها سنة 2005 وقد تعرضنا لعراقيل ومضايقات من طرف السلطة إلا أننا بعزمنا وثباتنا استطعنا أن نتغلب على تلك العراقيل لان القانون كان بجانبنا والسلطة هي التي كانت في الجهة المعاكسة للقانون ، وما لاقيناه من تعنت وعراقيل من السلطة نعتبره شيئا عاديا بل وكان منتظرا فلا يمكنك أن تؤسس جمعية مثل هذه وتشتغل على ملف اتفقت كل الجهات على أن يبقى مطمورا ، وتجد طريقك مفروشا بالورود كما يقولون فإحياء قضية جديدة وفتح ملف من جديد فكأنك أتيت بدين جديد ، لهذا اعتبرنا رد فعل السلطة شيء طبيعي وولينا وجهتنا نحو العمل الشاق الذي كنا نعرف انه ينتظرنا ، فالضحايا موزعون في كل القرى المغربية وليس المدن المغربية ، ف 45000 عائلة تدفقت على مدينة وجدة في ظرف شهر تنوء تحت تقلها اعتي الأنظمة السياسية والاقتصادية ، فلو افترضنا أن كل مدينة استوعبت 1000 عائلة ، فانك تحتاج أن نغطى 45 مدينة . لهذا فكرنا في تأسيس الفروع في مختلف المدن داخل المغرب وحتى خارج المغرب ، حتى تبقى كلمتنا واحدة وقوتنا واحدة. فأسسنا أول فرع في مدينة سوق أربعاء الغرب ثم مشرع بلقصيري ثم القنيطرة وسيدي قاسم و خنيفرة وطنجة وجدة و الرباط وباريس وفي الأيام القليلة المقبلة سنؤسس فروعا أخرى في كل من مراكشاكادير بوعرفه فكيك ، الدارالبيضاء ، اسبانيا ، بلجيكا ، انكلترا ، فإذا نظرت إلى أسلوب عملنا ستجد أن جمعيتنا هي عبارة عن شبكة من الجمعيات ، لأن هذه الفروع كل واحدة لها مكتبها المسير ولها ميزانيتها الخاصة بها ولها وصلها القانوني مثلها مثل أي جمعية أخرى. إلا أن القانون الأساسي هو قانون موحد والأهداف موحده و الوسائل موحدة كذلك ، ففي ثامن دجنبر 2006 عقدنا المؤتمر الوطني الأول بمدينة الناظور تمخض عنه تشكيل مكتب وطني يظم أعضاء من مختلف المدن المغربية نشتغل ضمن فريق موحد وأسلوب موحد ويد الله مع الجماعة ، الا إلا أن هناك من يعتقد انه من السهل الركوب على مأساة المرحلين قسرا من الجزائر والوصول إلى غاية يراها قاب قوسين أو أدنى من فمه إلا أن ما يجب أن يعرفه الجميع هو أن ظهر ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر ليس طيعا للركوب ، فمن السهل أن تجمع بعض الأشخاص وتؤسس جمعية وتحصل على الوصل من السلطات وتصدر بيانات ورسائل وتصريحات صحفية وتقول سأفعل كذا وكذا فهذا لا يساوي شيئا انه مثل الزبد يذهب جفاءا أما الشيء المهم فهو العمل الميداني أن تذهب إلى الناس وترى كيف يعيشون وكيف يقاسون وكيف يفرحون ويبكون فتشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، لان هذه الفئة من المواطنين من كثرة ما تم استغلالها واست بلادها وخداعها أصبحت لديها مناعة من الكذب والخداع فهي لا تثق في أي كان وإذا وثقت بك أعطتك دمها وروحها ولكن ليس قبل أن تراك وقد أعطيتها دمك وروحك.