في مشهد مفعم بالدلالات والمعاني تم يوم السبت 12 أكتوبر الجاري، انتخاب سيدي محمد ولد الرشيد رئيسا لمجلس المستشارين، وبأغلبية مطلقة من أعضاء المجلس، مشهد يكرس التراكم والتدرج الطبيعي لمسار سياسي بصم عليه هذا الرجل القيادي من بوابة النضال والعمل الحزبي النبيل من داخل مؤسسات وهياكل ضمير الأمة فكان الجزاء على قدر العمل. انتخاب ابن أديم هذه الأرض على هرم المؤسسة التشريعية الثانية، وحصده للمنصب الرابع على مستوى هرم الدولة، يعكس مدى الرضى الملكي على شخصه، فغير خاف أن رئاسة هذه المؤسسة السيادية تمر عبر جملة من الاختبارات والمساطر، وعبر دراسة دقيقة ومعمقة لأي مرشح للإشراف على تدبيرها وتسييرها، ناهيك عن المؤهلات السياسية الواجب توافرها في شخص رئيسها. إن انتخاب سيدي محمد ولد الرشيد والذي يشكل إنجازا ونجاحا استثنائيا يتجاوز الطابع الشخصي، ليشمل ساكنة الصحراء قاطبة والتي تقاسمت شرف هذه الثقة المولوية من عاهل البلاد في النخب السياسية الصحراوية، وإشراكها في صناعة القرار السياسي، وهو ما جسدته مضامين الخطاب الملكي التي عبرت صراحة عن دقة المرحلة الحالية، وما تستدعي من استنفار لكل مجتمع الصحراء للانخراط في الدفاع والذود عن الوحدة الترابية، وهو ما يدلل على حجم المسؤوليات الكبرى والرهانات المصيرية الملقاة على عاتق رئيس هذه المؤسسة. وعلى الرغم من حجم التحديات وعظم المسؤولية فنحن على قناعة راسخة ويقين عميق بقدرته على كسب مختلف الرهانات، ليس من بوابة العاطفة أو التمني بقدر ماهي نابعة من اعتقاد راسخ، نظير عديد المحطات التي عايشناها إلى جانبه ورأينا عن قرب وبأم أعيننا، قدرته على تجاوز الصعاب والمطبات، وابتكار الحلول لأكثر الإشكاليات صعوبة وتعقيدا، سواء على مستوى الحزبي أو من خلال تدبير الشأن العام على مستوى المجالس المنتخبة بالصحراء، وكذا قربه من المواطنين وتواجده الميداني في كل المحطات والأحداث، مع دماثة خلقه وتواضعه الجم، فالرجل ورغم كل الإنجازات والنجاحات التي حققها، إلا أنه لم يكن يوما من عشاق الظهور والاستعراض، كما أنه نجح في رسم سياسة وفلسفة تواصلية مثالية من خلال نسج علاقات طيبة مع وسائل الإعلام والانفتاح عليها بشكل منتظم، وفق مقاربة تروم شرح الحقائق والوقائع بالمحطات الكبرى، بعيدا عن ظاهرة التسويق من أجل التجميل والتنميق . وعطفا على هذا المكسب الكبير المحقق فلا أحد ومهما بلغ تطرفه القبلي أو الحزبي ينكر الشعور بالفخر والاعتزاز وهو يشاهد سيدي محمد ولد الرشيد، يتربع على هرم مجلس المستشارين وبكل ما تجسده تلك اللحظة من رمزية وعنفوان، في لحظة مفصلية انتصر فيها الكبرياء على الغبن، وكسر الصورة النمطية التي كان يحاول البعض تكريسها عن حضور ومشاركة الإنسان الصحراوي باللعبة السياسية، واختزالها بالجانب الفلكوري، الذي طال أبناء هذه الأرض ولردح من الزمن. لقد كان انتخاب ولد الرشيد حدثا استثنائيا انعكس بشكل جلي على مستوى الرأي العام المحلي بمدن الصحراء، حيث شكلت هذه اللحظة حديث الساعة في المجالس الخاصة والعامة، فيما يعكس المباركة الشعبية لهذا التشريف، بعد أن حاز ولد الرشيد دعم وتزكية حزب الاستقلال قيادة وقواعدا، وكذا مكونات الأغلبية الحكومية وممثلي الأمة بالغرفة الثانية من البرلمان، وهو إجماع يعكس مدى شعبية الرجل الجارفة سواء على المستوى المحلي أو الوطني. إن رئاسة سيدي محمد ولد الرشيد لهذه المؤسسة التشريعية الهامة يعتبر بداية لمسار سياسي جديد يفتح آفاقا رحبة وواعدة، لمزيد من التجربة والخبرة والتكوين العملي في صناعة القرار السياسي، وهو تتويج لمسار سياسي بارز، كان له شرف تعزيز الانتماء الحزبي بالصحراء، من خلال فتحه لفروع وأذرع الحزب في وجه شباب المنطقة وتحفيزهم للانخراط بحزب الاستقلال، دون حسابات سياسية أو مناطقية ضيقة، إدراكا منه أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وأن غياب الأحزاب قد يفتح الباب لولاءات أخرى لا تصب البتة في صالح القضية الوطنية، وهو ما نجح ولد الرشيد في كسب رهانه، من خلال فكر استباقي يعي حساسية المنطقة ويستوعب واقع ساكنتها ويستشعر آمال أبنائها وطموحاتهم وتطلعاتهم. فقد تمكن نجل مولاي حمدي ولد الرشيد بالفعل وفي ظرف وجيز من إقناع الكثير من شباب و شابات المنطقة بضرورة المصالحة مع السياسة، فراح يشرف على تنظيم التجمعات والملتقيات مع مختلف فئات المجتمع، وبعيدا عن لغة الخشب انبرى ولد الرشيد يشرح الواقع بعفويته وصراحته التي لا يخاف فيها لومة لائم، تجمعات ولقاءات كان الشباب حاضرا فيها بقضاياه وانشغالاته التي يحسن سيدي محمد ولد الرشيد الإنصات لها، والتفاعل معها بروح عالية من المسؤولية الوطنية ونكران الذات. لقد برهن سيدي محمد ولد الرشيد أنه رجل دولة بامتياز، وأن تنصيبه رئيسا لمجلس المستشارين لم يكن أبدا من باب الصدفة، كما لم يأتي من فراغ بقدر ما كان تحصيل حاصل لتجربة سياسية فريدة، طبعها التدرج والرزانة والحكمة وخوض الصعاب بروح من الجدية والتفاؤل والانتصار للمصالح العليا للوطن، وهو ما أثبتته الجهود المضنية التي بذلها طيلة السنوات المنصرمة بتكريس التوافق وإخراج حزب الاستقلال من النفق المظلم، والعبور الآمن بأحد أهم أضلاع الأغلبية الحكومية لبر الأمان، انسجاما وميثاق التحالف الحكومي الذي يروم كسب الرهانات التنموية الكبرى ببلادنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله. ولا شك أن رئاسة ابن الأقاليم الجنوبية للمملكة سيدي محمد ولد الرشيد لهذه المؤسسة الدستورية الهامة في النظام السياسي للمملكة، ستكون له بصمته الخاصة في مسار المعارك التي يخوضها المغرب دفاعا عن قضاياه الحيوية وفي المقدمة منها القضية الوطنية، والتي تلعب فيها الديبلوماسية البرلمانية دورا موازيا وبارزا، وهو ما أشار له جلالة الملك في خطابه أمام أعضاء البرلمان، حين شدد على الدور الفاعل للديبلوماسية الحزبية والبرلمانية، في كسب المزيد من مواقف الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي، داعيا إلى "شرح أسس الموقف المغربي، للدول القليلة، التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ، والعمل على إقناعها، بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء". فسيدي محمد ولد الرشيد الذي ترعرع في أحد البيوت العريقة في الصحراء المعروفة بتشبعها بروح الوطنية والاخلاص للعرش العلوي المجيد، والتي قدمت الكثير دفاعا عن الوحدة الترابية للمغرب، يعرف أكثر من غيره خفايا وخلفيات هذا الملف، وعلى اطلاع بكل تفاصيله ومساراته وله القدرة على توظيف كافة الوسائل الكفيلة بالمرافعة عن الحق المغربي ودحض مناورات الخصوم وتحصين المكاسب المحققة على أكثر من صعيد، خاصة في هذا الظرف الذي دخل فيه الملف مرحلة حاسمة، انطلقت فيها الديبلوماسية المغربية نحو السرعة القصوى صوب الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، وتكريس وحدة المملكة الترابية وسيادتها على أقاليمها الجنوبية، وهو ما يتطلب حشد كل الطاقات الوطنية لربح هذه المعركة المصيرية، هذا الدور الهام والحيوي بدا أن سيدي محمد ولد الرشيد واعيا به ومقدرا لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وهو ما أكده في كلمته أمام أعضاء المجلس فور استلامه رئاسته. فهنيئا للسياسي الصحراوي الشاب سيدي محمد ولد الرشيد بهذا التشريف والتكليف المستحق، الذي يشكل مصدر فخر واعتزاز لساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي لطالما طمحت واشرأبت أعناقها إلى رؤية أبنائها يتبوؤون أعلى المسؤوليات والمناصب بالمملكة، في ظل المؤهلات والكفاءات التي تزخر بها هذه الأقاليم، ليسهموا إلى جانب باقي مكونات الشعب المغربي، في مسيرة البناء والتنمية التي يعرفها المغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.