شكل هاشتاق الأحد 15-09-2024، الذي تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول الهجرة السرية الجماعية واختراق باب سبتة، أكبر عملية للهجرة التي انتقلت من السرية إلى الإعلان الصريح والمعلوم، والتي عرفتها مدينة الفنيدق وباب سبتة يوم 15 شتنبر من طرف مجموعة من الحراكة من داخل المغرب وخارجه. تأتي خطورة العملية من كونها تخرج عن تقليدها المألوف في الهجرة السرية، وتدخل مسارًا جديدًا يستثمر التقنيات التواصلية التكنولوجية مثل الهاشتاق. وهو أمر يجعل العملية تأخذ أبعادًا جديدة فيما يخص مرجعية الهاشتاق، ويدعو إلى القراءة السياسية، وعلاقة الهاشتاق بتاريخ إعلانه، وطريقة التنسيق، وغير ذلك من المرافقات للهاشتاق من مستجدات سياسية ذات علاقة بالمغرب وتحولاته. لا تكمن خطورة العملية فقط في الاستثمار السياسي، وهذا قابل للتحليل السياسي، إنما العملية تحتاج إلى قراءتها وفق مؤشرات جديدة. لهذا، فإن إعطاء رأي في الموضوع، أو إعلان موقف من الحدث/العملية، نعتبره مسألة غير منتجة على الأقل الآن، لأن الوضع يحتاج إلى التحليل أكثر من إصدار حكم، مع اعتماد التحليل على أدوات ذات علاقة بالتكنولوجيا باعتبارها تقنيات خدماتية من جهة، وعلاقة مدبري الشأن العام بهذه التقنيات، ومدى فهمهم للمتغيرات في العصر والعالم، وما علاقة هذا الفهم ودرجته بالاستراتيجيات التنموية المقترحة. دعونا نتفق أولًا أن انتقال الهاشتاق من الدعوة الافتراضية إلى أرض الواقع قد انتقل إلى عرض للمشاهدة في السوشل ميديا، وتحول إلى موضوع مفتوح على الانطباعات وردود الفعل، وإصدار أحكام وانفعالات، ومحتوى للسوشل ميديا، برفع رقم المشاهدات، وتقطيع المشاهد، وتجزيء العملية، ووضعها في إطار وجهة نظر. وهو أمر وإن كان عاديًا، لكون الأحداث أصبحت مطلبًا لمحتوى المنصات ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يساهم في تعقيد الأمر، بجعله مادة لتفريخ الأحكام والآراء. لكن من المفيد إثارة مجموعة من المؤشرات، حتى لا تتحول هذه الانطباعات إلى سلطة التحكم في الوعي الجمعي. بعيدًا عن المقاربة السياسية لمرجعية الهاشتاق، وعلاقته بتاريخ إطلاقه، ونوعية الحراكة من خارج المغرب، نقترب من الحدث من مدخلين شكلا مناخًا طيعًا لسيولة الهاشتاق، وقدرة اختراقه لفئات كثيرة من داخل المغرب والبلدان المجاورة، وهما: الاقتصادي/الاجتماعي والتكنولوجي الخوارزمي. أما المدخل الأول، فأقترح أن يكون عبارة عن أسئلة إلى الحكومة ومدبري الشأن العام، أكثر من الحديث عن طبيعة محتويات المقاربات التنموية التي وضعتها الحكومة لتمكين الشباب من فرص العمل، لأنه في هذه الوضعية قد يطلع وزير الشغل أو حتى رئيس الحكومة ويلقي خطابًا كله أرقام عن عدد المناصب، وعلاقة المناصب بالميزانية، وهلم جرا. ولكن النقاش سيكون أبعد من ذلك، لكون حدث الهجرة الجماعية الهاشتاقية يطرح أسئلة جديدة، إن لم تكن مستفزة، حول طريقة تفكير الحكومة في زمن تغيرت فيه كل المفاهيم: * هل تدرك الحكومة وهي تضع استراتيجيات تنموية "معنى الشباب" اليوم، وطبيعة "الحلم" عند هذه الفئة؟ وكيف يفكر الشباب المغربي، وما هي مرجعيات تفكيره؟ وهل ما يزال يثق في السياسة؟ * هل تغيرت الحكومة بتغير العصر، واستبدلت التفكير بالمنظور الإيديولوجي، وحققت تقدمًا كبيرًا نحو تفكير الشباب اليوم وطبيعة حاجياته؟ * هل تأتي الحكومة بخبراء في المعرفة وإنتاج الوعي بما يحدث اليوم من تحول في المفاهيم، حتى إذا فكرت في مشروع تنموي تدرك مساره وإمكانية نجاحه أو فشله؟ هل الذين يفكرون في التدبير السياسي يعلمون أن العصر عندما تغير، وانتشرت التكنولوجيا، واستخدمها الشباب، غيرت الفهم، وتغير الشباب الذي تحول إلى فئة لا تنتظر الاختيار، إنما تطالب بالخيار من خلال توسيع قاعدة الفرص، حتى يجد كل شاب موقعًا له في بلده؟ * هل ما تزال الحكومة تفكر في التنمية من داخل المنظومة الكلاسيكية لفرص العمل، في وقت تغير فيه مفهوم المهنة؟ هل تساير الاستراتيجيات التدبيرية ما يحدث في العصر من تحول في كل المفاهيم؟ ما طبيعة التعليم التي تساير المهن الجديدة؟ نطرح الأسئلة نفسها على الأحزاب التي هي في الأصل مناسباتية وموسمية، ولا تشتغل إلا قبل الانتخابات بأيام قليلة، حتى تترجى الشعب لتمثله في البرلمان. ما حدث يوم الأحد مع هاشتاق الهجرة الجماعية كان من المفروض أن يخرج الأحزاب من منطقة الراحة، لكي تستنفر وتعقد تشاورات، وتدعو خبراء إنتاج الفهم بما يحدث. وإذا كانت لا تتوفر على الخبراء، فيمكن لها أن تبحث عن خبراء ومفكرين يقدمون لها تحليلاً حول المتغيرات في أسلوب التفكير من أجل فهم موضوعي للوضعيات الاجتماعية، حتى إذا طرحت مقاربة سياسية للوضع تكون قريبة من حقيقة الوضع على الأرض. غير أننا لا نجد الأحزاب تتفاعل مع ما يحدث في البلد لتكون شريكة في التدبير، بعد أن تكون قد هيأت اقتراحات لمواجهة الأزمات. وهنا أيضًا نطرح السؤال على الأحزاب: هل تدرك معنى الشباب اليوم؟ وهل تعلم أن شباب اليوم لم تعد له مرجعية إيديولوجية، إنما مرجعية الحياة؟ أن يحيا هو أيضًا، وليس أن يعش كما يراد له. وهناك فرق بين العيش والحياة. إذا لم تستحضر الأحزاب المتغيرات في وضعيات المجتمع وطبيعة المرجعيات وكيف يفكر شباب اليوم، فلا تستطيع أن تتفاعل مع ما يحدث. وهنا نطرح سؤالاً: ما جدوى الأحزاب؟ أما المدخل الثاني فله علاقة بالتكنولوجيا، وارتباط الدعوة إلى الهجرة السرية يوم الأحد 15 شتنبر 2024 بالهاشتاق، وانتقاله بسيولة خطيرة بسبب التقاسم المخيف والخطير، واختراق العقول، وتحوله إلى حقيقة مرعبة، وحل واقعي بطريقة درامية. وهنا، نطرح أسئلة على موقع التنوير الرقمي في المشهد المغربي: التعليم والتربية، التعليم العالي والبحث العلمي، المؤسسات الثقافية، الإعلام الرسمي بشقيه السمعي والبصري، لقاءات ونقاشات المجتمع المدني. وهل تقوم هذه المؤسسات بخدمة التنوير الرقمي، والوعي بالاستخدام والتقاسم والتفاعل؟ وإذا كان الاستخدام التكنولوجي في منصات التكتوك واليوتيوب بالخصوص يشكل اليوم أكبر سوق لتداول الأفكار، وتحولت اللايفات إلى سلطة لإنتاج التصورات والتمثلات، فهل هناك استراتيجية تعليمية وثقافية لبث الوعي باستثمار هذه السلطة من أجل خلق وعي بما يحدث؟ حدث هاشتاق الهجرة السرية عملية معقدة ومركبة ولا تحتمل إبداء رأي انطباعي، بقدر ما تحتاج إلى تفكيكها، من أجل الوعي ليس فقط بما حدث، إنما بما يمكن أن يحدث أمام سلطة التقنيات التكنولوجية وخوارزمياتها الضاغطة. فهل نحن في مستوى الوعي بتدبير متغيرات اللحظة التاريخية من أجل تأمين الوطن وأبنائه؟