أثار عقد بعض الأحزاب السياسية المغربية لمؤتمرات شبيباتها بحضور قياداتها خلال الدخول السياسي الجديد سجالًا إعلاميًا كبيرًا، ولا سيما منها مؤتمر شبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار، القائد للتحالف الحكومي الحالي، الذي تم تنظيمه بمدينة أكادير، بسبب استئثار صور ومقاطع أشرطة فقرة فنية هامشية تلقائية (Programme OFF) على الأنشطة الرسمية للمؤتمر في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. وبحكم المتابعة التي قمت بها لهذا المؤتمر، لكوني من المدعوين لتسيير وتأطير ورشاته (تسيير ورشة البرلمان ورهان الدولة الاجتماعية)، إلى جانب العشرات من المؤطرين الأساتذة، والباحثين، والوزراء، والقياديين، والإعلاميين، فقد أثارني – بغض النظر عن الجانبين الكمي والكيفي لهذه التظاهرة السياسية الشبابية – حجم التأثير الإعلامي الذي حظي به هذا النشاط الموازي، على حساب أهمية محاور الورشات التي ناقشت مواضيع سياسية، واقتصادية، واجتماعية آنية، والتي كان من الأجدى تسليط الضوء على مخرجاتها وتوصياتها لتقييم السياسات العمومية التي يتم تنزيلها ومدى تناسبها مع البرنامج الحكومي، وتحقيقها للمؤشرات المرسومة وبلوغها للنتائج المتوخاة لقياس مدى مصداقية الفاعل السياسي. كل هذا يطرح تساؤلًا مشروعًا حول حدود العلاقة بين التأطير الحزبي، الذي يُعتبر مهمة رئيسية لكل الهيئات السياسية، وخصوصًا في صفوف الشباب، والتأثير الإعلامي لوسائل الإعلام العصرية على توجيه الرأي العام. فقد ساهمت ثورة تكنولوجيا وسائل الاتصال والمعلومات منذ نهاية القرن العشرين في إحداث تغيّرات اجتماعية هائلة، ارتباطًا بالنمو المتزايد والكبير في العلاقات التفاعلية بين قطاع الاتصال والمعلومات من جهة ومختلف القطاعات الاجتماعية الأخرى من جهة ثانية، وذلك بنقل الأخبار اليومية والمباشرة للأحداث والقضايا المحلية والدولية (مواقع إلكترونية، صفحات التواصل الاجتماعي...)، وهذا ما يفرض أخذ أهمية الإعلام بعين الاعتبار في نشر الوعي السياسي لدى المواطنين. تبرز أهمية الإعلام في التنشئة السياسية من خلال المكانة التي أصبح يحتلها اليوم كقوة أو سلطة تؤثّر على توجهات الأفراد ومواقفهم السياسية، وكل أنماط حياتهم. وقد سعت العديد من الدراسات إلى محاولة التعرف على ما يمكن أن تسهم به وسائل الإعلام من دور سياسي في المجتمع. تنوعت واختلفت نتائج واستنتاجات تلك الدراسات، حيث بالغ بعضها في الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الوسائل، والبعض الآخر هوّن كثيرًا من هذا الأثر، بينما تبنى البعض الثالث رؤية متوازنة، حيث ربط هذا الدور المنتظر لوسائل الإعلام بمتغيرات أخرى في المجتمع لها تأثير في حجم الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في الواقع السياسي للمجتمع. وإذا كانت المشاركة السياسية عنصرًا حيويًا من العناصر التي تقوم عليها عملية التنمية السياسية، فإن ذلك يعني أن وسائل الإعلام تستطيع أن تسهم بدورها في دفع المواطنين نحو المزيد من المشاركة في الواقع السياسي، وإقناعهم بالتخلي عن السلبية التي أصبحت سمة مميزة لغالبية أفراد المجتمع، ممن يُطلق عليهم "الأغلبية الصامتة" التي لا تؤثر في الأحداث السياسية في المجتمع، ولا تتفاعل مع هذه الأحداث، وبالتالي فهي مجموعة ليس لها دور في إيجاد حالة الحراك السياسي التي تتطلّبها عمليات التغيير السياسي في أي مجتمع يرغب في تحقيق تنمية سياسية حقيقية وليست شكلية. ويمكن التأكيد على الدور الهام الذي تقوم به وسائل الإعلام في إحداث مشاركة سياسية فعالة من خلال الإشارة إلى أهمية مفهوم "الاستعداد للمشاركة السياسية". ويقصد به اقتناع أغلب المواطنين بضرورة المشاركة بوعي وإيجابية في صنع القرار، واختيار المسؤولين وأعضاء المؤسسات التمثيلية. هذا ما يؤدي إلى الممارسة البناءة والفعالة، وهو ما يُصطلح عليه بالديموقراطية التمثيلية. وتندرج مستويات هذه المشاركة ابتداءً من مزاولة حق التصويت، مرورًا بالمشاركة في النقاشات السياسية، وتقديم الاقتراحات، واكتساب عضوية التنظيمات السياسية، والترشح للمناصب العامة، وتنتهي بالوجود الفعلي في السلطة. وقد اهتم مجموعة من الباحثين بهذا المجال، ومنهم "جون ميريل" الذي يرى أن لوسائل الإعلام تأثيرًا واضحًا في مجال تكوين قاعدة من المعلومات ووضع الأجندة لقطاعات من الجمهور. كما أن تأثيرها واضح أيضًا في مجال السلوكيات، إضافة إلى "جون ماكنتلي" الذي يحدد أن هناك عدة اتجاهات تفسر الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في مجال التنمية السياسية، والذي قسمها إلى أربعة اتجاهات: الاتجاه المتشائم، الاتجاه المتحمس، الاتجاه الحذر، والاتجاه الواقعي. وإذا تمت محاولة التركيز على مدى ما يمكن أن تسهم به وسائل الإعلام في مجال المشاركة السياسية، أو كيفية تحول الأغلبية الصامتة إلى أغلبية فاعلة، فإنه لا بد من استحضار بعض العناصر (مدى الوجود الفعلي لتلك الوسائل في المسرح السياسي/ مدى قدرتها على الوصول إلى الجماهير المستهدفة/ مدى اعتماد الجمهور على تلك الوسائل كمصدر للمعلومات/ طبيعة الرسائل الإعلامية التي تقدمها تلك الوسائل وتوافقها مع احتياجات الجمهور/ مدى التكامل بين الوسائل وبعضها في المجتمع/ مدى ملاءمة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع لخلق مناخ يساعد على إحداث المشاركة السياسية/ مدى نجاح وسائل الإعلام في تقديم أجندة موضوعية لقطاعات الجمهور المختلفة/ نجاح وسائل الإعلام في خلق حوافز عاجلة أو آجلة للجمهور...)، كما ينبغي على وسائل الإعلام أن تقف على الحياد تجاه الأحداث بشكل موضوعي ومنطقي (الخبر مقدس والتعليق حر). وعلى سبيل الختم، لا بد من الإشارة إلى أن تفعيل آليات المشاركة السياسية، عبر إجراء نقاشات علنية للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة، من خلال فتح قنوات للحوار بين الأحزاب والشباب بما يتماشى مع ميولهم الثقافية والإبداعية والفنية لبلوغ الديمقراطية التشاركية، إضافة إلى توظيف فرص وسائل الإعلام الحديثة عبر المنتديات والمواقع الإلكترونية (المجال الذي يعرف سن قوانين جديدة لتأطيره)، يُعتبر أمرًا صحيًا. بل سيكون من المجدي الآن أن تساهم كل الهيئات السياسية في إدارة هذه النقاشات لتحسيس الشباب بدورهم الفعال في تناول القضايا التي تهمهم وتهم وطنهم، في جو ديمقراطي بعيد عن المنع والمصادرة، لأنه يستحيل الحديث عن المشاركة السياسية مع تهميش صوت الشباب وغياب حرية التعبير والرأي التي تم ترسيخها في الدستور المغربي المتوافق عليه.