موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وسائل التواصل الاجتماعي: قنوات بالغة التأثير في صناعة الرأي العام وتحويل النمط الاجتماعي
نشر في الأيام 24 يوم 02 - 09 - 2023

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم محط اهتمام الكثير من الدارسين في مجال الاتصال والعلوم السياسية والاجتماعية، وذلك بعد أن تبين الدور الكبير الذي تقوم به هذه المواقع في الكثير من الأحداث التي وقعت في العالم، خصوصا الأحداث السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، وخاصة تلك التي وقعت في العالم العربي، والاحتجاجات الاجتماعية التي غلب عليها طابع المشاركة الشبابية.

تلك المشاركة التي كانت مواقع التواصل الاجتماعي من أبرز آلياتها ووسائلها في الحشد والتنظيم والتعبئة، وكذلك بسبب مميزاتها الكثيرة، خصوصا سهولة الانتشار والاستخدام وسرعة هذه الوسائل في تداول المعلومات. وتعد شبكات التواصل الاجتماعي من المفاهيم المرتبطة بالمجتمع الافتراضي الذي ذاع انتشاره بشكل يستدعي الانتباه، إذ ازداد الاهتمام الأكاديمي بقضايا الشبكات الاجتماعية والمجتمع الافتراضي منذ أن أصبح الأنترنيت بتفاعلاته جزءا من الحياة اليومية للأفراد والجماعات.

استطاع الانترنيت وخاصة أجهزة الحاسوب في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، أن تلعب دورا رئيسيا وأساسيا في إحداث تغيير شامل على مختلف مناحي الحياة، من خلال دورها الفاعل في شتى المجالات كالهندسة والطب و العلوم و الفضائيات و التنمية والاقتصاد، ويجمع العلماء والمختصون على أن إنشاء شبكة الأنترنيت يعد من أهم و أبرز إنجاز تكنولوجي تحقق في ظل ثورة الاتصالات، إذ استطاعت أن تلغي كل المسافات والحدود الجغرافية والاطلاع على الأخبار فور وقوعها وتبادل المعلومات والتواصل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا.

تعددت التعريفات التي أطلقها الباحثون على الأنترنيت، كل من الوجهة التي يرى فيها وظائف هذه الشبكة أو طبيعة استخداماتهم لها ومجالات دراستها، وقد انتشرت عشرات التعريفات منها ما هو متطابق وذات معنى واحد، ومنها ما هو متباين ويؤدي إلى معان مختلفة، وتعرف الانترنيت بأنها شبكة حاسوبية عملاقة تتكون من شبكات أصغر بحيث يمكن لأي شخص متصل بالأنترنيت أن يتجول في هذه الشبكة وأن يحصل على جميع المعلومات في هذه الشبكة.

كما يمكن تعريف الانترنيت بأنها شبكة اتصال جماهرية ضخمة جدا وغير مركزية وتربط مجموعة كبيرة من شبكات الحاسب الالي المنتشر في العالم، حيث تتبع كل شبكة جهة مستقبلة مثل الجامعات ومراكز البحوث والشركات، وتتميز الشبكة بعدم وجود جهة مركزية تديرها أو تتحكم بشكل مباشر كما تتميز بسرعتها الفائقة وإتاحتها لقدر كبير من الحرية والتفاعلية. ومرت الشبكة العالمية بعدة مراحل من التطوير حتى وصلت إلى الشكل المتعارف عليه الان، وترجع بداية نشأة الانترنيت إلى الحرب الباردة عندما أسست الولايات المتحدة الأمريكية "وكالة مشروع الأبحاث المتطورة"، ردا على إطلاق الاتحاد السوفياتي وكالة سبوتنيك إلى الفضاء 1957، وقد نجح باحثون أمريكيون في 1969 بربط أربعة كمبيوترات بواسطة توصيلات التيليفون في مراكز أبحاث تابعة لجامعات أمريكية، حيث اعتبر هذا الإنجاز رغم أنه كان تجريبيا بالغ الأهمية، كونه أوجد نظاما لا مركزيا يمكنه البقاء و الاستمرار بالعمل حتى ولو تعرض جزء منه للتلف أو التعطيل.

امتازت فترة السبعينيات بظهور العديد من الإنجازات الإضافية التي حولت الشبكة من مشروع ناشئ إلى شبكة عالمية بعد ازدياد عدد الأجهزة المتصلة مع بعضها في العديد من دول العالم، وشهدت هذه الفترة بداية تكنولوجيا التخزين والاسترجاع للمعلومات واستخدام البريد الالكتروني وأنشئت مجموعات الاخبار والحوار، وظهرت المواقع التفاعلية متعددة الأغراض، وأصبحت قواعد البيانات أكثر تزايدا وتفصيلا. وتواصلت أبحاث العلماء وخبراء الاتصال لتطوير هذه التكنولوجيا الجديدة حتى تمكن العالم "تيم بارنزلي" في عام 1989 من اختراع أهم تطور بابتكار لغة تحديد النصوص المرتبطة، والتي تمكننا من الربط بين الصفحات بعيدا عن ملفات الشبكة، وفي عام 1990 تم تطوير خادم الويب لقراءة النصوص والذي مكن عددا هائلا من الجامعات ومكتبات الأبحاث من الاستفادة منه واستخدامه.

تطورت شبكة الإنترنيت مع منتصف التسعينيات، وبدأت تنتشر في دول العالم بعد أن كانت فكرة حكومية عسكرية، وأصبح حجمها يزداد مع الاقبال الشديد عليها من المؤسسات التعليمية والأكاديمية ومراكز الأبحاث والشركات، وحطمت في زمن قياسي جميع الحواجز التي عطلت وصول الوسائل الاتصال الأخرى إلى أكبر عدد من المشتركين، واجتاحت العالم ولعبت دورا محوريا في تطوير كل القطاعات التي دخلت عليها والارتقاء بها سواء من حيث التعليم أو الأبحاث في مختلف العلوم والمجالات أو التسويق أو التجارة أو الصحافة أو الاعلام، أو فيما يتعلق بالترابط الاجتماعي والعلاقات بين الناس من خلال العديد من الوسائل الحديثة.

وتعتبر في هذا السياق الوسائل الإعلامية الجديدة والمواقع الإعلامية وأدوات الاتصال التفاعلي على شبكة الانترنيت، مصدرا أساسيا من مصادر المعلومات والكشف عن القضايا والمشكلات الغائبة والتعبير عن الآراء ووجهات النظر، وكلما زاد استخدام هذه المواقع بين أفراد المجتمع أدى ذلك إلى ارتفاع مستويات المشاركة والمساهمة والتأثير، واتساع دائرة التعبير عن الرأي العام، ولذلك فإن الاعلام الجديد تفاعل يختار فيه الناس احتياجاتهم ليس بالرأي فقط، ولكن بإعلام شخصي خاص بكل فرد على حدة، وهو الذي يتحول فيه المشاهد والمستمع إلى مستخدم وفاعل. والاعلام الجديد إذا هو إعلام تعددي بلا حدود ومتعدد الوسائط ليؤدي أدوارا جديدة كليا لم يكن بوسع الاعلام التقليدي تأديتها.

ولقد عزز ظهور الشبكات الاجتماعية في ظل هذه الثورة في مجال الاتصالات، الطابع الشخصي لأنها تمكن من تخطي حاجز المسافة التي كانت تعيق من قبل عملية التواصل بين الأفراد، من خلال تشكيل مجموعات افتراضية على الشبكة العنكبوتية والتي تمتد عبر الواقع منتجة علاقات فعلية تكرس الروابط التي تجمعها لأغراض متعددة. ومع تنامي اعتماد الأفراد على الانترنيت وتطور المواقع تعددت الاستخدامات من تصفح البريد الالكتروني ثم المنتديات وغرف الدردشة والرسائل النصية والفورية والمدونات حتى ظهرت الشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك وتويتر وماي سبيس واليوتوب وانستغرام وغيرها.

ووفرت هذه المواقع الاجتماعية للمستخدمين بيئة تفاعلية افتراضية، واحتلت مساحة واضحة من وقت وفكر واهتمام وعقول مختلف الفئات العمرية، دونما اعتبار للفوارق الجغرافية والدينية والعرقية والجنسية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وأصبح بمقدور الفرد لا أن يتبادل فقط، بل أن يشارك ويشكل بنية وبيئة الآخرين بنفسه، وهو ما يعد أقصى حالات المشاركة الاتصالية والاجتماعية ليمتزج الاتصال الذاتي والشخصي والجماهيري في بيئة واحدة أعادت تشكيل الحياة الاجتماعية والاتصالية للفرد.
تجاوزت مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية، الأفق الذي أنشئت من أجله والمتمثل في التواصل بين الأفراد والجماعات، وأصبحت منفتحة على تدارس الطابوهات والقضايا السياسية من خلال العمل على تداول المعلومة السياسية على نطاق واسع، إلى جانب جمع العديد من الحشود الغفيرة قصد تأييد أو رفض أو مناهضة قضية ما، وتتبع خطوات الفاعل السياسي والحزبي، كما بات هو الآخر يستخدمها لتمرير رسالته أو مخاطبة الرأي العام، سواء في حملات انتخابية أو قرارات حكومية وغيرها وهذا هو الأمر الدال على كون شبكات التواصل الاجتماعي، لعبت دور الأوعية الالكترونية والعوامل الرقيمة التي دشنت أشكال جديد من الاحتجاج و التعبئة.

وحملت شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي أساليب جديدة على مستوى طرق وسبل تواصل الافراد والجماعات وتجاوزت بذلك وسائل الاعلام التقليدية التي لطالما كانت أداة الحركات الاحتجاجية قبل ظهور هذه التكنولوجيا الجديدة، كما أن هذه المواقع أسهمت بقوة في رفع منسوب الوعي لدى الشعوب، ومنحت الناس الثقة بنفسها أنها قادرة على إحداث التغيير، وأفرزت قيما جديدة لعل أهمها على الإطلاق القبول بالآخر وتنوعه واختلافه وتباينه ما دامت المطالب موحدة والمصير مشترك. وأحدثت التحولات التي عرفتها هذه المواقع تغييرات مهمة جدا على المستوى الاجتماعي على الصعيد المحلي والعالمي، وذلك بما تتيحه من إمكانات للتواصل والسرعة في إيصال المعلومة، بحيث لم تعد هذه لوسائل الاعلام التقليدية القدرة على إحداث هذا التغيير بل تقف عاجزة أمام التأثير المباشر والفعال لشبكات التواصل الاجتماعي.

بزغت وسائل التواصل الاجتماعي، كقنوات بالغة التأثير، متيحة بذلك للشعوب فرصا أكثر تأثيرا وقربا من خلال قدرتها في التعبير عن آرائهم ومواقفهم السياسية وحشد وتنظيم صفوفهم للتغيير والإصلاح، إذ ليست موجهة فقط ضد الأنظمة غير الديمقراطية، ولكن صارت قريبة من تفاصيل أمور أخرى تمس حياتهم اليومية مثل غلاء الأسعار وحقوق الانسان والمشاركة السياسية ومحاربة الفساد والعنف الأسري.

أدى ظهور الإعلام التفاعلي (وسائل التواصل الاجتماعي)، إلى تغيير الكثير من المفاهيم المرتبطة باستخدامات وسائل الاعلام والاتصال، من وسائل ترفيه في رتبة الكماليات إلى أدوات فاعلة في صناعة الرأي العام وتحويل النمط الاجتماعي السائد، لقد تحول دورها تدريجيا وتعاظمت وظيفتها في صناعة المعرفة ونشر المعلومة، وباتت تهدد الأنساق الاجتماعية السائدة وفرضت رؤيتها في تغيير شكل ونمط العلاقات الاجتماعية، ولقد بات الفرد داخل هذه الوسائط متلقي ومرسل في ذات الآن فهو محتمل أن يكون مشاهد كما هو محتمل أن يلعب دور المرسل أو الشاهد قد يمتلك الصورة الوحيدة حول الموضوع ويوثق اللحظة أو يصنع الحدث، وهو ما يؤكد دور الاعلام التفاعلي في بناء الحقائق الاجتماعية.

إن هذا النوع من الاعلام الجديد كما يطلق عليه البعض، لم يسهم فقط في بروز فرع في الاعلام إحدى خواصه الكبرى التفاعلية والانية وتقاسم المعلومة على نطاق واسع، بل أسهم في ظهور أشكال جديدة لم تعد ترتكن إلى مفهوم البنية باعتبارها تأطيرا ثابتا، بقدر ما باتت ترتكز على مفهوم البيئة، باعتبارها فضاء افتراضيا تعمل بداخله كل أنماط العلاقات والتأملات والسلوكات والتفاعلات والتعبيرات، دونما قدرة كبيرة من لدن السلطات العمومية على كبحها أو إعاقتها وإعمال القوانين والتشريعات للحد من مداها أو تحجيم التجاوزات التي قد تبدو لها كذلك من منظورها.

لم يعد يخفى على أحد أن شبكات التواصل الاجتماعي باتت تشكل مساحة مفتوحة إضافية للعاملين في السياسة في جوانبها كافة، مهما كان الحدث السياسي، وإذا كان السياسيون بشكل خاص يستغلون الاعلام لإيصال رسائلهم منذ أن وجد العمل السياسي، فقد بدأت العملية اليوم تأخذ أبعادا مختلفة من خلال شبكات التواصل، خصوصا منذ أن فاز باراك أوباما في عام 2008 بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد حملة استغلت فيها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد وكان لها دور أساسي فيها. وصار اللجوء إلى هذه الوسائل في الحملات الانتخابية من المسلمات، عبر استثمار المساحات الافتراضية التي تتشكل منها مجموعات حقيقية من الناخبين لتغدو مساحات فعلية لإقناع المستخدمين ومحاولة تغيير وجهات نظرهم، إما شرعيا بشكل واضح أو بشكل غير شرعي كما حصل مع شركة كامبريدج انالتيكا التي استغلت فيسبوك للتأثير في سلوك الأفراد.

لاشك أن شبكات التواصل الاجتماعي من الممكن أن تكون وسيطا فعالا في التأثير وفي زيادة الوعي السياسي وفي تغيير بعض القضايا، التي تفيد العامل في مجال السياسية وفي الإضرار به أيضا وفضحه كما أن السياسيين يبعثون استراتيجيات مختلفة للتواصل، فبعضهم يستثمر في عدة منصات، ويبقى فايسبوك وتويتر أهمها، هذه الاستراتيجيات للتواصل المختلفة بطبيعتها مفتوحة وتحاكي الجمهور نفسه وتتوجه على الأغلب إلى الناخبين الناشطين في الشبكات الاجتماعية، والذين يستطيعون التأثير في الحملة والمشاركة من خلال نشر الأفكار، ومن الممكن أن تؤدي هذه الوسائل دورا في خدمة المرشحين ذوي الإمكانيات من خلال الإعلان عن برامجهم الانتخابية ومخاطبة الناخبين والجمهور عن طريق المنصات.
يعتبر الاعلام من بين أحد العناصر الأساسية للديمقراطية، لدرجة أنه يستحيل معه إتمام العملية الانتخابية الديمقراطية دون إعلام، ثم أن الانتخابات الحرة والنزيهة لا ترتبط فقط بالتصويت ومعرفة كيفية الإدلاء بالصوت، وإنما ترتبط كذلك بعملية تتسم بالتشاركية، إذ تشارك فيها الكتلة الناخبة وتتوفر لديها المعلومات الكافية حول برامج الأحزاب والمرشحين والمعلومة الانتخابية، حتى يكون الاختيار مبني على الوعي والمعرفة، وبالتالي فدور الإعلام والتطور الذي عرفه مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد يقتصر فقط كرقيب على العملية، بل يرتبط بالمشاركة في الانتخابات، وباتت الشبكات الاجتماعية عبارة عن فضاءات من خلالها المرشحون إلى رفع حظوظهم للظفر بأصوات الكتلة الناخبة، من جهة. ومن جهة أخرى شكل العالم الافتراضي أداة مهمة لتحسيس وتوعية الرأي العام الرقمي بأهمية الانتخابات والدعوة إلى المشاركة فيها. ويمكن القول هنا أن المعارك الانتخابية انتقلت إلى الفضاء الالكتروني وإلى استعمال وسائل الاعلام الرقمية، وهذا السلوك السياسي يعتبر موضوعا من بين المواضيع التي شكلت مدخلا رئيسيا لفهم وتفسير الدوافع والمواقف التي تساهم في بناء التماثل والمطالب والرغبات.

في هذا الإطار، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من العوامل المهمة والرئيسية التي ساهمت في العملية السياسية والحركات الاجتماعية، وكست حاجز الخوف والصمت الإعلامي في الوسائل التقليدية في العديد من الدول وخاصة العالم العربي، وتعتبر كذلك وسيلة للتواصل والتقاطع بين العالمية والمحلية، فالتفاعلات تتم على خلفية السياق العالمي وتتبلور متغيراتها على الصعيد المحلي وذلك عبر: متغيرات اجتماعية تتلخص في محورين هما تكوين الصداقات وعضوية الجماعات، أما المتغيرات السياسية فتتجلى في كون الشأن السياسي أصبح متغيرا أساسيا بالنسبة لهذه الشبكات والتي أسهمت في دمج التفاعلات السياسية بين عالمين، العالم الواقعي والعالم الموازي المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة عبر الفضاء الافتراضي. ويتجلى المردود البارز لشبكات التواصل الاجتماعي بوضوح من النواحي السياسية، ويمكن التدليل على ذلك في ثلاث نقاط:

1-تعبئة الرأي العام: تلعب الجماعات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي دورا فعالا في تعبئة الرأي العام اتجاه القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال أصبحت هذه الشبكات مجالا للاحتجاج والحشد كما فتحت مجالا جديدا للدعاية السياسية وطرح برامج انتخابية وجمع التأييد.
2-ظهور المواطنة الافتراضية: فتحت شبكات التواصل الاجتماعي المجال أمام ممارسة قضايا المواطنة عبر الانترنيت، حيث يصبح المجتمع الافتراضي مجالا لممارسة الحقوق والمطالبة بها.
3-تفعيل دور المجتمع المدني: تسهم شبكات التواصل الاجتماعي في زيادة تفعيل دور المجتمع المدني، حيث إن هناك العديد من المنظمات قد بنت لها قواعد في المجتمع الافتراضي وتعمل على استغلال هذه الشبكات لزيادة عدد أعضائها ودعوة المستفيدين إلى برامجها.

يستلزم التحليل الموضوع لإشكالية دور وسائل التواصل الاجتماعي في خلق وعي بالمشاركة السياسية والقضايا الاجتماعية مفاهيم ونظريات وأدوات تتناسب معها، على خلفية أن النظرية عبارة عن مجموعة مترابطة من المفاهيم والتعريفات والقضايا التي تكون رؤية منظمة للظواهر، عن طريق تحديدها للعلاقات بين المتغيرات بهدف تفسير العلاقة بين اهتمامات وأجندة شبكات التواصل الاجتماعي، كما تساعد النظرية على الفهم والتفسير والتوقع.

يدرك المتأمل لواقع الدراسات والمنهجيات التي تتم في إطار التفاعلات الشبكية على المستوى الافتراضي أنها تستوجب تطوير منهجيات عملية ومداخل نظرية، تواكب التغيير السريع الذي يحدث في إطار التفاعل الافتراضي الاجتماعي، فكما أن تطور الشبكات الاجتماعية سريع، فإن تطور المنهجيات لابد أن يتواكب مع هذه القفزة الحديثة، ويتمثل ذلك التحدي الأكبر أمام دراسات المجتمع الافتراضي بشكل عام، انطلاقا من مداخل الهوية الافتراضية والرأس المال الاجتماعي للشبكات الاجتماعية وفق نظريات متعددة "المجال العام" و"المشاركة الديمقراطية" و"الاعتماد على وسائل الاعلام" والتأثير المحدود" و"الشبكات الفاعلة" وغيرهما من النظريات المفسرة للاتصال، ومنهجية تحليل المضمون الكيفي والتحليل البنيوي للشبكات.

لاشك أن الشبكات الاجتماعية وتطبيقاتها ساهمت خلق مجال عام سهل تبادل المحتوى الالكتروني كما أًصبحت وسيلة للتعبير عن المطالب والرغبات والنقاشات السياسية كما حدث في العديد من دول العالم خلال فترات سابقة، لذا عملت الشبكات الاجتماعية على دعم المجال العام، حيث أشارت العديد من الدراسات إلى أهمية هذه الشبكات في متابعة الأداء الحكومي من قبل الأفراد، والحصول على المعلومات السياسية وفهم الواقع السياسي بأبعاده المختلفة، إلى جانب تمكين المواطنين من اتخاذ القرارات بشأن القضايا أو المشاركة بفعالية في المناقشات السياسية.

تؤكد نظرية المجال العام لهابرماس، على أن وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام التفاعلي، تخلق حالة من الجدل بين الجمهور، وتؤثر على صناع القرار والجماهير والنخب، ومنذ انتشار هذه الوسائل والبعض يتحدث عن الديمقراطية الالكترونية والمجال العام الافتراضي، كمجال مشترك مفتوح لجميع الأفراد يتيح لكل فرد الوصول إليه للمشاركة والتفاعل مع الجمهور. وهنا نشير إلى نوعين من التفاعل، الأول يتم من خلال تفاعل المواطنين مع وسائل الاعلام عبر العملية التواصلية، والثاني يتم من خلال تفاعل المواطنين مع بعضهم البعض، بحيث يمكن أن يشتمل على محادثات بين شخصين أو أكثر. والمجال العام الافتراضي هو مجال مترامي في نظر عالم الاجتماع دهلغرين، هو مجال مترامي الأطراف، فالطبيعة التفاعلية للاتصال الالكتروني، والبناء اللامركزي للمجال الافتراضي وتزايد إمكانية الوصول إليه، دفع العديد من الباحثين إلى الإعلان عن عصر جديد من الاتصال السياسي.

كما نجد أن الشبكات الاجتماعية لعبت دورا أساسيا ومحوريا في التعبئة السياسية للمواطنين وتشكيل الرأي العام والرأي العام الافتراضي، ابتداء من نموذج الانتخابات الامريكية 2008، ومرورا بالاحتجاجات الاجتماعية، ثم موجة الربيع العربي 2011، هو ما يبين أن شبكات التواصل الاجتماعي خلقت مجالا عاما افتراضيا عمل على ظهور الحركات الاجتماعية والسياسية.

بالمقابل، تتميز المشاركة السياسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي داخل المجال العام، بالفعالية عبر محادثات سياسية افتراضية، أفرزت نوعا جديدا من التداول الديمقراطي قابل للتطبيق، كما أشار دهلبيرغ إلى أن هذا النوع من الديمقراطية "الالكترونية" سهل عملية التشاور العقلاني عبر المجال العام الافتراضي، التي نمت مع تطور شبكات التواصل الاجتماعي، حيث إنها سمحت للمواطنين الاختيار بحرية بين العديد من البدائل التي يفضلونها، كما عززت من الحوار الديمقراطي وفتحت طريقا جديدا نحو المشاركة في القضايا العامة وزادت من الوعي السياسي لدى الافراد. ويمكن الوقوف هنا على البنية والمستويات التي تتشكل من خلال المشاركة السياسية الافتراضية من خلال المعرفة، التي تمثل أساسا للمشاركة في تفاعلات السياقات الواقعية، ثم الفعل كركن ثاني مكمل للمعرفة، فلا فعل بدون معرفة والمعرفة لا ترقى إلى مستوى المشاركة بدون فعل، والمقصود بالفعل هنا هو النشاط الذي يقوم به الشخص المتفاعل والذي يمتلك القدرة على النفاذ إلى التفاعلات للاشتراك في الموضوعات المتباين للتفاعل عبر الشبكات الاجتماعية. والتفاعل كعنصر ثالث، من خلاله يتم تبادل المعلومات والمعارف فتكتمل المشاركة بتحويل الفعل أو النشاط إلى تفاعل، وقد يكون هذا الأخير مع الافراد أو يمتد إلى الجماعات مع الاخذ بعين الاعتبار أن تفاعلات ومشاركات المجتمع الافتراضي تقوم على أساس مشاركة الاهتمامات.
يحتل إذن، التفاعل الاجتماعي في العملية الاتصالية، مكانة بارزة عند علماء النفس الاجتماعي، ويشير إلى تلك العمليات الادراكية والمشاعرية والسلوكية التي تتم بين الأطراف المتصلة، بحيث تتبادل هذه الأطراف رسائل كثيرة فيما بينها في موقف اجتماعي محدد زمانيا ومكانيا، ويكون سلوك طرف منها منبها لسلوك الطرف الاخر. كما شكل الاعلام التفاعلي أو ما يعرف بالإعلام الجديد محورا من محاور التعاطي الأكاديمي في مختلف المجالات السوسيولوجية، ذلك أنه اكتسب مكانة هامة في التعاملات الاجتماعية وساهم بقوة في إعادة رسم وتفكيك الأنساق الكلاسيكية للمجتمع، وكان له دور هام في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية وفق نمط غير تقليدي وأسس لمفاهيم نظرية أكثر تعقيدا.

التازي أنوار: باحث في سلك الدكتوراه تخصص العلوم السياسية والتواصل السياسي
جامعة الحسن الثاني – المحمدية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.