أضحت النقاشات المجتمعية التي تدور رحاها على صفحات الافتراضي، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي بارزة لا تخطئها العين، فلا يقع حدث مهم في الحياتين الاجتماعية والسياسية إلا ويجد له أصداءا واضحة في العالم الافتراضي، بل إن الكثير من الوقائع المادية التي تحدث في الواقع الفيزيائي قد يكون مبعثها ومنطلقها من هذا الوجود الجديد، لهذا ليس بدعا في شيء إذا قلنا بأن الافتراضي أصبح يثبت يوما بعد يوم كفاءته في صياغة التوجهات الرئيسة للرأي العام، وقدرته على التأثير في السياسات العمومية. وقد أظهرت مناسبة الحجر الصحي المرتبطة بانتشار وباء كورونا، والتي ألزمت الناس المكوث في بيوتهم مدة ليست بالقصيرة قدرة الافتراضي على التوجيه والتأثير أكثر من أي وقت مضى، وذلك من حيث الانفصال الكلي للتوجيه والتأثير الافتراضيين عن الواقع المادي، إذ أن غالب الحوادث السابقة التي كان يُحدث فيها الافتراضي تأثيرا محتملا على الواقع كان التأثير ينطلق من الافتراضي ليتشكل فعلا ماديا في الواقع، أما في زمان الحجر الصحي فإنه لم يغادر الوجود الافتراضي ورغم ذلك فقد أحدث الكثير من السطوة والنفوذ سواء على مستوى توجيه الرأي العام أو على مستوى التأثير في القرار العمومي. فإلى أي حد يمكن للافتراضي إذن أن يساهم في تشكيل الرأي العام ومن ثمّ التأثير على السياسات العمومية وصناع القرار؟ من نافل القول أن العالم اليوم يشهد ثورة رقمية هائلة متمثلة على الخصوص في الانفجار المعلوماتي الهائل، والانتشار الواسع لوسائل الإعلام وتكنولوجيا التواصل، والتدفق السريع للمعلومات، وقد أدت هذه الثورة بكل تطوراتها إلى خلخلة الكثير من المفاهيم التقليدية المتعلقة بالزمان والمكان والمادة وطرق الاتصال والتواصل وآليات التأثير المختلفة، فقد غدا ما أصبح يُنعت بالفضاء الافتراضي يتجاوز الزمان والمكان، “فالزمن تكثَّف، والمكان تقلص وتميع” (جوهر الجموسي، الافتراضي والثورة ص30)، كما أن المسافات انحازت إلى الانحسار والانعدام، وهو ما عبَّر عنه البعض ب”موت المسافات”. ولعل من أهم السمات التي تطبع هذه التحولات نشوء “مجتمع التواصل”، وذلك في زمان أصبحت المعلومة والصورة هما اللتان تطبعان المجتمعات الحديثة وتُوجهها، بحيث يمكننا أن ننعت زمان هذه المجتمعات ب”عصر المعلومات”، مثلما أننا ننعت زمان المجتمعات التي ارتبطت بالصناعة ب”العصر الصناعي” (مانويل كاستلز، سلطة الاتصال ص31)، وبما أن هذا التواصل أصبح يجري أساسا عبر شبكات الأنترنيت الافتراضية فقد آل الأمر إلى بروز كيانات ذات صبغة افتراضية، سواء أكانت هذه الكيانات أفرادا أو كانت جماعات، وهو ما يسميه بعض الباحثين ب”الجماعات الافتراضية” (جوهر الجموسي، الافتراضي والثورة ص33)، هذه الكيانات التي تتجاوز الحدود الجغرافية الضيقة، وتعتمد أساسا على مجتمع المعرفة ذي السيولة المعلوماتية الهائلة. فهل تملك هذه الكيانات الافتراضية سلطة ما؟ وما مدى تأثيراتها المحتملة -استندا على تلك السلطة- على الواقع، سواء من حيث قدرتها على توجيه الرأي العام أو من حيث كفاءتها التأثيرية في السياسات والقرارات العمومية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال سأحاول بسط الحديث عن ما أعنيه في هذا المقال ب”سلطة الافتراضي”، ليتسنى لنا بعد ذلك محاولة تقريب الإجابة على السؤال المركزي المتعلق بمدى قدرة الافتراضي على ممارسة سلطته على الرأي العام ونفوذه على صناع القرار. وحتى لا نتيه في النظريات المتعلقة بالسلطة وعلاقتها بالمجال الافتراضي سأكتفي بعرض مفهوم السلطة، و”سلطة الاتصال” على وجه الخصوص، معتمدا في ذلك على نظرية عالم الاجتماع المعروف مانويل كاستلز حول “سلطة الاتصال”، التي بسطها في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه “سلطة الاتصال” Communication power، وأعاد التأكيد عليها مرة أخرى في الدرس الافتتاحي الذي ألقاه في “مدرسة الدراسات العالمية” في باريس يوم 28 يونيو 2011 (Manuel Castells, Ni dieu ni maitre : les réseaux)، ثم برهن على قدرة الافتراضي على التأثير في كتاباته الأخرى خصوصا في كتابه “شبكات الغضب والأمل”، وأساس هذا الاختيار يرجع بالدرجة الأولى إلى كون مانويل كاستلز يعتبر أحد أبرز المهتمين بالدراسات السوسيولوجيا المتعلقة بعلم الاتصال وعلاقته بالحراكات والجماعات الافتراضية. فالسلطة –عند كاستلز مستندا إلى متن فوكو-هي القدرة التي تُمكن فاعلا اجتماعيا من أن يؤثر بشكل غير متناسب على قرارات الفاعلين الاجتماعيين الآخرين بسبل تحابي إرادة الفاعل المتمتع بالسلطة ومصالحه وقيمه، وتمارَس السلطة من خلال وسائل القسر (العنف) أو ببناء معنى (الخطاب).. أو هما معا (سلطة الاتصال ص37)، ورغم أن السلطة كما هو واضح من خلال هذا التعريف تعتمد وسيلتي الإكراه والإقناع لبث الحقائق وتقريرها، فإن الإقناع المستند على تشكيل المعنى في العقول والنفوس يبقى هو الوسيلة الأعظم أثرا، والأبقى مع مرور الزمان، ف”الصيغة الأكثر أصولية للسلطة تكمن في القدرة على تشكيل العقل البشري” كما يقول كاستلز (سلطة الاتصال ص28). لكن بما أن المعنى “يتشكل في المجتمع من خلال عملية الفعل الاتصالي” (سلطة الاتصال ص40) فإن وسائل الإعلام والاتصال تلعب دورا محوريا في هذه المعركة، وهو ما يفسر سعي السلطة بكل أنواعها للتحكم والسيطرة على وسائل الاتصال (سلطة الاتصال ص27). لكن التطورات التكنولوجية والثورة المعلوماتية التي أشرنا إلى بعض مظاهرها في مقدمة هذا المقال قد غيرت بشكل جذري في وسائل الاتصال، حيث يجادل مانويل كاستلز بأن “عملية صياغة وممارسة علاقة السلطة تغيرت بشكل حاسم في السياق التكنولوجي والتنظيمي الجديد الناتج عن ظهور شبكات الاتصال الرقمية” (سلطة الاتصال ص29) ، وبالتالي فإن أهم ما استطاعت الرقمية المنبنية على الاتصال المتشابك إحرازه هو تحقيق “التواصل الذاتي للجماهير” Mass self-communication. ويقصد كاستلز بهذا التواصل الجديد، التواصل الذي “يخاطب الجمهور العادي نفسه في الأساس عبر المدونات ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي على الأنترنيت” بحيث أنه عندما “تصل رسالة مستخدم عادي إلى محيط الأنترنيت المتلاطم، فإنها قد تصل إلى ملايين الأشخاص عبر العالم”،(سلطة الاتصال ص10)، وهو عكس ما يدعوه الرجل ب”الاتصال الجماهيري التقليدي” القائم على الاكتفاء بتوجيه الرسائل بدل التفاعل بين المرسل والمرسل إليه كما هو الشأن في التواصل الجديد. ولعل أبرز النتائج التي أسفرت عنها هذه التحولات أشير إلى ما يلي: -أولا: إعادة توزيع مراكز السلطة داخل المجتمع، ورسم حدود جديدة بين المؤسسات الاجتماعية المختلفة، ومنح مؤسسات السلطة المضادة -حسب مانويل كاستلز حيثما وجدت السلطة فثمة سلطة مضادة- قدرة أكبر على الفعل والتأثير (Manuel Castells, Ni dieu ni maitre : les réseaux)، بحيث يسمح الافتراضي لوجهات النظر المهمشة، أو التي لا يُسمح لها بالتعبير في الفضاء العمومي المادي بإبداء وجهة نظرها ونشرها على نطاق واسع. -ثانيا: تعزيز فرص التغيير الاجتماعي عن طريق إيجاد فرص أوسع للولوج إلى عقول الجماهير وتشكيلها، فظهور “التواصل الذاتي للجماهير” في السياق التكنولوجي الناتج عن ظهور شبكات الاتصال الرقمية العالمية يعزز بشكل حاسم استقلال القائم بالاتصال في مواجهة شبكات الاتصال التقليدية والمرتبطة عادة بالسلطة المهيمنة، ومن ثمّ محاولة صناعة التغيير، والدفاع عن قيم بديلة، من خلال ما يتيحه هذا النوع من الاتصال من إمكانية الوصول إلى جمهور عريض والتفاعل مع قضاياه. -ثالثا: إبعاد شبكات التواصل في الفضاء الافتراضي عن أية إمكانية للرقابة بمختلف صورها التقليدية، فهي تقع خارج سيطرة الحكومات والشركات الكبرى كما يقول كاستلز (Manuel Castells, Ni dieu ni maitre : les réseaux)، كما أنها تقع أيضا بعيدة عن مؤسسات الرقابة الاجتماعية كالأعراف والتقاليد، إنها باختصار “تكنولوجيا الحرية”، وهو شيء يعزز بكل وضوح “استقلالية للفاعل الاجتماعي.. لذلك تخشى الحكومات الأنترنيت” (شبكات الغضب ص30). والنتيجة “أن تقانة المعلومات والاتصالات واستخدامها ساعد الدمقرطة، وقوى الديمقراطية، وزاد المشاركة المدنية والاستقلال للمجتمع المدني، ممهدا الطريق للتحول الديمقراطي للدولة، وأيضا لتحدي الديكتاتوريات” (شبكات الغضب ص121)، وهي نتيجة مبنية على دراسة موسعة وموثقة قام بها فيليب هوارد في كتابه “الأصول الرقمية للدكتاتورية والديمقراطية..” على أساس تحليل مقارن لخمسة وسبعين بلدا وذلك قبل الحراك العربي، أما أثناء هذا الحراك فالأمر أكثر وضوحا ولا ينكره إلا جاحد للأدوار التي لعبتها مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية في إلهام الشباب وقوى التغيير، ورغم الانتكاسات المريرة التي مُني بها الحراك العربي في أغلب تجاربه، وكذا محدودية النتائج التي حققها في تجارب أخرى، فإن ذلك لا يقوم دليلا قويا على انكفاء هذه الوسائط الافتراضية عن لعب أدوار فعالة في تحقيق توازن السلطة بين الأطر التقليدية المهيمنة والمؤسسات الاجتماعية الساعية لاختراق السياجات الحديدة التقليدية التي تلف بها مؤسساتُ السلطة المهيمنة حياةَ الناس الاجتماعية والسياسية. وجميع ذلك يثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أن العالم الافتراضي اليوم له حضور قوي في حياة الناس، وتأثير ملموس على توجهات الرأي العالم، ويساهم بشكل متصاعد ومطّرد في التأثير على صناع القرار، ومن ثمّ في صياغة السياسات العمومية وإقرارها. ومن شواهد ذلك ما عايشناه في المغرب خلال مدة الحجر الصحي من النقاش المجمتعي حول قانون 20-22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، حيث سعت مجموعة من الدوائر النافذة إلى تمرير مجموعة من البنود المتضمنة لعقوبات قاسية تتعلق بالنشر في العالم الافتراضي، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي ضمن هذا القانون قصد لجم الافتراضي الذي أثبت قوة تأثير هائلة، وسطوة منقطعة النظير خلال حملة المقاطعة التي عرفها المغرب لبعض المنتوجات الاستهلاكية ابتداء من أبريل 2018، قبل أن تخبو بعد ذلك بزمان لا بأس به، هذه المقاطعة التي كان العالم الافتراضي هو منطلقها وميدان التعبئة لها ومعترك حراكها، بحيث يمكننا أن ننعتها ب”المقاطعة الافتراضية”، نسبة إلى العالم الافتراضي الذي تنشط فيه الكيانات الافتراضية، وإلا فإنها أوجع لمن تمت مقاطعتهم من الحملات التي تتم في الفضاء المادي الواقعي. لقد أكدت الدراسة الميدانية التي أجراها مكتب الدراسات حول الأسواق “أفيرتي” -التي نَشرت نتائجها وسائل الإعلام آنذاك- إبان حملة المقاطعة المشار إليها أن ثمانين في المائة من المستجوَبين المؤيدين لحملة المقاطعة كان مصدر معرفتهم بالحملة هو وسائل التواصل الاجتماعي. إن قوة الافتراضي تظهر بوضوح في قدرته على إسقاط مشروع القانون المذكور، الذي سعت من خلاله الحكومة والجهات النافذة إلى تقييد الافتراضي نفسه، والحد من تأثيراته، فبعد مدة يسيرة على تسريب بعض بنود مشروع القانون السيئ الذكر والضجة الكبيرة التي رافقت ذلك، أذعنت الحكومة لضغط الرأي العام وقررت تأجيل عرض هذا المشروع على البرلمان إلى حين إعادة النظر في بنوده المثيرة للجدل. كما تظهر هذه القوة أيضا بوضوح في حملة المقاطعة التي أوجعت المستهدفين بها فسعوا إلى تمرير القانون المذكور في وقت يعيش فيه المغاربة حظرا على استغلال الفضاءات المادية للتعبير عن أرائهم، لكنهم تناسوا أن الفضاءات الافتراضية أصبحت اليوم توازي الفضاءات المادية من حيث القوة والتأثير، وربما تفوقها في بعض الأحيان. لكنني لن أنسي أن أنبه هنا إلى مسألة مهمة -رغم ما قلته عن قوة الافتراضي وسطوته- وهي أن تأثيراته ليست دائما على نفس الدرجة من القوة التي أشرت إليها، ولعل الدليل على ذلك هو تجاهل صناع القرار للكثير من المطالبات والنقاشات المجتمعية الافتراضية التي تخص قضايا أخرى، أو عدم قدرة صناع المحتوى على التأثير في الرأي العام وتوجيهه في قضايا كثيرة، وتفسير ذلك يعود إلى إحدى الملاحظات النابهة لمانويل كاستلز تتعلق بكون السلطة عبارة عن شبكات متداخلة ومتفاعلة من الممارسات الاجتماعية، وليست بعدا واحدا فقط، ف”السلطة علاقة وليست خاصية” (سلطة الاتصال ص38)، وعليه فالافتراضي هو بُعد من أبعاد هذه السلط الموجودة والمتفرقة في أمكان نفوذ مختلفة، ومن ثمّ يكون أحيانا قويا ويستطيع التأثير، وتغالبه مرات عديدة قوى أخرى فينحسر تأثيره وتضعف قوته. لكن عموما، كيف يمكننا أن نفسر هذه القوة الموازية والسطوة المؤثرة التي أصبح يمتلكها الافتراضي؟ ربما يحتاج هذا السؤال إلى دراسة مستقلة وموسعة لكنني سأكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الإلماعات العارضة فقط، منها: -أولا: كون الافتراضي أصبح يتسم بواقعية حقيقية لا غبار عليها، حتى إنني لا أبالغ إن قلت بأنه أصبح يعادل الواقعي ويضاهيه لا من حيث وجوده فقط، ولكن من حيث قوة غشيان الناس له أيضا، فقد أصبح الناس اليوم يقضون معظم أوقاتهم افتراضيا، وربما أكثر مما يقضونه من الأوقات في العالم الواقعي، فالافتراضي أصبح واقعي بحكم الوجود الفعلي، أما الواقعي فقد أصبح ينحاز شيئا فشيئا نحو الافتراضي، وهذا ما يدعوه Paul Malhias بفكرة الاحتجاب Le postulat d'immersion وذلك في معرض تحليله لأشكال انخراط الناس في الممارسات الشبكية الافتراضية، وتعني فكرة الاحتجاب عنده بأن الافتراضي أصبح “بيئة معيشية”، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حصره في أجهزة آلية فقط (الثورة الرقمية، ثورة ثقافية ص31). ولعل فكرة الاحتجاب هذه قد ازدادت رسوخا في زمان الحجر الصحي، وذلك لانصراف أغلب الناس لتصريف معظم أوقاتهم في العالم الافتراضي، وكذا قضاء الكثير من أوطارهم المادية: الإدارية والاقتصادية.. عَبره، كما أن هذه الفترة كشفت عن فعالية المؤسسات الاجتماعية افتراضيا، بحيث عملت الكثير من الجمعيات الثقافية والأحزاب السياسية والنقابات العمالية على نقل أنشطتها التأطيرية والفكرية والثقافية إلى العالم الافتراضي، فقد برزت بقوة المحاضرات والندوات المباشرة لهذه الكيانات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. -ثانيا: كون الافتراضي عالم شبكي بامتياز، قائم على التواصل الشبكي من خلال معالجة التدفق الهائل للمعلومات عبر قنوات تربط بين العقد، وقد أصبحت الشبكات الافتراضية أكثر صيغ التواصل كفاءة حسب مانويل كاستلز وذلك لتمتعها بثلاثة ملامح أساسية على الأقل هي: المرونة -وهي القدرة على إعادة التشكيل وفقا للبيئة المتغيرة-، والإنتاج الكبير، والقدرة على البقاء (سلطة الاتصال ص53). فخاصية التشبيك الافتراضي تتيح إذن ما لا تتيحه طرق الإعلام والتواصل التقليدية وذلك عبر سرعة تدفق المعلومات، وعمومها من حيث الإنتاج والتلقي، والانتشار الواسع للمعلومة والخبر والرأي. -ثالثا: الميزات التي يُيسرها الإبحار في الافتراضي مما لا يمكن تحقيقه في الواقعي، مثل كونه يسمح للهامشي بمزاحمة المركز ومقاسمته سلطة التأثير وإن بنسب معينة، وكونه كذلك يفتح آفاقا للمؤسسات المتوارية إلى الخلف بالتقدم نحو الأمام، ويمّكن المبحرين من قدرة هائلة على التعبئة والحشد، ويمنحهم أدوارا موازية في صياغة العقول وتشكيل توجهات الرأي العام، وهي المسألة الرئيسة التي تتركز حولها معارك الإعلام والاتصال، ويعمل أيضا على تحسين كفاءة الفضاء العمومي من حيث توسيع هوامش مناقشة القضايا العمومية، حتى أنه يمكننا القول أن الشأن العام أصبح اليوم “مشاعا للجميع” (الجموسي 19)، كما يُيسر تجميع الاهتمامات المشتركة للافتراضيين عبر خاصية: التقاسم Le partage… وغير ذلك.