خلال المتابعة الواسعة للمواطنين في المغرب لتطورات وباء كورونا (كوفيد 19)، انتشر الهلع والخوف وتضاربت المواقف والآراء بفعل ترويج أخبار مغلوطة وصور ومقاطع فيديو مخيفة عن ضحايا مفترضين للوباء عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مما دفع بالجهات المختصة إلى الشروع في اتخاذ جملة من الاجراءات الزجرية للحد من المخاطر الأخلاقية والنفسية والقانونية والحقوقية للاستعمالات غير السليمة لشبكات التواصل الاجتماعي والحفاظ على الأمن الاجتماعي ونشر الطمأنينة بين المواطنين، وتعزيز انخراطهم في الجهود المبذولة من أجل محاصرة الوباء من خلال نشر المعلومات والتوجيهات الصحيحة ومطالبة المواطنين بالتقيد بها حفاظا على سلامتهم وسلامة الوطن بصفة عامة. لقد تحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى وسيلة بالغة الأهمية وواسعة الانتشار في التواصل البشري المباشر ونقل الأخبار والمعلومات، والتثقيف والترفيه، متجاوزة وسائل الاتصال التقليدية، كالصحف والإذاعات، نظراً لما تتميز به من تخطً للحواجز الجغرافية والمكانية والسرعة الكبيرة في نقل الملفات، إضافة إلى ما تتمتع به من قدرة فريدة وفعالة في تأطير النقاش العمومي حول القضايا الحيوية للمجتمعات. وساعدت وسائط الاتصال الجديدة على ظهور جيل مؤثر من الشباب منتج للمحتوى الرقمي بغزارة، حيث أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي مشاركة الشباب في إنتاج مضامين إعلامية للتعبير عن آرائهم، والتعريف بمشاكلهم، ونشر تصوراتهم ومواقفهم من مختلف الأحداث المحلية والإقليمية والدولية. وأدى ذلك إلى تطور مذهل لما يسمى بالإعلام الاجتماعي، وهيمنة النموذج القصير للمحتويات والرسائل الإعلامية. غير إن الاستعمال المفرط للشباب لشبكات التواصل الاجتماعي، يحمل في طياته كثيرا من المخاطر، والانحرافات التي تتمثل إجمالا فيما يطلق عليه الجرائم الإلكترونية. ومن ثمة فإن الحكومات في كل بقاع المعمور وجدت نفسها تواجه مشاكل كبيرة في حماية الشباب من مخاطر استعمال شبكات التواصل الاجتماعي. وفي الواقع فإن شبكات التواصل الاجتماعي، كتقنية رائدة وجديدة، لا علاقة لها بهذه المخاطر والانزلاقات، بل المسؤولية تعود أولا وأخيرا إلى مستعملي هذه الشبكات. كما أن التصدي لأشكال الاستعمال السيء لشبكات التواصل الاجتماعي، لا يجب أن يقتصر على اتخاذ الاجراءات القانونية الزجرية، بل يجب أن يتعزز بتربية الأطفال والشباب على التعامل الواعي والجيد مع التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال، وإدراك خطورة استعمالها في نشر الأخبار الزائفة والمضللة، والتشهير بالأشخاص وسبهم والتطاول على حياتهم الخاصة. وهنا يكون من الضروري إيلاء عناية كبيرة في بلادنا للإعلام التربوي، وللتربية الإعلامية. إن الإعلام التربوي مصطلح جديد نسبياً، ظهر في أواخر السبعينات من القرن 20 عندما استخدمته منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، للدلالة على التطور الذي طرأ على نظم المعلومات التربوية، وأساليب توثيقها، وتصنيفها، والإفادة منها، وذلك أثناء انعقاد الدورة السادسة والثلاثين للمؤتمر الدولي للتربية عام 1977م. ومع التطور التقني الهائل الذي طرأ على وسائل الإعلام مع بداية الألفية الثالثة، والذي تمثل في إلغاء الحواجز الزمنية والمكانية من خلال تقنية البث الفضائي عبر الأقمار الاصطناعية، وانتشار تقنيات الإعلام الجديد، تطور مفهوم الإعلام التربوي، وامتد ليشمل الواجبات التربوية لوسائل الإعلام العامة، المتمثلة في السعي لتحقيق الأهداف العامة للتربية في المجتمع، والالتزام بالقيم الأخلاقية، ويعزى هذا التطور للأسباب التالية: - تطور مفهوم التربية الذي أصبح أوسع مدىً، وأكثر دلالة فيما يتصل بالسلوك وتقويمه، والنظرة إلى التربية على أنها عملية شاملة ومستدامة، وتحررها من قيود النمط المؤسسي الرسمي. 2- انتشار وسائل الإعلام على نطاق واسع، وتنامي قدرتها على جذب مستقبل الرسالة الإعلامية، وبالتالي قدرتها على القيام بدور تربوي مواز لما تقوم به المؤسسة التربوية الرسمية. 3- تسرب بعض القيم السلبية، والعادات الدخيلة على ثقافة المجتمعات، وتحديداً في البلدان النامية تحت غطاء حرية الإعلام. لقد تنوعت التعريفات التي تناولت الإعلام التربوي، ويمكن تصنيفها في أربعة اتجاهات رئيسة، وهي : الاتجاه الأول: ويعني بالإعلام التربوي " التطور الذي طرأ على نظم المعلومات التربوية، وأساليب توثيقها وتصنيفها والإفادة منه." ويؤخذ على هذا التعريف أنه يحمل دلالة هي أقرب ما تكون لمفهوم نظم المعلومات التربوية، وليس لمفهوم الإعلام التربوي، فمجالات الإعلام التربوي هي نفسها مجالات العملية التربوية، وحيث أن كل المعارف العلمية والمهنية والاجتماعية يمكن أن تكون موضوعاً للعملية التربوية والبحث التربوي، فإنها بالتالي يمكن أن تكون مادة للإعلام التربوي. الاتجاه الثاني: ويرى أن تعريف الإعلام التربوي يمتد ليشمل "الواجبات التربوية لوسائل الإعلام العامة." ويرى بعض الباحثين أن ما قدمه أصحاب هذا الاتجاه، لا يعدو كونه رأياً، وليس تعريفاً للإعلام التربوي، كونه منقوصاً، ويتصف بالعمومية، كما أنه يثير مشكلتين أساسيتين، تتمثل المشكلة الأولى في تحديد المعايير التي يمكن الاستناد إليها في إصدار الأحكام على محتوى وسائل الإعلام العامة، في حين تتمثل المشكلة الثانية في أسس الالتزام التربوي والأخلاقي لوسائل الإعلام. الاتجاه الثالث :ويعرف الإعلام التربوي بأنه "المحاولة الجادة للاستفادة من تقنيات الاتصال وعلومه من أجل تحقيق أهداف التربية من غير تفريط في جدية التربية و أصالتها، أو إفراط في سيطرة فنون الاتصال و إثارته عليها" وهذا ما تبناه بعض الباحثين في دول الخليج العربي. ويؤخذ على هذا التعريف كونه تعريف توفيقي متأثر بواقع الخلاف بين التربويين والإعلاميين حول تبعية هذا المصطلح، إضافة إلى عدم التمييز بين مفهوم الاتصال ومفهوم الإعلام، وكذلك إغفال بعض الجوانب المهمة مثل: مضمون الرسائل الإعلامية للإعلام التربوي. الاتجاه الرابع: ويقدم تعريفا تبناه معهد الإنماء العربي ويرى أن الإعلام التربوي: " يقوم على البرامج التربوية في الإذاعة والتلفزيون، وعلى المجلات والنشرات التربوية، والمحاضرات والندوات." ومع أن هذا التعريف يحدد عدداً من وسائل الإعلام التربوي، غير أنه لا يوضح ماهية البرامج التربوية، وطبيعة محتواها، فهل المقصود هو البرامج التعليمية، كالدروس المنهجية المساندة لطلبة المدارس، وبرامج تدريب المدرسين أثناء الخدمة؟ أم البرامج التربوية بحسب المفهوم الشامل للتربية المستدامة؟ ومن التعاريف الأكثر تداولا التعريف الذي يرى أن الإعلام التربوي: "كل ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من رسائل إعلامية ملتزمة، تسعى للقيام بوظائف التربية في المجتمع، من نقل للتراث الثقافي، وغرس لمشاعر الانتماء للوطن، بحيث تتمكن مختلف فئات المجتمع من إدراك المفاهيم، واكتساب المهارات، والتزود بالخبرات، وتنمية الاتجاهات، وتعديل السلوك." ومن التعريفات المتداولة للتربية الإعلامية هي "جميع الجهود والأنشطة الإعلامية الداعية والهادفة التي تبثها وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية "والتي تساعد على بناء الإنسان وإعداده من جميع النواحي (أخلاقية، عقلية، روحية، اجتماعية واقتصادية) ليتمكن من أداء رسالته نحو مجتمعه وتعمير الكون باعتباره خليفة الله في الأرض. فالتربية الإعلامية لا يمكن أن تتم بشكل مقصود مباشر، وإنما يمكن أن تتم من خلال بث القيم التربوية والأخلاقية في محتوي الرسالة الإعلامية بحيث يكون تأثيرها في المتلقي متدرجا وغير مباشر حتى تؤتى ثمارها. إن التربية الإعلامية أعم وأشمل من الإعلام التربوي الذي يهتم بنشر بيانات صحيحة وقابله للاستخدام تتعلق بجميع أنواع فرص التدريب والمتطلبات التربوية الحالية والمستقبلية، ويشمل ذلك محتويات المناهج وظروف ومشكلات الحياة الطلابية. كما أن مفهوم الإعلام التربوي فما زال في حاجة الي تأصيل، وما زال هناك خلاف حول هذا المفهوم، فهل هو الإعلام عن الجهود التربوية للاستفادة منها؟ أم هو الاستفادة من علوم الاتصال وتقنياته من أجل الوصول إلى أهداف التربية؟ غير أنه من المتفق عليه هو أن الإعلام التربوي يعد أنسب وسيلة لتنسيق التعاون التكامل بين التعليم والإعلام. كما أن مفهوم الإعلام التربوي أعم وأشمل من الإعلام التعليمي، وأن التربية الإعلامية أعم وأشمل من الإعلام التربوي، وان كانت جميعها تلتقي عند نقطة واحدة وهدف مشترك هو المساعدة علي بناء الإنسان وتحقيق رسالة التربية الخاصة مع تعاظم التقنيات الحديثة في مجال الاتصال وما يتطلب ذلك من دور أكبر للتربية الإعلامية لتنمية الحس الإعلامي لدى الأفراد ومساعدتهم علي أدراك وانتقاء المفيد من الرسائل الإعلامية، والتمييز من خلال الخبرات والمهارات المكتسبة بين الغث والسمين منها، خاصة في ظل الانتشار الكاسح لاستعمال تقنيات الإعلام والاتصال الجديدة لقد شهد المجتمع الدولي مع بدايات الألفية الثالثة ثورة معلوماتية حقيقية وتسارعا هائلا في وتيرة تطوير تقانات المعلومات والاتصال، وانتشار استعمالها في كل مرافق الحياة اليومية، وسرعة تداول المعلومة وتعميمها. وساهمت هذه التقانات في نشر الوعي بالحق في حرية التعبير، والمشاركة السياسية والتقانية للأفراد والجماعات، فأصبح الاهتمام كبيرا ببرامج التربية على الحق في الإعلام والاتصال كأحد حقوق الإنسان. ومن هذا المنظور، فإن التوجه الجديد في مجتمع المعرفة يضع الإنسان كمحور أساس، وهدف استراتيجي، وأداة فعالة للتنمية المستدامة، حيث لم يعد المطلوب من الأفراد والجماعات إنتاج المعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها، بل تركزت الجهود حول كيفية بناء الرأس المالي البشري القادر على الابتكار والإبداع من خلال تطوير نظم التعليم والتعلم وتنمية قطاع الإعلام والاتصال عبر تبني نظم جديدة تستند لقيم الحرية والمساواة والعدالة والتعددية واستقلالية التفكير. لقد أكدت القمة العالمية لمجتمع المعلومات (تونس 2005) على أن التربية والمعرفة والمعلومات والتواصل هي أساس التقدم وروح المبادرة ورفاه بني البشر، ومن ثم يتعين التشجيع على استعمال تقانات المعلومات والاتصال في جميع مراحل التعليم وتكوين الموارد البشرية. وقد تم تحديد أربعة أهداف استراتيجية في مجال التكوين والتوعية هي تعميم محو الأمية والأمية الرقمية، وتكوين المدرسين والتلاميذ والباحثين والفاعلين في المجال السوسيوثقافي على استخدام تقانات المعلومات والاتصال، وتكوين أطر محترفة في مجال تقانات المعلومات والاتصال وبناء القدرات في مجال إنتاج المحتويات المعرفية، والانخراط في التفكير في مجال الأخلاقيات وحماية مستعملي الانترنت. واعتبارا للأهمية البالغة التي تحظى بها تقانات المعلومات والاتصال، والأدوار التي أضحت تضطلع بها في التنمية البشرية المستدامة، أصبح المجتمع الدولي يولي عناية فائقة إلى معالجة قضية مجتمع المعلومات والمعرفة من منظور تربوي واجتماعي وإنساني وليس فقط من منظور تقني صرف. وقد استشعرت كثير من الدول هذه الأهمية، فركزت جزءا من عملها على هذا المجال من خلال متابعة تنفيذ استراتيجيات وطنية في مجال تقانات المعلومات والاتصال التي تضمنت خطوات وإجراءات من أجل ولوج مجتمع المعلومات وتوفير الشروط الضرورية للانتقال إلى مجتمع المعرفة. ومن أهم تلك الإجراءات سن التشريعات المرافقة وإعداد البنية التحتية المسايرة، وإنشاء مراصد وطنية لتقانات المعلومات والاتصال، وتشبيك علاقات التعاون وتبادل الخبرات وتكوين الأطر. لقد قامت المنظمات الدولية المختصة وفي مقدمتها اليونسكو بدعوة الحكومات إلى بذل الجهود من أجل ترسيخ ثقافة التواصل والتوعية بأهمية استعمال وسائل الاتصال الحديثة داخل المؤسسات التعليمية من أجل نشر ثقافة التواصل والحوار والفهم والتفاهم، وتعزيز انفتاح التلاميذ على وسائل الإعلام والاتصال لتحليل رسائلها واتخذ مواقف نقدية من مضامينها. كما عملت على تحسيس الدول بأهمية إيلاء مزيد من العناية للإعلام التربوي من خلال دعم الجهود التي تبذلها وزارات التربية والتعليم في هذه الدول على مستوى توظيف تقنيات المعلومات والاتصال كوسائل بيداغوجية مساعدة في تحقيق أهداف العملية التعليمية من جهة، والتربية على استعمال وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية من خلال تشجيع الأنشطة المدرسية الموازية ذات الطابع الإعلامي والاتصالي مثل إعداد المجلات المدرسية، وبرامج الإذاعة والتلفزة المدرسية، وإنشاء المواقع الإلكترونية، واستثمار نوادي الصحافة في المؤسسات التعليمية لتعزيز حرية التعبير المسؤول، ودمقرطة الاتصال وتداول المعلومات. *باحث في علوم الاتصال