السؤال السيروري الذي لا ينفك عن مباغتتنا كلما ران حر اندلاقه واستوى خفقانه، هو: هل الصحافة أدب؟ وبالموازاة، هل يسترفد أحدهما الآخر، ويطلب معونته وعطاءه، ويحتوي منظومته وطرائق انكشافه وتكشفه؟ أم هي حدود لا تتجاوزها جغرافيا وأحواز كل واحد منهما، بكل الخصائص والارتباطات التي تتحدر من انشغالاتهما وأدوارهما ووظائفهما وعلاقاتهما المتشعبة، التي تربطهما بالعوالم الأخرى؟ في "الصحافة المكتوبة" مثلًا، ما يحيل إلى نشيش من الأدب، فنقول "الصحافة الأدبية"، كتصنيف عام، أو مجال منذور للاستيهام والتأثير. وللتدقيق أكثر، فتقنيات الكتابة الصحفية هنا تنحو إلى استقدام واشتباك الأدب، من أجل نقل المعلومات والمعارف، أو حتى الحقائق والوقائع المرصودة. وقد تتشاكل هذه العملية/ التقنية، لتأخذ أشكالًا في الكتابة الأدبية، تبصم بها روح العلاقة بين الكاتب والمكتوب، كما هو الشأن بالنسبة للسيرة الذاتية أو المذكرات... وغيرهما. كل ذلك للاقتراب من فعلية نشر المعلومات أو الأخبار بطرائق تجعلها تبدو وكأنها خيال أو شيء من هذا القبيل. لقد استخدم مفهوم الصحافة الجديدة، سبعينيات القرن الماضي، كتقنيات أدبية للاقتراب من خاصية الأدب، دون المساس بدقة الحقائق المروية. وفي هذا التداخل الإيتيقي، يمكن الحديث أيضًا عن وجود أربع خصائص مستعارة مباشرة من الخيال: تفضيل العرض المسرحي (الركحي) على السرد التاريخي. إعادة كتابة الحوارات أو المحادثة بدل الاقتباسات. اعتماد منظور معين باعتباره وجهة نظر خاصة. ثم استخدام التفاصيل اليومية لتحسين الوصف. هناك اتجاه آخر، يذهب إلى أن الصحافة ساهمت في قتل الأدب، كما قتلت التقريرية روح الصحافة. بل إن سمة السرعة في كتابة الأخبار، مما ينتج الكلام اليومي الصوري، جاءت لتلبي متطلبات حضارة جديدة، تضاعفت سرعتها عشرة أضعاف أو أكثر، بفضل الكم الهائل من المعلومات والصور وخدمات مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات المعلوميات الضخمة. ومن الطبيعي أن تكون اللغة والفكر وجودة المنتوج ضحايا هذه السرعة، والأمر ينسحب بالمثل على وسائل الإعلام الأخرى، من إذاعة وتلفزيون وصحف إلكترونية ومدونات، وإن كان بدرجات متفاوتة، في الاستقبال والاستدراك والنشر. إن محبتنا للأدب وللكتابة به، نعتبره رأسمالًا ثقافيًا إضافيًا لممارسة وظيفة الإعلام ورسالته النبيلة، لكن دون أن نتماهى بالمطلق، مع بيير بورديو الذي يعتبر أن الرأسمال الثقافي أداة للحفاظ على الهيمنة أو السلطة. لأن ذلك يؤدي لا محالة إلى إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية الطبقية. فالرأسمال الثقافي، هو أكثر من مجرد معرفة. إنه مفتاح لفهم قيمة الوجود، القوة الخالصة للأخلاق. هذه الورقة قُدمت في المنتدى الحواري الفكري الذي نظمته دار الشعر بمراكش حول موضوع "الشعر ومراكش في الإعلام: الصورة ومجازات الأثر"، يوم الجمعة 20 شتنبر 2024.