توطئة: عرضت جمعية أجاج للإبداع المسرحي بالمركب الثقافي بمدبنة الناظور يوم السبت 09 أكتوبر 2010م مسرحية:”ثوافيت/البحث” بأمازيغية الريف، والمسرحية كما هو معلوم من تأليف عبد القادر أصبان، وإخراج: عبد الواحد زوكي، وتشخيص: محمد الأمين المدرسي، وعبد الواحد زوكي، وكريمة لكبير. أما الإنارة فكانت من تنفيذ جواد بوشرطة، في حين كانت الموسيقى من تنفيذ نجيم بله، بينما السينوغرافيا تعود إلى عبد الواحد زوكي. وبما أن الظواهر العالمية والأنشطة الإنسانية والبشرية تتحكم فيها بنية التشاكل بشكل من الأشكال، فإن الإبداع الأدبي والفني يخضع بدوره لهذه البنية سطحا وعمقا. لذا، حاولنا أن نطبق سيميائية التشاكل على جنس المسرح، وبشكل خاص على المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف التي توجد في الشمال الشرقي من المغرب. إذاً، فماهي مظاهر سيميائية التشاكل الدلالي والتعبيري والتداولي في هذه المسرحية؟ هذا هو السؤال المحوري الذي سنركز عليه في ورقتنا هاته. أ- القسم الأول: الجانب النظري: • مفهوم التشاكل : من المعروف أن مصطلح التشاكل (Isotopie ) مصطلح فيزيائي وكيميائي يدل على الوحدة والموحد و التوازي والتجانس والتناظر والتشابه والتماثل، كما يدل على تساوي الخصائص في جميع الجهات ، ويعني أيضا الانتماء إلى حقل أو مجال أو مكان معين. وتشتق كلمة التشاكل ISOTOPIE اليونانية من ISO بمعنى متشابه ومتماثل، وكلمة TOPOS بمعنى المكان. ومن ثم، فالإيزوتوبيا Isotopie بمعنى نفس الموقع والمكان والمجال. هذا، وقد نقل كريماصA.J.Greimas هذا المصطلح من حقل الفيزياء والكيمياء ، فاستثمره في سيميوطيقا السرد ، وذلك باعتباره من أهم المفاهيم المركزية لتحليل الخطاب، وبناء المعنى، وتحقيق الاتساق والانسجام ، واستكناه الدلالة تجريدا وتقعيدا. ومن جهة أخرى، فقد يكون التشاكل على مستوى الجملة، كما يكون على مستوى الخطاب، ويكون أيضا على مستوى المضمون والدلالة، كما يكون على مستوى الشكل التعبيري ، ويتحقق كذلك على المستوى التداولي والمقاصدي. • نظريات التشاكل في الحقل السيميائي: ثمة مجموعة من النظريات والتعاريف والتصورات المتعلقة بالتشاكل السيميائي، وسوف نتتبعها واحدة تلو الأخرى لمعرفة مفاهيمها النظرية ومصطلحاتها الإجرائية: 1- تصور كريماص: يعتبر كريماص Greimas أول من أدرج مفهوم التشاكل ضمن التحليل السيميوطيقي للسرد، بعد أن أخذه من حقل الفيزياء والكيمياء، وذلك في سنوات الستين من القرن العشرين(1966م)، أثناء تأليفه لكتابه التنظيري القيم:” علم الدلالة البنيوي/ la sémantique structurale” . وبعد ذلك، أصبح هذا المفهوم الإجرائي مرتكزا منهجيا جوهريا في الكتابات السيميوطيقية النظرية والتطبيقية. بيد أن كريماص حصر هذا المفهوم على المحتوى الدلالي السردي فقط، دون أن يلتفت إلى التشاكل على مستوى الشكل أو الصياغة التعبيرية كما يرد ذلك في النصوص الشعرية. وسينتبه إلى ذلك فيما بعد فرانسوا راستيي François Rastier . ومن ثم، سيصبح الحديث عن تشاكل الدلالة ، وتشاكل الشكل والصياغة. هذا، ويعرف كريماص التشاكل بكونه:” مجموعة متراكمة من المقولات المعنوية (أي المقومات) التي تجعل قراءة متشاكلة للحكاية، كما نتجت عن قراءات جزئية للأقوال بعد حل إبهامها، هذا الحل نفسه موجه بالبحث عن القراءة المنسجمة.” ويعني هذا التعريف أن التشاكل يكون في الجملة ، كما يكون في الخطاب. وبالتالي، فالتشاكل يتم عن طريق تراكم المقومات المعجمية والمقومات السياقية. ومن ثم، يحقق هذا التشاكل انسجام الحكاية ، وسهولة مقروئيتها ، مادام التشاكل عنصرا أساسيا في إزالة الغموض والإبهام والالتباس أثناء عملية التقبل و التلقي. ويقصي هذا التعريف الجانب الشكلي من الخطاب، ويركز على المضمون فقط. بينما التشاكل حاضر بكثرة على مستوى الصياغة والمقصدية كما في مجال الشعر. ويعرف كريماص التشاكل كذلك بأنه :” هو استمرارية قاعدة سلمية للمقومات السياقية التي تمكن، نتيجة انفتاح المركبات الاستبدالية التي هي المقولات السياقية، من تحقيق تغيرات وحدات التمظهر، وهي تغيرات، عوض أن تهدم التشاكل، لا تعمل إلا على تأكيده”. والغرض من دراسة التشاكل عند كريماص هو البحث عن الانسجام الخطابي ، و التأكد من صحة المقروئية، وخلق وحدة النص، إذ يقول كريماص:” كيف يمكن أن نفسر بأن مجموعة سلمية من الدلالات تنتج إرسالية متشاكلة؟ لأن هناك شيئا أكيدا: سواء بدأنا بتحليل الخطاب من فوق، أي بالانطلاق من وحدة معجمية، تتحدد بصفتها وحدة معنى، أو قمنا بتحليل الوحدات الدنيا المكونة، فإن مسالة وحدة الإرسالية التي تفهم بصفتها كلا دالا، تعد أمرا مطروحا بالضرورة.” ويعني هذا أن كريماص يبحث عن قراءة منسجمة للحكايات المسرودة:” يمكن بواسطة مفهوم التشاكل أن نبرز كيف أن كل النصوص تتحدد على مستويات دلالية منسجمة، وكيف أن المدلول العام لمجموعة دالة، عوض أن يلتمس بشكل قبلي، يمكن أن يؤول بمثابة واقع بنيوي للتمظهر اللغوي.” لكن كريماص سيوسع مفهوم التشاكل الذي أسسه سنة 1966 بمفهوم آخر ضمنه في كتابه:” في المعنى/ Du sens” سنة 1970م توضيحا وتدقيقا، وسيتم توسيعه أيضا من قبل فرانسوا راستيي François Rastier ، وميشيل أريفي MICHEL ARRIVE ، وكاترين كيربرا أوريكشيوني Catherine Kerbrat- Orrecchioni … ليشمل عند هؤلاء الشكل والدلالة والمقصدية على حد سواء. 2- تصور فرانسوا راستيي: يعد فرانسوا راستيي François Rastier من أهم السيميائيين الغربيين الذين وسعوا مفهوم التشاكل ليشمل الدلالة والشكل على حد سواء، وذلك في مقاله القيم:” منظومة التشاكلات/ systématique des isotopies” سنة 1972م. ويعني هذا أن هناك تشاكلا صوتيا وصرفيا وإيقاعيا ونبريا وتركيبيا ومنطقيا ومعنويا… ويعرف فرانسوا راستيي التشاكل بأنه:” كل تكرار لوحدة لغوية مهما كانت”. ويعني هذا أن التشاكل عند فرانسوا راستيي يتخذ بعدا دلاليا وشكليا، وذلك من خلال التركيز على الوحدات اللغوية والشكلية. كما يتضمن هذا التعريف التشاكل والتباين.” فالتشاكل والتباين – يقول الدكتور محمد مفتاح- لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. وأنه هو الذي يحصل به الفهم الموحد والموحد للنص المقروء، وهو الضامن لانسجام أجزائه وارتباط أقواله، وأنه هو الذي يبعد الغموض والإبهام اللذين يكونان في بعض النصوص التي تحتمل قراءات متعددة، فإن بينهما أنواعا من الخلاف أتى بها الذين درسوا الخطاب الشعري على ضوء مفهوم التشاكل. وعلى هذا، فإن ميدان اختيارهم هو الذي نبههم إلى تشاكلات ليست موجودة في الكتابة الأسطورية وغيرها، فالشعر تعبير ومضمون، ولربما كان التعبير فيه أهم من المضمون، وخصوصا العنصر الصوتي والتعادلات والتوازنات التركيبية منه. فتعريف راستيي الموسع الذي رأيناه صاغه حينما درس قصيدة شعرية، ثم سارت على خطاه جماعة مو.” ويرتبط التشاكل عند فرانسوا راستيي بالاتساق والانسجام، وطريقة قراءة النص:” إن المشروع العلمي الذي يقدمه هذا النص قد ولد من قلب هذه الأسئلة البسيطة: ماذا نفعل حين نقرأ نصا ، ومن أين ينبع الشعور بوحدة النص ؟”. وهكذا، نجد أن فرانسوا راستيي قد درس التشاكل من وجهة دلالية وشكلية مادام قد تعامل مع الشعر على سبيل الخصوص، في حين قد درسه كريماص من وجهة دلالية ومعجمية، وذلك في مجال السرد والحكاية. 3- تصور جوزيف كورتيس: يعرف جوزيف كورتيس Josef Courtès التشاكل بقوله:” تحدد السمات السياقية أو الكلاسيمات في نص ما التشاكل أو التشاكلات التي تضمن انسجامه، فيقال بأن مقطعا خطابيا ما متشاكل إذا كان له كلاسيم أو عدة كلاسيمات متكررة، فالمركب الذي يجمع على الأقل صورتين سيميتين يمكن أن يعتبر سياقا أدنى يسمح بإقامة تشاكل. إن المفهوم الأساسي للتشاكل يجب أن يفهم كمجموعة متكررة من المقولات الدلالية( كلاسيمية) تجعل قراءة موحدة للحكاية ممكنة، مثلما تنتج عن قراءات جزئية للملفوظات وعن حل ملابساتها، موجهة بالبحث عن قراءة واحدة، بهذا المعنى نستطيع بسهولة، بفضل مفهوم التشاكل، أن نبين كيف أن نصوصا كاملة تقع في مستويات دلالية متجانسة. أي: كيف أن مدلولا كليا لمجموع دال عوض أن يصادر عليه مسبقا، يمكن أن يفسر كحقيقة بنيوية للتمظهر اللساني. يمكن أن يتحدد التشاكل كاستمرارية لقاعدة كلاسمية متراتبة، تسمح بتغييرات لوحدات التمظهر بفضل انفتاح الإبدالات التي هي المقولات الكلاسيمية، والتي بدل أن تهدم التشاكل، لا تقوم إلا بعكس ذلك، أي بتأكيده.” إذاً، يساهم التشاكل السردي حسب جوزيف كورتيس في إزالة الغموض والإبهام والالتباس الذي يمكن أن يقع فيه ملفوظ ما، وذلك عن طريق استخلاص الثوابت الدلالية المشتركة للصور المتعاقبة داخل الخطاب، كما يساهم في تحقيق الملاءمة والاتساق والانسجام الدلالي. ولا يخرج جوزيف كورتيس في تعريفه عن تصورات كريماص، وذلك باعتبار أن التشاكل هو تكرار لوحدات دلالية عبر مسارات النص الحكائية أو السردية. 4- تصور جماعة مو: اهتمت جماعة مو Groupe M على غرار التيار السيميوطيقي بالتشاكل، ولكن درسته من وجهة منطقية تركيبية، وذلك في كتاب:”بلاغة الشعر/La rhétorique de la poésie” . وتعرف الجماعة التشاكل بقولها:” تكرار مقنن لوحدات الدال نفسها(ظاهرة أو غير ظاهرة) ، صوتية أو كتابية أو تكرار لنفس البنيات التركيبية (عميقة أو سطحية) على مدى امتداد قول”. ويعني هذا أن جماعة مو توسع من مفهوم التشاكل ليتعدى الدلالة إلى الوحدات اللغوية الصوتية والصرفية والبلاغية والتركيبية والمنطقية، سواء أكانت تلك الوحدات المكررة تقع على مستوى السطح أم على مستوى العمق من النص. وينطبق هذا التعريف على سائر الخطابات بما فيها الخطابات العلمية والأدبية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية… وإذا كان التشاكل عند كريماص ذا طابع دلالي خاص بالحكاية، فإن فرانسوا راستيي اعتبره تشاكلا شكليا ولغويا، بينما تعتبره جماعة “مو” تشاكلا تركيبيا ومنطقيا. فإذا أخذنا على سبيل المثال:” الليل هو النهار”، فهنا تشاكل عند كريماص ، مادام هناك جامع مشترك بين الليل والنهار يتمثل في عنصر الزمان، في حين لا يوجد تشاكل في ذلك عند جماعة مو لوجود تناقض تركيبي منطقي. أما في عبارة:” الماء يجري” ، فيوجد تشاكل ملحوظ لوجود الميوعة كعنصر مشترك بين الماء ويجري. أما عبارة:” الماء يشرب” ، فلا وجود للتشاكل لوجود تناقض تركيبي منطقي بين اللاحي(الماء) والحي(يشرب). ولا يوجد التشاكل إطلاقا عند جماعة مو في عبارة:” الثلج أسود” لوجود التناقض والمفارقة المنطقية التركيبية. أي: يوجد ما يسمى باللاتشاكل(ALLOTOPIE). وعليه، فجماعة ” مو” حددت شرطين ضروريين للتشاكل ، وهما: 1- التراكم المعنوي لرفع إبهام القول، وإزالة غموضه. 2- صحة القواعد التركيبية والمنطقية بما فيها من مساواة وحمل. ومن ثم، أتت جماعة مو بتعريف آخر للتشاكل، منطوقه هو:”خاصة مجموعات محددة من وحدات الدلالة المؤلفة من تكرار لمقومات متماثلة ، ومن غياب مقومات مبعدة في موقع تركيبي تحديدي.” وهكذا، فلقد تعاملت جماعة مو مع الشعر من وجهة سيميائية ، وذلك عبر استقراء مفهوم التشاكل الشكلي بمراعاة قواعد التركيب والمنطق، أي: مراعاة ثنائية الصدق والكذب. 5- تصور جماعة أنتروفيرن : ترى جماعة أنتروفيرن Groupe D'Entrevernes بأن التشاكل:” يحقق وحدة الرسالة أو الخطاب. ويتحدد أيضا بأنه المستوى المشترك الذي يمكن أن يحقق انسجام المعطى. ويحيل المستوى المشترك على وجود بعض السمات الصغرى الدائمة والثابتة”. وترى جماعة أنتروفيرن بأن التشاكل يتحقق على مستوى الجملة من خلال توارد السميمات( sémèmes )والكلاسيمات (classèmes) التي تضفي على الجملة نوعا من الاتساق والانسجام. ويتحقق التشاكل أيضا على مستوى النص والخطاب ، وذلك ضمن المستوى الخطابي عبر المسارات التصويرية parcours figuratifs. وتساهم العلاقات الموجودة بين هذه المسارات التصويرية في إيجاد مجموعة من السمات والمقومات المشتركة الثابتة التي تتحدد على طول الخطاب، محدثة تشاكلا واحدا أو عدة تشاكلات ، والتي تضفي على النص انسجاما للصور البارزة والمؤطرة للخطاب . ومن المعروف أن ظاهرة الثبات والدوام والاستمرارية أو تكرار نفس العناصر الصغرى المشتركة تسمى بالتواتر أو التردد أو الإسهاب أو الإطناب أو التوسيع أو التمطيط ( Redondance ). ومن ثم، يمكن حسب جماعة أنتروفيرن الحديث عن نوعين من التشاكل : التشاكل الدلالي(Isotopie sémantique) والتشاكل السيميولوجي(isotopie sémiologique)، فالتشاكل الدلالي يتحدد بتواتر المقولات التصنيفية الكليسيماتيكية ، ويحقق الاتساق والانسجام داخل الخطاب المعروض، ويزيل كل غموض والتباس. فإذا أخذنا على سبيل المثال الجملتين التاليتين: 1- نسمع دوي الرعد في الجبل. 2- نسمع دوي الرعد بين الناس. نلاحظ في الجملة الأولى مقولة دلالية تصنيفية تتمثل في /الطبيعي/ في مقابل مقولة دلالية مقابلة في الجملة الثانية/إنساني/. وهذا التعارض بين المقولتين التصنيفيتين الدلاليتين يساهم في تحقيق الانسجام بين الجملتين، ويزيل كل إبهام وغموض والتباس على مستوى التقبل والمقروئية. وإذا أخذنا كلمة أو صورة ” الكنز” في علاقتها بصورة ” البطل” داخل متن سردي ما، فنجد أن هذه الصورة المعجمية تتكون من مجموعة من السمات النووية على الشكل التالي: / مجموع/ + /ثمين/ + /الكم/. هذا، وتشكل صورة الكنز وصورة البطل داخل مسار تصويري روائي أو حكائي التصنيفات الكليسماتيكية التالية: /الشيء/ أو/إنساني/. ومن ثم ستأخذ كلمة ” الكنز” بمدلول ” الشيء” عبر المسارات التصويرية داخل النص المعطى السمة المشتركة التي تتمثل في/ الاقتصادي/. في حين، تتخذ كلمة الكنز بمدلول”الإنسان” المقوم الدلالي/ الفاعلية/. أما التشاكل السيميولوجي في الخطاب أو الجملة، فيتحقق عبر تواتر أو تردد المقولات النووية، أي ما يسمى أيضا بالسمات النووية(sèmes nucléaires). فالصور تحمل في طياتها نواة دلالية تتكون من بعض السمات النووية، والتي تساهم في تقريب الصور من بعضها البعض، وتحقق لعبة الكلمات والاستعارات. فصورة” الكنز” مثلا يمكن أن تحقق ظاهرة التشاكل السيميولوجي، فكلمة /ثمين/ هي سمة نووية، ويمكن استحضار سمات أخرى مثل:/قطعة من الذهب/. ويمكن توضيح كل هذا على النحو التالي: الصورة(figure): الكنز النواة السيمية(noyau sémique): /مجموع/ + /ثمين/ + /الكم/ التشاكلات السيميولوجية: / اقتصادي/ الصور الممكنة بواسطة السمات النووية مثل: /ثمين/+/مجموع/+/ صرفي/+ / نقدي/+ إلخ… / فعالية/ صور ممكنة بواسطة السمات النووية مثل: /ثمين/+/ علائقي/+/ الرغبة/+ إلخ… التشاكل الدلالي: /الشيئي/ عكس /الإنساني/ يساهم الاختيار بين هذين الكلاسيمين في تحقيق هذه التشاكلات السيميولوجية المتنوعة: /الشيء//اقتصادي/ / مغامرة/ أو/ اكتشاف/ / إنساني//فعالية/ /ثقافي/ أو /فني/. ويتسم بحث جماعة أنتروفيرن في مجال التشاكل ببعده البيداغوجي والديداكتيكي القائم على شرح النظرية الكريماصية، ودعمها بالأدلة التوضيحية التطبيقية. 6- تصور محمد مفتاح: يقدم الباحث المغربي الدكتور محمد مفتاح في كتابه:” تحليل الخطاب الشعري” (1985م) تصورا موسعا جديدا للتشاكل يشمل الجوانب المعنوية والشكلية والمنطقية والتداولية. ويعرفه بكونه:” تنمية لنواة معنوية سلبيا وإيجابيا بإركام قسري أو اختياري لعناصر صوتية ومعجمية وتركيبية ومعنوية وتداولية ضمانا لانسجام الرسالة”. ويعني هذا التعريف أن التشاكل بمثابة تمطيط وتوسيع وتكرار لنواة دلالية معينة أو تكرار لمقومات دلالية وسيميائية، قد تكون فكرة أو عنوانا أو مقوما أو بؤرة أو جملة محورية أو مستنسخا تناصيا. وتتسم هذه النواة بالتراكم داخل النص ترددا وتواترا. بيد أن هذا التراكم قد يكون اختياريا خاضعا لحرية المبدع أو قسريا إجباريا تفرضه ضرورات اللغة وإمكانياتها المحدودة. ومن ثم، يشمل التشاكل البنية والدلالة والوظيفة. أي: يمكن الحديث عن التشاكل الصوتي والصرفي والإيقاعي والتركيبي والبلاغي، كما يمكن الحديث عن التشاكل الدلالي والتداولي المتعلق بالمقصدية. والغرض من التشاكل هو تحقيق الانسجام والاتساق والمقروئية. بيد أنه قد يصبح التشاكل لا تشاكلا ALLOTOPIE ، وخاصة في الاستعارات الشعرية الكثيفة والمتنوعة كما في الشعر المستقبلي والرمزي والسريالي ، أو النصوص اللاعقلانية ونصوص مابعد الحداثة. ويرى محمد مفتاح أن مفهوم التشاكل:” استعير من الميدان العلمي إلى ميدان تحليل الخطاب لضبط اطراد المعنى بعد تفكيكه خدمة للترجمة الآلية. وقد عمم – فيما بعد- ليشمل الشكل أيضا. إن هذا المفهوم بحسب ما استقر عليه هو أكثر فعالية في تحليل الخطاب، وقدرة إجرائية من مفاهيم بالغة التعميم أو التخصيص مثل: التكرار والتوازي. وقد أضافت إليه الدراسات الحديثة مفاهيم أخرى لسبر أغوار النص على ضوئها مثل: الاقتضاء والتضمن والشرح وقواعد الخطاب والاستدلال. ” وعليه، فلقد وسع محمد مفتاح مفهوم التشاكل ليجعله مصطلحا إجرائيا في بناء الدلالة ، وذلك عن طريق تفكيك الدلالة والصياغة والمقصدية. • منهجية قراءة التشاكل: يوظف التشاكل كما هو معروف في مجالات وميادين متنوعة ومختلفة مثل: السيميوطيقا والبلاغة والأسلوبية وعلم الدلالة ، وذلك لبناء معنى النص، وخلق انسجامه. ومن هنا، فالقارئ هو الذي يستطيع بشكل من الأشكال تحديد تشاكل النص ، وذلك برصد التكرار أو التوارد . ومن المعلوم أن تعاريف التشاكل متعددة ومتنوعة، وتختلف من دارس إلى آخر. وعلى الرغم من ذلك، فالتشاكل لا يتحقق في مقطع أو خطاب إلا بوجود مقوم واحد أو مقومات دلالية عدة مشتركة . ويعتبر التشاكل كذلك نتاج تكرار عناصر الدلالة لنفس المقولة . ويعني هذا أن التشاكل عبارة عن مجموعة من المقولات الدلالية التي تجعل قراءة سردية ممكنة منسجمة، والتي تتم قبل ذلك بواسطة قراءات جزئية للأقوال، وكل ذلك من أجل إزالة الغموض والإبهام عن النص المعطى.” ويعرف التشاكل كذلك بأنه تكرار لأي وحدة لسانية أو لغوية سواء أكان صوتا أم سمة أم بنية جملية. ويدل التشاكل الدلالي على تكرار السمات التي تؤمن الوحدة الدلالية للمتوالية النصية المتمظهرة، سواء أكانت تلك السمات تقريرية أم إيحائية، عامة أم خاصة. ويحضر التشاكل كذلك إذا كان هناك قاسم مشترك واحد على الأقل بين وحدتين دلاليتين تقعان في نفس المحور التركيبي . هذا، ويعتمد التشاكل على التحليل الدلالي ، وذلك من خلال التركيز على التحليل بالمقومات والمقومات السياقية ، بغية تحقيق وحدة النص ، وخلق اتساقه وانسجامه، وإزالة غموضه وإبهامه. ومن ثم، فهناك تشاكل دلالي وتشاكل سيميولوجي. كما يقع التشاكل على مستوى الدلالة(التمطيط الدلالي والتواتر المعجمي)، والبنية (الأصوات- الإيقاع- التركيب- الصرف- البلاغة) ، والتداول (الوظيفة- المقصدية). ويتحقق التشاكل أيضا عبر الجملة والخطاب معا. بل يمكن الحديث عن تشاكل بسيط يتعلق بتشاكل الوحدات الصوتية، وتشاكل الوحدات الصرفية، و تشاكل الوحدات المعجمية، و تشاكل الوحدات الدلالية. ومن جهة أخرى، نتحدث عن التشاكل المعقد الذي يتمثل في الجمع بين كل هذه التشاكلات الأربعة داخل مختلف التمظهرات النصية. كما يمكن الحديث عن أنواع من التشاكلات: التشاكل الصوتي، والتشاكل الإيقاعي، والتشاكل الدلالي، والتشاكل السردي، والتشاكل التلفظي، والتشاكل التركيبي. وهناك أيضا تشاكل حرفي تقريري، وتشاكل إيحائي مجازي. هذا، ويؤدي:” تحديد التشاكلات إلى إبراز آليات نمو الخطاب الروائي وتوالده، فالخطاب حينما يحدد إطارا متشاكلا، يعمل على تنمية مقاطعه الأخرى اعتمادا على هذا الإطار الأولي بمراكمة الوحدات المعجمية التي تنتشر داخل المسارات التصويرية.” وعليه، فالتشاكل مفهوم سيميائي إجرائي يسعف الباحث على تحليل الخطاب دلالة وصياغة ومقصدية، وذلك من خلال رصد المقومات المعجمية والمقومات السياقية، قصد توفير مقروئية منسجمة للنص. ويرتبط التشاكل الدلالي على الخصوص بالحقل المعجمي الذي يرد في شكل تيمات وحوافز موسعة داخل النص. فحقل الطبيعة يتكون من الكلمات التالية: النبات، الأرض، الشجرة، الطيور- الاخضرار- المطر… أما التشاكل الدلالي فهو مجموعة من الكلمات التي تتضمن نفس التيمة أو الحافز أو المحور، ولكن عبر لعبة الإحالات والمعاني المضمرة أو الثانوية أو المجازية أو التي لا تفهم إلا عبر السياق الكلي للنص. وهناك من يرى أن الحقل المعجمي بالمفهوم الدقيق ليس إلا تشاكلا معجميا ودلاليا. لكن التشاكل يختلف عن الحقل المعجمي ، لكونه يبحث عن المعاني الإيحائية والصور البلاغية والمعاني الثاوية وراء الأسطر. ويمكن أن يتحقق التشاكل حتى في غياب الكلمات والمفاهيم الظاهرة التي تحيل عليه، كما نجد ذلك في قصيدة (نوم الوادي /Le Dormeur du val d'A. RIMBAUD) ، حيث نلفي تشاكل الموت، وذلك في غياب مطلق للكلمات الدالة على الموت. وللتمثيل، فكلمات: الجروح- الأحمر- السهم- الألم- القلب. فيمكن أن نتصور هذه الكلمات التي توجد خارج السياق النصي بأنها تحيل على الحرب والعنف أكثر مما تحيل على هوى الحب. بيد أن مجموع النص هو الذي يزيل هذا الغموض والصعوبة والالتباس على مستوى القراءة. إلا أن هذه الكلمات المذكورة سابقا وردت في مسرحية:”فيدر” لراسين، فهي تحيل سياقيا على هوى الحب ليس إلا. ويعني هذا أن السياق هو الذي يحدد التشاكل الدلالي. فالحب في التصنيف المذكور ليس دلالة على اللون، بل دلالة على الحب. كما أن الجروح ليس فيزيائية، بل هي نفسانية، وهذا ما يحدده السياق النصي للمسرحية بشكل واضح وجلي. وبالتالي، فالتشاكل الدلالي هو الذي يساهم في إزالة هذا الغموض الدلالي. وإذا انتقلنا مثلا إلى دراسة التشاكل المنهجي في القصيدة الشعرية، فينبغي دراسة التشاكل البصري الأيقوني والفضائي، والتشاكل الصوتي، والتشاكل الإيقاعي، والتشاكل الصرفي، والتشاكل التركيبي، والتشاكل البلاغي، والتشاكل الدلالي والمنطقي، وتشاكل الضمائر، والتشاكل التداولي(المقصدية والرسالة والرهان). أما في مجال المسرح، فيمكن رصد التشاكل على مستوى الدلالة، بتتبع المسارات الدرامية والمشاهد الركحية، بغية تحديد المتواتر والمتردد من التيمات والحوافز والمواضيع البارزة، والانتقال من التعيين نحو التضمين ، ورصد التشاكل التعبيري على مستوى القالب، والسينوغرافيا، والتشخيص، والإخراج، والتلقي، والكتابة، والمقصدية. أما على صعيد السرد والحكاية، فيتم تقطيع العمل إلى متواليات ومقاطع نصية. وبعد ذلك، يتم الحديث على المستوى التركيبي، وذلك من خلال التركيز على التحولات الإنجازية لفاعل الفعل وفاعل الحالة، وتحديد البرامج السردية من خلال الإشارة إلى التحفيز، والتأهيل، والإنجاز، والتقويم. والانتقال بعد ذلك، إلى البنية العاملية، ورصد أدوار الفاعل العاملية والغرضية والمعجمية والانفعالية والكلامية والتفكيرية على مستوى المسارات التصويرية ضمن البنية الخطابية. وعلى مستوى البنية العميقة، تحدد الحقول المعجمية، ويرصد التشاكل الدلالي القائم على المقومات السياقية أو المقولات التصنيفية المتواترة(الكلاسيمات). كما يحدد بعد ذلك التشاكل السيميولوجي ، وذلك بالتركيز على القيم الخلافية والسمات النووية المتواترة. وعند الانتهاء من إبراز التشاكلات الدلالية والسيميولوجية ، يتم الانتقال إلى المربع السيميائي لتحديد مستخلصات التشاكل في شكل عمليات منطقية أصولية تأسيسية تتمثل في علاقات التضاد، وعلاقات شبه التضاد ، وعلاقات التناقض، وعلاقات التضمن. ب- القسم الثاني: الجانب التطبيقي: • التشاكل الدلالي في المسرحية: من يتعمق في دلالات المسرحية الأمازيغية “ثوافيت/ البحث” لعبد الواحد زوكي ، فإنه بلا شك ستصادفه حقول معجمية ودلالية يمكن حصرها في حقل الذات، وحقل اللون ، وحقل الصراع، وحقل القيم. فعلى مستوى الذات ، يحضر شخصان يحاول كل واحد منهما إثبات وجوده الكينوني، وحضوره الهوياتي ، وذلك عن طريق الصراع الدموي (الإيهامي)، والقتال الحركي(الكوريغرافي) فوق خشبة المسرح أو خشبة الحياة المصغرة، حيث يحاول كل واحد أن يستقل بنفسه أنفة وغرورا وبطشا. وبالتالي، يريد أن يوقع بأخيه الإنسان، ليحقق مآربه الشخصية، بعد أن يتخلص منه بإزهاق روحه، والسيطرة على ممتلكاته. إنه صراع بين ذاتين متعاكستين ومتباينتين هوى ورغبة حول الموضوع المرغوب فيه. إلا أن هذا الصراع اللوني والوجودي والدرامي والأفقي والفانطاستيكي يظهر في شكل برنامجين سرديين متناقضين على المستوى الدرامي، فالبرنامج الأول يعيقه البرنامج الثاني. ويعني هذا أن هناك بطلا إيجابيا وبطلا سلبيا مضادا، بينهما صراع جدلي محفز بتحقيق الذات، وتحصيل الكينونة، وكسب الانتصار والظفر على حساب الآخر. هذا، وتخضع البرامج السردية على مستوى الممارسة الركحية للتطويع(إثبات الذات ، وتحقيق الأحلام والأماني)، والتأهيل ( يمتلك الممثلان قدرات قتالية خارقة، ويعرفان موضوع الصراع والرغبة، والواجب من ذلك ، ولهما إرادة حية في الاقتتال الوجودي)، والإنجاز( الصراع اللفظي والحركي)، والتقويم( تصالح الطرفين في آخر المسرحية، واتحادهما على الحب والصفاء والسلام ، بعد أن كشفا عيوبهما وأخطاءهما). لكن التطويع يظهر جليا حينما سيخضع الممثلان لصوت يهددهما بالموت المحتوم بعد انتهاء الذئب من عوائه النهائي، وينالهما ذلك فعلا وقطعا، إذا لم يقوما بعملية الحفر للحصول على الحقيقة المتوارية في الأرض. ومن هنا، يعلن الصوت الفانطاستيكي المرعب بداية الحفر والبحث، لكن المتصارعين لم يفهما أي شيء من تلك الرسالة المدوية. وعلى الرغم من ذلك، فكان كل واحد يقوم بالحفر بطريقة سرية وخفية كلما سمع عواء الذئب ، وكل ذلك مخافة من الموت المحدق بهما، إذا لم يسرعا في الحفر للتو بغية الحصول على الحقيقة. ومن هنا، فمحور الذات قائم على التواصل، والرغبة، والصراع. وعلى مستوى اللون، نجد أن العاملين والفاعلين معا يبحثان عن البياض لدرء سوادهما. ومن هنا، يظهر السواد عبر مجموعة من المفاهيم اللغوية التي تشترك في تعيين سوادهما ، إلى جانب تشغيل الأيقونات السينوغرافية بما فيها: الخيمة السوداء، والماكياج الأسود، والبشرة السوداء، والأزياء السوداء،والإنارة المظلمة السوداء التي تتقاطع مع الإنارة الحمراء المتوهجة. ومن جهة أخرى، يبحث الفاعلان عن اللون الأبيض، ويسعيان جادين لامتلاكه، وذلك للتخلص من البشرة السوداء الفاضحة والمحتقرة. بيد أن الدلالة المعجمية غير كافية لتفسير مقاصد المسرحية. بل تتحول هذه الدلالات المعجمية إلى تشاكل سياقي يتضمن مجموعة من الدلالات الإيحائية والصور البلاغية ، والتي تصب في ثنائية الخير والشر، وثنائية المحبة والكراهية. فاللون الأسود يحوي مجموعة من المقومات السيميائية:/ العبودية/+ / النخاسة/+ / القبح/+ / الكراهية/+ /الشر/+/الذل/+/الاحتقار/+/الازدراء/+/ التهميش/+/الشقاء/+/الهزيمة/. أما اللون الأبيض فيحيل على مجموعة من المقومات السيميولوجية مثل: / الحرية/ +/السيادة/+ /الجمال/+/ التفوق/+/ التملك/+/الاحترام/+/الانتصار/. ومن هنا، فالتشاكل السيمائي والدلالي مبني على ثنائية السيادة والعبودية، وثنائية الاحترام والاحتقار، وثنائية القبح والجمال. وترتبط هذه الثنائيات بحقل القيم، حيث يشكل السواد والبياض ثنائية الخير والشر، وثنائية الحب والكراهية. ومن خلال تتبعنا للعرض المسرحي يظهر لنا أن القاسم المشترك بين جميع المشاهد الدرامية يتمثل في ثنائية الخير والشر، وثنائية المحبة والكراهية، وثنائية الحرية والعبودية، وثنائية الحياة والموت، وثنائية الوحدة والفرقة، وثنائية القناعة والجشع. لكن المسرحية كلها تتمحور حول تشاكل دلالي كلي يتمثل في ثنائية الحب والكراهية، والتي يمكن حصرها في المربع السيميائي التالي: التضاد: الحب # الكراهية. شبه التضاد: اللاحب # اللاكراهية التناقض:الحب# اللاحب/ الكراهية # اللاكراهية التضمن: الحب= اللاكراهية/ الكراهية= اللاحب الحب الكراهية اللاكراهية اللاحب • التشاكل التعبيري: تندرج هذه المسرحية الأمازيغية ” توافيت/ البحث” ضمن المسرح الرمزي التجريدي الذي يرتكز على علامات إحالية، وأيقونات دالة. وتقوم المسرحية على ثنائية الظلمة والنور، وذلك باعتبارها أهم ثنائية دلالية مهيمنة على العرض المسرحي، لكن هذه الثنائية كما قلنا سابقا تحيل على مستوى التشاكل على ثنائية الخير والشر، وثنائية الحب والكراهية. وإذا انتقلنا إلى الصورة الفضائية، فنجد خيمة سوداء تشكل ديكورا محوريا للمسرحية، وترمز إلى مواطن الشر والحقد والكراهية، ومكان الصراع الدرامي والدينامي، وفضاء مأساويا وتراجيديا لإنجاز البرامج السردية الكارثية القائمة على الإقصاء والتهميش والموت. ويمكن أن تتحول الخيمة إلى خيال الظل لتجسيد فرجة بصرية قائمة على الإيهام والتخييل. كما يستعين الممثلون بفضاء ركحي تم تقسيمه إلى منطقتين صراعيتين متشاكلتين: منطقة الممثل الذي يمثل السواد ، ومنطقة الممثل الذي يمثل البياض. ومن ثم، تحدث بينهما صراعات كوريغرافية ، تنتهي بصراع حركي أو ما يسمى بالأكشان (Action)، وقد تم استثمار هذا الصراع الجسدي والرياضي لأول مرة في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف، وذلك بعد أن تم تشغيله في المسرح العربي بهذه المنطقة في مسرحية:”الكواليس” للمخرج الشاب نور الدين فرينع. ويذكرنا هذا الصراع أو هذه المقاتلة والشجار (les bagarres) بشعرية الجسد لدى المخرج الفرنسي الرياضي جاك ليكوك. وقد تفوق المخرج أيما تفوق حينما قسم الخشبة المشهدية إلى نطاقين فضائيين دراميين، فتم تقطيعهما بالحاجز الضوئي المبني على ثنائية الظلمة والنور أو ثنائية السواد والبياض. أما اللعبة الركحية والدرامية والتمثيلية، فكانت ساحتها هي وسط الخشبة ضمن المثلث الدرامي. أي: في المنطقة الوسطى المركزية، بينما الممثلان يتواجدان على حوافي هذه المنطقة، فهناك من كان يتموقع في المنطقة الوسطى اليمينية من جهة الحديقة ، وهناك من جهة أخرى من كان يتخندق في المنطقة الوسطى اليسارية من جهة الملعب، في حين خصص الوسط للجذب والصراع والمشاجرة القتالية التطاحنية. وكانت الانتقالات الحركية من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين أو من هذين الموقعين أو الاتجاهين نحو فوندو الخشبة. ويعني هذا أن الحركات كانت أفقية وعمودية. أما الإكسسوارات فقد كانت ذات طبيعة وظيفية، إذ يتحول المعول إلى سيف وأداة للقتل وممارسة الشر والكراهية. كما أن الإضاءة كانت تتأرجح بين الظلمة والنور، وبين السواد والبياض لتؤكد تشاكل الحب والكراهية. وهذا ما تجسده الأزياء والملابس، ويثبته الماكياج. والمقصود من هذه العلامات السيميائية أن السواد يبحث عن البياض، وأن الحقيقة التي يبحث عنها الممثلان هي تحصيل موضوع البياض، والذي يتمثل في الحب والخير، ولا يوجد هذا إلا في القلب الإنساني الذي يجمع في سريرته بين خصلة الخير وخصلة الشر، فتغلب خصلة ما على حساب خصلة أخرى. هذا، ولقد أجاد الممثلون في تشغيل لغة الحركة الميمية والجسدية ولغة الوجه، فقد كانت الحركات الكوريغرافية كلية ووظيفية متقنة ومضبوطة تراعي السياقات الدرامية، وأحوال التصدي والدفاع والهجوم. وعليه، فالشكل التعبيري للمسرحية بكل تمفصلاتها اللغوية والأيقونية والإيقاعية والنبرية والتنغيمية والموسيقية تؤشر على ثنائية النور والظلمة، وثنائية البياض والأسود. بيد أن هذا التقابل الدلالي يتحول إلى تشاكل دلالي إيحائي يتمثل في الصراع بين الخير والشر أو بين الحب والكراهية . •التشاكل التداولي: من يتعمق في رسالة المسرحية ومقصديتها المباشرة وغير المباشرة، فإنها تدعو إلى الثورة على أوضاع الواقع المتردية على جميع الأصعدة والمستويات، كما تندد بانحطاط الإنسان بصفة عامة والإنسان الأمازيغي بصفة خاصة. ويعني هذا أن هذا العرض المسرحي يتمحور حول التشاكل السيميائي:/الإنساني/ و/ القيمي/. أي: إن المسرحية تحث الإنسان على تمثل طريق الخير، واتباع منهج الفضيلة، والتشبث بفلسفة المحبة والخير والسلام، والابتعاد عن الشر والعنف والكراهية. لذا، فوحدة البشر تنتج عن التحلي بالخير والمحبة، ويرمز إلى ذلك بالنور والبياض. بينما الشر والكراهية يرمز إليهما بالظلمة والسواد. وعليه، فالحقيقة التي يبحث عنها العرض المسرحي المركب تركيبا دراميا دائريا هي الحقيقة المثالية القائمة على الحب والخير والصفاء ونقاء السريرة. ومن ثم، تنتقد المسرحية كل أنواع التطرف والصراع والعنف، فتسفه كل أشكال التمزق والتفرقة والتشتت بين أبناء الهوية الواحدة والكينونة الواحدة والعرق الواحد، بل بين أبناء الملة الواحدة. ويعني هذا أنه إذا كانت المسرحية على مستوى الدلالة والشكل قائمة على تشاكل الحب والكراهية، فإن القالب المسرحي تأثيثا وسينوغرافيا وإخراجا وتشخيصا ومقصدية يستند بدوره إلى نفس التشاكل السيمائي القائم على ثنائية المحبة والكراهية. تركيب واستنتاج: وهكذا، نصل إلى أن مسرحية” توافيت/ البحث” للمخرج الأمازيغي عبد الواحد زوكي هي مسرحية رمزية سيميائية تعزف على شعرية النور والظلمة، وتزخر ببلاغة البياض والسواد. بيد أنها في الحقيقة قائمة على تشاكل سيميائي ودلالي يتمثل في التأرجح بين ثنائية الخير والشر، وثنائية الحب والكراهية. وبالتالي، فالمسرحية ذات نسق أكسيولوجي وقيمي يدعو إلى تمثل فلسفة المثل العليا والفضائل النبيلة، والتغني بقيم الخير والمحبة والسلام والصفاء. ومن جهة أخرى، ينتقد إيديولوجيا الصراع والإقصاء والتطرف والتهميش والعدوان والكراهية. لأن الخير والمحبة يتصلان بفلسفة الحياة، في حين يتصل الشر والكراهية بفلسفة الموت ليس إلا.