احتلّت الاحتفالات بذكرى المولد النبوي مكانة رفيعة في قلوب المغاربة منذ العصرين الموحدي والمريني، وفي هذا الصدد أورد الباحث في التاريخ محمد الشريف في مؤلفه "سبتة الإسلامية.. دراسات في تاريخها الاقتصادي والاجتماعي" أن الفقيه أبا العباس العزفي أكّد أن الأندلسيين كانوا متأثّرين بأعياد النصارى بسبب مجاورتهم لهم ومخالطتهم لتجارهم، الشيء الذي دفعه إلى تأليف كتابه "الدر المنظم في مولد النبي المعظم"، وهي دعوة للتخلي عن مجاراة النصارى في احتفالاتهم، وتنبيههم إلى عيد ميلاد نبيهم المصطفى. وأشار المُؤلف نفسه إلى قيام الفقيه، على المستوى العملي، بتلقين ذلك للناشئة عبر الطواف على الكتاتيب القرآنية بسبتة السليبة، وشرح مغزى هذا الاحتفال للصغار حتى يسري ذلك إلى آبائهم وأمهاتهم بواسطتهم، كما دعا إلى تعطيل الصبيان يوم الاحتفال بالمولد. وقد أكمل ابنه أبو القاسم محمد العزفي تأليف الكتاب، وعندما وصل إلى حكم المدينة سنة (648 ه/ 1250 م) قرّر الاحتفال لأول مرة في تاريخ الغرب الإسلامي بعيد المولد النبوي، ليصبح بذلك أوّل من أدخل الاحتفال بهذه المناسبة ذات الامتدادات السوسيو – دينية الكبيرة في تاريخ المغرب، حيث أهدى كتابه إلى الخليفة الموحدي المرتضى، الذي أصبح يحتفل بعيد المولد النبوي في مجالسه الخاصة. وأبرز الشريف أنّ تعميم الاحتفال بهذا العيد رسميا بالمغرب المريني كان في عهد السلطان أبي يعقوب يوسف سنة (691 ه/ 1292 م)، بإشارة من الفقيه أبي طالب العزفي بن أبي القاسم أمير سبتة في هذا التاريخ. إذ تحت حكم السلطان المريني أبي سعيد سينضاف الاحتفال باليوم السابع لمولده (ص)، لتتكلّف الدولة بعد ذلك بنفقات الاحتفالات بليلة المولد في سائر مناطق المغرب. وسجّل الأستاذ الباحث أنّه على المستوى الشعبي أصبح الاحتفال بعيد المولد في سبتة السليبة مناسبة لتوزيع الطعام وتعطيل الدراسة وإغلاق دكاكين التجارة والحِرف، وكان الناس يمشون في الأزقّة وهم يصلّون على النبي. أمّا المتصوفة والعامة فكانوا يهتمون اهتماماً كبيرا بهذا اليوم ويشاركون فيه بحماس. وأوضح محمد الشريف أن هذا الارتباط الوطيد بالمتصوفة هو الذي يفسّر ذلك الانتشار السريع لظاهرة الاحتفال بعيد المولد النبوي، وبهذه المناسبة كان الوليّ السبتي الكبير أبو مروان عبد الملك اليحاسني يصنع لمريديه الطعام مع إقامة ليالي السّماع.