خبر استدعاء المغرب للسفير الفرنسي بالرباط، شارل فري، قد يكون فاجأ الكثيرين، لأنه ليس من عادة الدبلوماسية المغربية أن "تنتفض" في وجه الفرنسيين، حيث لم تفعل ذلك حتى في سنوات خلت حدثت فيها وقائع ربما أكثر من هذه التي دفعت وزارة الخارجية المغربية إلى الرد بشكل حازم وقوي على باريس. وهو خبر أيضا قد لا يكون مفاجئا للبعض الآخر، بالنظر إلى أنه من راسخات السياسة الدبلوماسية الرسمية للمغرب، عبر سنوات طويلة جدا مرت، أن الرباط وباريس يمسكان بيد بعضهما البعض في "الرخاء والشدة"، باعتبار المصالح الإستراتيجية الكبيرة التي تجمعهما أكثر مما تفرقهما. وكانت وزارة الخارجية المغربية قد استدعت، يوم أمس الجمعة، سفير فرنسابالرباط، بخصوص معلومات حول شكاية مرفوعة من طرف جمعية فرنسية ضد المدير العام لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، تهم ممارسة التعذيب بالمغرب. هسبريس اتصلت بالدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد الملك السعدي بطنجة، ليبدي رأيه في ما وقع، هل هي أزمة قد تمس بجوهر العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، أم أنها مجرد سحابة صيف سرعان ما تتلاشى لتعود الأمور إلى طبيعتها كما من قبل. دبلوماسية حازمة وأكد بوخبزة، في البدء، أن العلاقات الدولية فيها مستويات رئيسية، منها ما هو استراتيجي ثابت، ومنها ما هو ظرفي ومتحول، فبالنسبة لما هو ثابت فإن العلاقات بين المغرب وفرنسا معروفة بالتنسيق بين الطرفين بالنظر إلى المصالح المشتركة العميقة. بينما ما هو ظرفي، يردف بوخبزة، فيكون مرتبطا في الغالب بمواقف وأنشطة المجتمع المدني، خاصة جمعيات حقوق الإنسان الفرنسية الذي لا تكون خاضعة لتقدير المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة التي تجمع بين المغرب وفرنسا. وأفاد بوخبزة، في اتصال هاتفي مع هسبريس، بأن "الحادث لا يمكن أن يصل إلى درجة تسميم العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، بالرغم من كون استدعاء السفير الفرنسي بالرباط قد يعد درجة عالية من ردة الفعل بالنسبة للدبلوماسية المغربية التي اعتبرت ما وقع أمرا غير مقبول وغير بسيط". وسجل المحلل ذاته أن "واقعة استدعاء المغرب لفرنسا تنطوي على ردة فعل رسمية من المغرب لم تكن موجودة في سنوات خلت، حيث كانت الرباط تعالج مثل هذه الأزمات بشكل مغاير عبر قنوات أخرى لا تصل إلى علم الرأي العام ووسائل الإعلام الدولية". وجوابا على سؤال "هل المغرب بات ينهج دبلوماسية هجومية في مثل هذه الخلافات"، أبرز بوخبزة بأنه "لا يمكن وصف ذلك بدبلوماسية هجومية بقدر ما هي دبلوماسية ردة الفعل، حيث كلما أثيرت قضية ما صار المغرب يلجأ إلى الوسائل الدبلوماسية المعروفة من قبل استدعاء السفير أو الاحتجاج الرسمي على الطرف الآخر". ولفت الأستاذ الجامعي إلى أنه "يوم أمس فقط أشادت فرنسا بالدور الذي تلعبه المملكة في مالي واستتباب الأمن في منطقة الساحل الإفريقي عقب الزيارة الملكية لمالي، حيث ينسجم هذا الدور مع محاور السياسة الخارجية لفرنسا هناك"، مشيرا إلى أن "هناك تنسيق كبير مع فرنسا في هذه القضايا لا ترقى إليه دولة أخرى غير المغرب". وتابع المتحدث بأن "المغرب صار في الآونة الأخيرة يعتمد في علاقته الخارجية على "فرض" وجهات نظره وإبدائها بشكل حازم، وبطريقة علنية تصل إلى علم الجميع، وهو ما فعله من قبل مع الجزائر واسبانيا، مؤكدا أنه "أمر إيجابي باتت الدبلوماسية المغربية تنهجه منذ فترة غير طويلة". وذهب بوخبزة إلى أن "المغرب ظهر بأنه يدافع عن مصالحه بحزم ونجاعة كدولة كاملة السيادة، حيث كلما وجد أن هناك مشكلة أو قضية ما تمس مصالحه وسيادته إلا وتحرك بسرعة في إطار ما تسمح به الأعراف الدولية الجاري بها العمل" وفق تعبير الخبير في العلاقات الدولية.