كل الأحزاب في المغرب تنبثق عن قناعات مبنية على أسس فكرية، أي أيديولوجيات، أو هكذا يبدو الأمر في البداية. كل الأحزاب تحاول جاهدة، أثناء نشأتها الأولى، أن تجد لها أرضا خصبة تنمو فيها. و من بين ما تتخذ منه الأحزاب سببا و علة لوجودها فهو المرجعية الإيديولوجية، وأما بخصوص ما تتخذ منه مُسببًا لنشأتها فهو ما يمكن أن نسميه "بالخُرم" في الجسم الاجتماعي، الاقتصادي و السياسي العام لأجهزة الدولة. "" هكذا تستفرخ الأحزاب بالمغرب وتأتي للوجود؛ فهي تعتمد سببين أساسيين وجيهين، الأول هو اعتماد إيديولوجية أو نسق فكري مبني بإحكام و تعتمده كمرجعية تدّعي من خلالها إحلال و ترسيخ الديمقراطية، والثاني هو انتهاز فرصة تاريخية للظهور في مرحلة تكون حرجة بشكل ما من احد الجوانب. لكن يبقى انه ليس هدا و لا داك هو السبب الرئيس الذي يكمن وراء العلة الجوهرية المسببة لولادة الأحزاب كمؤسسات مختصة في السياسة المنظمة، والدمغجة والاستقطاب والاستغلال المنظمين، والنهب المنظم، و إّذا جاز قلنا الجريمة المنظمة. كل الأحزاب دون استثناء تعتمد في نشأتها على شخصيات سياسية بارزة، كلها تقنع الناس على أنها الخلاص المنشود، تَعِدُ الجميع و الكل بالغد الأفضل، تعد بتحقيق المساواة، تعد بضمان حق المظلومين، بتغيير الواقع، بتمثيل المواطن و التمثيل عليه أفضل تمثيلية في الحكومة، في الشارع، في كل مكان. تقوم الأحزاب بتفسير سبب وجودها للجماهير التي تنوي استقطابها، سواء أكان الأمر من اجل كسب انضمامها لشبيبتها و استدراكها لشباكها التنظيمي الوهمي، أو لنيل تعاطفها، أو الفوز بأصواتها، من خلال إقناعها بأنها السبب الأول و الأخير لضمان تحقيق المطالب الجد حساسة التي غالبا ما تكون الأحزاب المتواجدة بالسبق لا بالفعل قد عجزت عن تحقيقها. إنها، أي الأحزاب، تحاول من خلال تسخير كل الإمكانيات المتاحة طبعا المشروعة و اللامشروعة أن تلج عالم التحزب و السياسة و التسيير و التصرف في البلاد و في الناس. و من اجل تحقيق ذلك، تهاجم الأعداء المفترضين و تتهمهم بالغدر و العجز و الأنانية، و تبحث عن الأعيان الدين لديهم المال و الجهل و تستقطبهم لحظائرها، وتستغل النساء و الأطفال و رجال الموقف بأثمنة بخسة للقيام بحملات سخيفة، كما أنها تُسخر و تستنزف حتى أموال و موارد و أدوات الدولة لتعطي انطباعا على أنها الجديد القديم الذي سيخلص الكل من إرهاب التنكر للوعود و الاقتصار على إغناء الذات و إفقار الآخر. إن مسار حياة الأحزاب بالمغرب مكشوفٌ جدا. كلها تنطلق من الايدولوجيا لتصل إلى الثروة و الغنى الفاحش. إن السبب الرئيس وراء ظهور كل حزب هو اقتناص فرصة العمر من طرف المؤسسين له للدفاع عن برامج و مشاريع ذاتية خاصة. بالإمكان تصور أن الحزب يتأسس من اجل هدف آخر غير الوصول إلى الثروة و تحقيق الغنى، مثلاً كأن يكون هدف تكوينه هو ضرب مصداقية و تدمير أحزاب لم تعد صالحة لتقود الجماهير، أو إعادة استقطاب مجموعة من العناصر التي لم يعد لديها أي انتماء سياسي يضمن بشكل ما السيطرة عليها و على ما يمكن أن تتخذه في المستقبل كوسيلة للدفاع عن حقوقها. لكن هنا يجب أن نحدد الفرق بين الهدف العام للحزب كمؤسسة سياسية و الأهداف الخاصة للمناضلين الخبزيين الدين ينتمون إليه، أو ما يمكن أن نسميهم بالحمير التي تحمل أسفارا و هم في الواقع الغالبية العظمى من الجُهل السياسيين الدين يؤمنون بنظرية قدرة الحزب على التغيير، خصوصا في ظل معطيات الوضع الحالي. تخدُم الأحزاب و من يشكلونها استراتيجيات شوفينية و ضئيلة أخرى غير تلك التي يصرحون بها علانية و يشهرونها. للأحزاب دور مهم في تأطير الجماهير و لجم عطشها للتغيير و ضمان تحركها في خط معين. لكن للأحزاب دور مهم آخر غير داك، إنها تستفيد مقابل الدخول في اللعبة السياسية من عدة امتيازات، كالميزانيات السنوية، و ميزانيات المدن و الجماعات، و الحقائب الوزارية، و المناصب العليا و الدنيا، و إمكانية الاستحواذ على و تفويت الأراضي و مناصب الشغل للأقارب و الرفاق في الحزب... إن الهدف الرئيسي لتواجد كل حزب هو جمع الثروة و الحصول عليها بأي وسيلة كانت، إن الأحزاب تعطى مقابل خدماتها امتيازات ليس بإمكان أي احد أن يحصل عليها إلا إذا استطاع أن يدخل غمار اللعب في السياسة النهبية مع الكبار مقابل عمالة من نوع معين. إذا كان حال الأحزاب كما ذُكر، أي أن مسارها النفعي ينطلق من الايديولوجيا ليصل للثروة، فما هي ادن إمكانات أن يكون هناك تغيير واقعي و طبيعي غير مُتحكم فيه كداك التغيير الذي تسمح به الأحزاب و الدولة بالقطرات و حسب أيديولوجيات مرحلية معينة تفرضه فقط كنوع من الإشهار و التعتيم الفكري لخدمة أهداف تكون غالب الأحيان متستر عليها. إن الأحزاب صارت أجهزة تكرس الطبقية و الفقر و الجهل، وهي التي كانت مسئولة البارحة عن كل المآسي التي عاناها الشعب، وهي المسئولة اليوم عن الوضع القائم، و هي من سيكون المسئول الأول و الأخير أمام التاريخ و الناس طال الزمان أم قصر.