❊ ما هو تصنيفك للعدالة والتنمية؟ ❊❊ عندما يتم التعامل مع بعض المكونات السياسية في المشهد السياسي والحزبي يفترض الإنسان أنه يتعامل معهما كصورة ظواهرية، بمعنى أنها مكون سياسي حزبي كما يطرح نفسه. هذا الحزب يطرح نفسه كحزب سياسي بمرجعية دينية، لكننا عندما نقرأ السياقات الموضوعية لتشكل هذا المكون، نلاحظ أنه خضع إلى مسار معين. والسياق الذي تشكل فيه هذا المكون السياسي هو الذي يتحكم في طبيعة المضمون والخطاب، ولذلك عندما ننظر إلى المكون نظرة تاريخية، فحتما ستكون لنا قراءة لها فرادتها وخصوصيتها. فمن حيث إنه حزب فهو حزب، طالما أنه تعريف الحزب اليوم، »هو مكون سياسي يعمل ضمن التوافق الديمقراطي المعروف« ، فلا يمكن أن تسلب منه هذه الصفة ما دام يحظى بوصل إيداع قانوني. لكن يمكن محاكمة هذا الحزب من خلال برنامجه السياسي ومطابقة آرائه ومواقفه مع الأسس الإيديولوجية التي ينتمي إليها. ❊ (مقاطعا) بطريقة أوضح، هل تعتقد أن حزب العدالة والتنمية يعكس من خلال مواقفه مرجعيته الإيديولوجية؟ ❊❊ ينبغي التنبيه أولا إلى أننا نعيش بصفة عامة اختلالا حزبيا حقيقيا في المغرب. ومن هنا يمكن لأي حزب أن يزعم ما بدا له من المصداقية ومن مشروعية، ولكن حينما تحاسب هذه الأحزاب في منظور ما ينبغي أن تكون عليه الأحزاب، كما هو الشأن في البلدان الديمقراطية النموذجية، ستقف على اختلالات كبيرة. أما فيما يتعلق بالمرجعية الدينية، فأنا أعتقد أن المسألة هنا (بالنسبة إلى هذا الحزب) لا تعدو أن تكون مسألة كمية وليست نوعية، بمعنى أن هذا الحزب قد يكون ميله وتاريخه باعتباره انبثق عن تجربة حركية إسلامية وكونه أكثر ميلا إلى الخطاب الديني، ومن حيث إنه لا يغرف إلا من الإيديولوجيا الإسلامية، فهو بالتالي يعتبر نفسه ذا مرجعية إسلامية، ولكن هذا لا يميزه عن باقي الأحزاب؛ لأن الجميع بإمكانه ادعاء هذا، وأنا هنا طبعا لا أتحدث عن الأحزاب ذات الخلاف الإيديولوجي المعروفة (اليسارية)، ولكن أنا أتحدث عن أحزاب أخرى تقليدية معروفة مثل حزب الاستقلال مثلا.. هذا الحزب أسسه علال الفاسي الذي يعتبر رمزا من رموز الفكر الديني والحركة الإسلامية بالمغرب، علما أن هذه المسألة لا قيمة لها في المغرب ولا تشكل أي قيمة مضافة، كما هو الحال في بعض الدول الأخرى ذات النظام الجمهوري أو العلماني التي توجد فيها بعض الحركات الإسلامية التي تكون فيها الأمور واضحة عندما تتحدث عن الخلفية الدينية الإسلامية، أما بالنسبة إلى المغرب، فتوجد عندنا حركات ذات مرجعية إسلامية، وعندنا النظام نفسه ذو مرجعية إسلامية، وهذا الحزب الذي يدعي أنه ذو مرجعية إسلامية يعزز هذا المبدأ باعتبار أن النظام ينطلق من الخلفية.. ❊ ولكن هنا يطرح سؤال لماذا الإصرار على إشهار ورقة الخلفية الدينية في ظل أن النظام ككل ذو مرجعية دينية؟ ❊❊ هو موقف مزدوج، فهو من ناحية (هذا الحزب) يريد أن يبين أنه لا يعمل ضمن القواعد الديمقراطية والقانونية المعمول بها، وإنما هو يتماهى طوليا مع النظام وهذا تكتيك سياسي وظيفي. ومن جهة أخرى، فوجود أحزاب أخرى في الساحة لا تستطيع أن توضح مرجعيتها الدينية تجعل من هذا الادعاء طلبا للقرب من النظام السياسي. طبعا، هناك جانب ثانٍ، وهو أن هذا الحزب تحكمت فيه ظروف خاصة، وبالتالي فهو حزب لم تؤسس له إيديولوجيا واضحة، وبالتالي الحديث عن المرجعية الدينية قد يغطي عن بعض الاختلالات التي تشوب هذا الحزب؟ ❊ ما دمت تتحدث عن اختلالات هل يمكن رصدها؟ ❊❊ طبعا هناك اختلالات، منها اختلالات موضوعية تتعلق ببنية الفكر الذي تنتمي إليه أغلب الحركات الإسلامية، هناك اختلال على مستوى البنى الفكرية والإيديولوجية وهناك اختلال في المواقف السياسية، بحيث إنك تجد عدم المطابقة بين الفكر والمواقف. فأغلب المواقف التي تتخذها بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من هذا القبيل فهي مواقف سلبية معدومة المبادرة، وتأتي دائما مثل بومة »هيكل« التي تخرج بالليل وتتحدث عن كل ما حدث بالنهار، أي مواقفها هي تحصيل حاصل، وغالبا ما تأخذ مواقف تمالئ بها الموقف الرسمي وليست تؤمن بها بالضرورة، ولكنها في إطار التنافس أو التباري السياسي تمارس ممالأة الموقف الرسمي (تعزيزه). ❊ هناك ملاحظة وهي أن حزب العدالة والتنمية نجح نسبيا في مهمة بحكم ما يسميه المرجعية الإسلامية في جلب مجموعة من الأنصار ! ❊❊ طبعا هو، بلا شك، حزب له نجاحات كثيرة، بعضها ظاهر للجميع، وهي ذات طابع كمي ولا نتحدث عن النوعي في مكتسبات التجربة.. ❊ تقصد أنه ليس كل من يتبع العدالة والتنمية هو ذا مرجعية إسلامية؟ ❊❊ يجب أن نعلم أن كل حزب هو بمثابة دكان، ليس بالضرورة أن كل من ينتمي إليه يؤمن به، ولذلك يجب ألا نفرق بين المؤسسين ومن يلتحق فيما بعد. ❊ (مقاطعا) في الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، نتحدث عن المؤسسين وباختلافهم تختلف قيمة الحزب، هل تتوفر العدالة والتنمية على رمزية المؤسس؟ ❊❊ فيما يتعلق بالحركة (حركة التوحيد والإصلاح) لا نستطيع أن نتحدث عن مؤسس بالمعنى الحقيقي، ولكننا نستطيع أن نتحدث عن محطات تأسيسية، يعني أننا نتحدث عن أشخاص استطاعوا، بعد الذي حدث على إثر الضربة التي أصابت الشبيبة الإسلامية، استطاعوا أن يخلقوا لهم حالة، حالة إسلامية نوعا ما انقلبت على النموذج الشبيبي وأسست لها الجماعة الإسلامية، ومنذ ذلك الوقت حتى تأسيس الحزب، كان هناك بحث عن المرجعية والقيادة ولم تكن الأمور واضحة. لكن مع العدالة والتنمية، لا يمكن أن نقول إن هؤلاء هم المؤسسون، إنما هناك تأسيس آخر هو اللحظة الخطيبية (نسبة إلى عبد الكريم الخطيب)، وهنا السؤال، من هو الفاعل الحقيقي، هل هم من حيث إنهم شكلوا القواعدإدريس هاني هو باحث في الفكر الإسلامي جر عليه نقمة الإسلاميين في المغرب، قليل الخرجات الإعلامية، ومع ذلك لا يكنون له أي ود؛ لأن تحليلاته صادمة، وغالبا ما توظف الحقائق التي يكشفها في الهجوم عليه. على امتداد حلقات متتابعة، نناقش في فقرة أسئلة خاصة نظرة من الباحث في الفكر الإسلامي إزاء حزب العدالة والتنمية.