الحكامة الأمنية في المغرب، لا يمكن التعامل معها كما لو أنها ورش مفتوح للاستهلاك الإعلامي مجتمعيا، بل ينبغي تكريسها على أرض الواقع، كأولوية مجتمعية ضاغطة، للحد من مظاهر الفساد والانحراف، والشطط في استعمال السلطة، والتعسف في استعمال الحق ، والإفراط في استعمال القوة ضد المواطنين دون مراعاة شرطي التناسب واللزوم، والتصرف دون ربط المسؤولية بالمحاسبة.. ترسيخ الحكامة الأمنية في المجتمع معيار أساسي من معايير التحول الديمقراطي في الدولة والمجتمع. التحول الذي سيجعل الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية الأمن والنظام العام، تشتغل، تحت سلطة الحكومة الدستورية، وتخضع في تصرفاتها، لرقابة ومسائلة البرلمان المنتخب، ولتحريات لجان تقصيه النيابية التي تستمد مشروعيتها من الدستور والقانون عادة ما تنشأ الدول الديموقراطية على معايير محددة من قبيل: الشفافية، والتوزيع العادل للثروات، واحترام حريات الأشخاص خاصة في مجال حرية الرأي والتعبير والتظاهر في مواجهة الحكومات وصناع القرار وفي الدول التي تراودها فكرة الانتقال الديمقراطي، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، الذي ركب قطار الإصلاح مند عقد التسعينيات، يعد معيار الحكامة الأمنية، من المعايير الضرورية الموطدة لدولة الحق والقانون وحقوق الإنسان. الحكامة الأمنية معيار مهم في صنع التحول الديمقراطي الحكامة الأمنية معيار رئيسي من معايير التحول الديمقراطي في أي بلاد، إذ لا يمكن تصور وجود تحول ديمقراطي في أي مجتمع، دون أن تطال البنيات الأمنية لهذا المجتمع، تغييرات جوهرية، لضبط تعامل الأجهزة الأمنية مع المواطنين بحسب ما تقتضيه القوانين وما تفرضه المواثيق الدولية التي تنظم مجال الاحتكاك بين قوات الأمن والمواطنين. غياب الحكامة الأمنية في المغرب عرض الدولة لعدة انتقادات من طرف المنظمات الدولية والوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان. كما أنها " الحكامة الأمنية" شكلت أهم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي اعتبرت بأن إقرارها يتطلب تأهيل وتوضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتعلقة بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية. أحداث اجتماعية تعيد النقاش حول الحكامة الأمنية إلى الواجهة بسبب الاحتقان الاجتماعي الخطير الذي شهدته بعض المدن مغربية "الحسيمة، وتازة، وسيدي افني، ومدن أخرى في الجنوب المغربي" خلال فترات متباينة، أصبح مطلب إرساء الحكامة الأمنية من المطالب الملحة للمنظمات الحقوقية الوطنية. كما أصبح يشكل تحدي حقوقي مؤلم بالنسبة للدولة المغربية، نظرا للاحتكاك الخطير الذي يقع بين الفينة والأخرى، بين الأجهزة الأمنية التي يسكنها هاجس الحفاظ على الأمن العام، والمواطنين المغاربة الذين يلجئون للاحتجاج كحق من الحقوق المكفولة لهم بموجب التشريع الأساسي للدولة "الدستور" والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، للتعبير عن مطالبهم الإجتماعية أو الحقوقية أو الإقتصادية أو السياسية لقد وقعت في السنوات الثلاثة الأخيرة، تدخلات أمنية عنيفة، في حق نشطاء حركة 20 فبراير، أو في مواجهة طلبة الجامعات والأحياء الجامعية، أو ضد فعاليات حقوقية ومدنية في وقفات احتجاجية سلمية... ومع ذلك لم تقم الحكومة التي جعلت من التنزيل السليم للدستور أهم شعاراتها، بنشر أي تقرير عن العمليات الأمنية وعما خلفته من خسارة وأسباب ذلك، والإجراءات التصويبية المتخذة، في إطار تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الشق المتعلق بموضوع الحكامة الأمنية. ومادام أن دواعي الاحتكاك، بين رجال الأمن والمواطنين موجودة، فإن وضع مدونة سلوك شرطية، أو خطة وطنية متكاملة وطويلة الأمد، يعدان من المقومات الأساسية الكفيلة بإصلاح الأعطاب الموجودة في العلاقة بين المواطن وأجهزة الأمن. كما أن الحديث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، أمر بات يستجوب من الناحية الأمنية، ضرورة توقيع العقاب الإداري والجنائي الصارم على كل من ثبت عليه إخفاء ما ترتب من الخسائر البشرية أو المادية بسبب الاستعمال المفرط للقوة العمومية أو قام بتزوير أو تدمير أو التستر عن ما حصل من تجاوزات أو وثائق متصلة بها كما أوصت بذلك هيئة الإنصاف والمصالحة . توصيات هيئة الانصاف والمصالحة مدخل لترسيخ الحكامة الأمنية لا يمكن للمغرب أن يتقدم بخطوات تكون كفيلة بتيسير ولوجه إلى النادي الديمقراطي، إذا لم تكن لديه الرغبة الصادقة والإرادة السياسية الحقيقة في إقرار الحكامة الأمنية الرشيد التي تتأسس على ضرورة ربط المسائلة بالمحاسبة. ترسيخ هذه الحكامة لن يتم دون تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي مرت عليها سنوات دون أن يظهر لها أثرا في الواقع، مما يطرح أكثر من سؤال، حول جدية الحكومات السابقة والحالية في القطع مع التجاوزات الأمنية في مجال حقوق الإنسان؟ لقد أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة بإجراءات كثيرة أصبحت تشكل مطالب حقوقية جوهرية لدى الفاعل الحقوقي والسياسي والمدني في المغرب نذكر من ضمنها ما يلي: * المراقبة والتحقيق البرلماني في مجال الأمن، * المراقبة الوطنية للسياسات والممارسات الأمنية، * التكوين المتواصل لأعوان السلطة والأمن في مجال حقوق الإنسان، * ربط المسؤولية بالمحاسبة في عمل الأمنيين، * تقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة الأمنية والقانونية. توصيات معلقة إلى جانب التوصيات المشار إليها أعلاه، اقترحت هيئة الإنصاف والمصالحة، تشكيل لجان محلية وإقليمية متعددة التكوين للمراقبة والتتبع وللإشراف الفوري على كل تدخل أمني مع نشر تقرير مفصل عن الوقائع والعمليات والحصيلة وأسباب ما حصل من الشطط أو التجاوز، وهو الأمر الذي يم يحصل لحد الآن، بخصوص التدخلات الأمنية العنيفة التي أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والنيابية والحقوقية.. تعاطي الحكومات المتعاقبة مع توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، جعل هذه التوصيات، تبدوا وكأنها مهجورة، وهذا ما ولد قناعة لدى عدد كبير من الحقوقيين المغاربة بأن القرار الأمني في البلاد يوجد خارج سلطة الحكومة، رغم الصلاحيات الكبرى التي منحها دستور 2011 لرئيسها المنتخب والمعين من قبل عاهل البلاد. كما لا تظهر في الأفق القريب أي إرهاصات للتوجه نحو ترسيخ حكامة أمنية رشيدة. هناك رأي في المغرب، يرى بأن إصلاح القطاع الأمني في المغرب، غالبا ما ينظر له من مقاربة تقنية تقوم على توفير التجهيزات والعتاد والزيادة في الطاقم البشري، ويتم فيه تجاهل المقاربة السياسية التي ترتكز على أن الأمن خدمة اجتماعية، وقضية مجتمعية ذات بعد سياسي، تسائل الجميع الشأن الأمني وأجندة الحكومة في الاصلاح جانب من الحقوقيين المغاربة يرون بأن مفهوم الإصلاح للجهاز الأمني المغربي، ينبغي أن يقوم على تأمين الحماية للأفراد والخيرات وخدمة المواطنين، و ليس خدمة الدولة فقط، وبقمع الجريمة وليس المواطن. كما يرون بأن هذا الأمر لن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية داعمة للإصلاح، وهي الإرادة التي يتضح بأن حكومة السيد عبد الإله ابن كيران، تفتقدها، في ظل تسجيل عدة تدخلات عنيفة لأجهزة الأمن في حق محتجين سلميين لهم مطالب فئوية أو اجتماعية. الحكومة الحالية، لم تعط أي مؤشر على أنها تملك تصورا سياسيا للحكامة الأمنية، يمكن من خلاله ضبط سلوك الأجهزة في علاقتها بمواطنين يرفضون أن يتعرضوا للقمع بسب ممارستهم لحقهم الدستوري في الاحتجاج السلمي. بل تزيد الشكوك حول قناعة هذه الحكومة في احترام الحريات المدنية والسياسية، عندما يتبين للمراقب والمتتبع ضعف سيطرتها على ماهو أمني. وقد سبق في هذا الإطار للسيد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران ولعدد من وزرائه أن أكدوا في أوقات سابقة عدم علمهم بتدخلات أمنية عنيفة استهدفت وجوه حقوقية ونيابية ونشطاء مدنيين وقائع أعادت طرح موضوع الحكامة الأمنية إلى الواجهة • الاعتداء على البرلماني في حزب العدالة والتنمية عبد الصمد الإدريسي في شارع محمد الخامس دون أن يعار أي اهتمام لوضعه السياسي كبرلماني أو الحقوقي كناشط في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي كان يترأسه وزير العدل والحريات مصطفى الرميد.. • قمع الوقفات الاحتجاجية السلمية وضرب وتعنيف عدد من الوجوه الحقوقية البارزة مثل الاعتداء التي طالت كل من الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي قبل تتويجها بجائزة أممية لحقوق الإنسان ورفيقها عبد الحميد أمين... • قمع الوقفات الاحتجاجية مثل الوقفة التي استنكرت إطلاق سراح البيدوفيلي الإسباني "كالفان" بعفو ملكي • قتل الشرطي حسن بلوطي لثلاثة من زملائه في مشرع بلقصيري لأسباب لها علاقة بالرشوة • اتهمات ولد الهيبول لعدد من رجال الأمن بتلقي رشاوى وتمكينه من معلومات أمنية مهمة كانت تحول دون اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية أسئلة حقوقية سبق طرحها ولازالت لها راهنيتها • كيف يمكن توضيح وتعزيز سلطة التحقيق والمسائلة وتقصي الحقائق للبرلمان في مجال حقوق الإنسان عندما يتم خرقها أمنيا؟ • ألا ينبغي تخويل البرلمان بشكل صريح سلطة اتخاذ الإجراءات لتكوين لجان التحقيق تتمتع بسلطات واسعة في مجال التحقيق في حال وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وإلزامه بذلك؟ • ألا ينبغي للبرلمان أن يكون مؤهلا صراحة لاستنطاق ومسائلة ليس فحسب المسؤولين الحكوميين ولكن أيضا المسؤولين السامين عن مصالح الأمن وحفظ النظام العام وخاصة في حالة اللجوء المكثف للقوة العمومية أو تأكيد وقوع انتهاك جسيم لحقوق الإنسان؟ • كيف يمكن إرساء إطار دستوري للقانون الداخلي للبرلمان بشكل يضمن المهنية والحياد لعمليات التحقيق التي يقوم بها والملتمسات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وإصلاحها ولا سيما عندما يكون مصدر هذه الانتهاكات جهاز من أجهزة الدولة الأمنية؟