يمكن القول إن جميع مقترحات هيئة تعديل مدونة الأسرة حافظت على الإطار الشرعي ولم تخرج عن النص القرآني أو عن السنة النبوية وراعت مبدأ تماسك الأسرة وحفظها وحفظ حقوق الأيتام من أبناء وأحفاد الزوجين بعد وفاة والديهما أو أحد الوالدين، فمن غير المنطقي ولا الشرعي أن يستولي إخوان الهالك في حال وفاته على مسكن الزوجة الأرملة أو بنات الهالك في حال عدم وجود ولد ذكر، ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان الإخوة يرثون الأموال والحلي والبعير.. إلخ. ولا يقربون المسكن الذي تقيم فيه أرملة الهالك بتاتا... عكس ما نراه ونسمعه عن دعاة الفتنة والمتأسلمين الذين يدّعون التديّن والدفاع عن العقيدة والدين منهم براء، حيت أن عددا كبيرا منهم يعمدون إلى مزاحمة الأرملة وبنات الهالك في مسكنهن والتضييق عليهن ودفعهن نحو مغادرة المسكن. كما أنه من حق الأم أن تمارس الولاية على بناتها وأبنائها في حال غياب الزوج، فأتحدى أي متأسلم أن يأتيني بدليل شرعي من القرآن أو السنة النبوية يوضح بجلاء أن المرأة لا تجوز لها الولاية على أبنائها سواء تعلق الأمر بالولاية على النفس، أو الولاية على المال.. فحتى أدلة وتعليلات أئمة المذاهب الأربعة رحمة الله عليهم مثلا في ما يخص الولاية على المال، كانت تصب في اتجاه واحد فقط ومبرر واحد لا غير، وهو أن المرأة غير مؤتمنة هي وفروعها على مال اليتيم، وهو تعليل مجانب للصواب تماما في عصرنا الحالي، لأن العلماء آنذاك اجتهدوا في هذه المسألة (وأضع خطين أسفل اجتهدوا) لأنه مجرد اجتهاد وليس نصا قرآنيا أو سنة نبوية، اجتهدوا في أن المرأة في حال وصايتها على مال الأيتام قد تتزوج زوجا آخر ويستولي على مال أيتام زوجها الراحل بحكم أن الرجال في تلك العصور كانوا يستولون ويهيمنون على كامل أموال النساء وممتلكاتهن.. واعتبروا أن المال سيكون محل تخوين، أي قابل للخيانة والتضييع. وفي ما يخص اجتهادهم حول نقطة الولاية على النفس، وجعلها بيد الورثة بالتعصيب (البنوة، الأبوة، الأخوة، العمومة) ثم بعد غياب هؤلاء ارتأوا أنها يمكن أن تمنح للأم كمحطة أخيرة اضطرارية.. ومبررهم آنذاك هو أن الورثة بالتعصيب آنذاك لم يكن حالهم هو حال الورثة بالتعصيب في عصرنا الحالي، ففي زمنهم كانت النساء لا تخرج لطلب العلم ولا تخرج كذلك لمتابعة شؤون أبنائهن من تعليم وتطبيب وتربية.. إلخ (مع وجود بعض الحالات الاستثنائية النادرة). كما أن الورثة بالتعصيب في زمنهم كانوا لا يهملون نهائيا الأطفال الأيتام الذين من رحمهم، لأنها كانت تعتبر بمثابة رمز للشهامة والمروءة والنخوة والرجولة، ولا يستطيع أي واحد منهم التقصير في هذا الواجب وإلا كان محط تنقيص واحتقار من جميع محيطه الاجتماعي.. عكس ما نراه في العدد الأكبر من ورثة التعصيب في عصرنا الحالي، إذ لا يمكن أن نخفي الشمس بالغربال ونقول إنهم يتمتعون بنفس خصال عَصبة العصور السالفة، فالسواد الأعظم منهم لا يهمه ما ستؤول إليه أحوال وأوضاع الأيتام، إذ بمجرد دفن الميت وجمع خيمة العزاء ومغادرة المعزين، يدير الجميع ظهورهم للأرملة وأيتامها بعدما يوزعون التركة بلا شفقة أو رحمة، (إلا من رحم الله، والاستثناء لا يقاس عليه طبعا). ولهذا فالهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة كانت صائبة بمنح الولاية للأم بعد وفاة الأب، لأنه لن نجد في عصرنا الحالي من هو أقرب للأيتام ومن هو أكثر اهتماما بوضعهم وحالهم من والدتهم. أما في ما يخص مقترح الهيئة المتعلق بمنح صاحب المال أحقية الاختيار بين الوصية أو الإرث بعد وفاته، فالهيئة ركزت على حالة الأحفاد الذين يتوفى والدهم أو أمهم قبل الجد، فبعد وفاة الجد لا يرثون مع أعمامهم وأخوالهم، مما يجعلهم تحت رحمة هؤلاء فإن شاءوا جادوا عليهم ببعض من مال التركة، وإن أبوا فلا شيء يلزمهم بذلك، وكلنا نعرف أنه في عصرنا الحالي فالورثة يستحوذون على كامل التركة ولا يراعون حال أبناء إخوانهم المتوفين أو أخواتهم. كما لم تغفل الهيئة مشكورة مسألة المسؤوليات الزوجية، إذ جعلت النفقة مناصفة بين الزوجين في حال توفرهما معا على الإمكانيات المادية التي تسمح بذلك، بذل أن كانت النفقة مختصرة على الزوج الذكر فقط. كما شددت على أنه في حال تبوث عسر أحدهما فإن الطرف الثاني يكون ملزما بالإنفاق على الأسرة بغض النظر عن جنسه. خلاصة القول مقترحات جاءت في صميم المشاكل التي كانت تعاني منها الأسرة المغربية، وخاصة العنصر النسوي الذي كان مهضوم الحقوق، ويمكن وصفها بطوق نجاة الأسرة المغربية الذي طال انتظاره.