بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط        خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نداء من أجل إلغاء قاعدة التعصيب .. توقيع أم توريط؟
نشر في هسبريس يوم 27 - 03 - 2018


بسم الله الرحمن الرحيم
سمعت النداء الجديد بإلغاء قاعدة التعصيب، وقلت: لعله اجتهاد جديد لم يكتشفه السابقون. وسيتدارك "المجتهدون الجدد" النقيصة التي وقع فيها الأسلاف، فهم قدامى كانوا لعصر غير عصرنا، ولعل تغير الواقع يقتضي تغير الحكم؛ فابن القيم رحمه الله تعالى عقد، كغيره من العلماء، فصلا لتغير الأحكام حسب تغير الأزمان والأحوال والعوائد والنيات؛ فقرأت ما يلي:
أولا:"يعطي قانونُ المواريث (مدونة الأسرة2004) الحقَّ للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد. في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا".
وعلى التو قلت: "التعصيب في منظومة الميراث لا يختص بالذكر وحده، فالأنثى أيضا ترث بالتعصيب؛ إذ التعصيب ثلاثة أنواع:
عصبة بالنفس: وكلهم ذكور، والابن يحجب باقيهم حجب إسقاط.
عصبة بالغير: وهم ذكور وإناث ويشمل الحالات المحصورة التي يرث فيها الذكر ضعف ما ترث الأنثى.
عصبة مع الغير: وكلهم إناث، تحت قاعدة "والأخوات يصرن عصبات إن كان للهالك بنت أو بنات"، فقد تجتمع البنات وعمتهن فينفرد الإناث بالتركة، ولا يرث أي واحد من الذكور الذين يرثون بالتعصيب.
فمثلا توفي رجل وترك وراءه بنتا وأختا شقيقة وزوجة، وأبناء أخ شقيق وأبناء إخوة لأب: الزوجة ترث الثمن، وللبنت النصف، والباقي للأخت الشقيقة، وليس لأولاد الإخوة شيء وكلهم ذكور؛ لأن الأخت الشقيقة (الأنثى) في هذه المسألة وأمثالها تحجب أبناء الإخوة لأب، والبنت وهي( أنثى) أيضا تحجب الإخوة لأم، وكلهم ذكور.
هنا أدركت أن الناس ليسوا على شيء من دقة علم، وأن بعض الموقعين قد غرر بهم، وقد تورطوا، وأن من صاغ النداء لا ينفك أمره من أحد أمرين:
إما لا يعلم ولا أقول "جاهل"، فإنه سيسعى إلى سحب توقيعه على الفور ويتبرأ منه (ولقد أدرك السيد محمد إكيج وهو أستاذ باحث في قضايا الأسرة حجم الورطة فألغى توقيعه)؛ لأن ذلك من تمام الشجاعة العلمية والأدبية والتاريخية، وهو أمر يشكر عليه.
أو يعلم وينتقي: فأستغرب، ماذا يريد هؤلاء من هذا النداء في هذا الوقت بالذات؟ هل هو أجندة لها سوابق، (سفاهة كتاب "البخاري نهاية أسطورة"، وتفاهة حرية الجسد...) ولواحق الله أعلم بها، أم ماذا!؟. ..وكدت أطوي الملف وأنتهي بعد أن قرأت النداء بتمعن، ثم التفت إلى ذاتي وقلت: لا بد من إحسان الظن بالناس، فلعلهم لا يريدون إلا نصرة من أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهن خيرا قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وهو يقول: "استوصوا بالنساء خيرا".
ثانيا: ومما جاء في النداء: "ما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيقٌ ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين (أعمام، أبناء عمومة وغيرهم)، وفي حالة عدم وجودهم تقتسم مع أبناء عمومة أبعدين قد لا تربطهم بالأسرة آصرة أو قربى سوى الدم المشترك."
زادتني هذه الفقرة دهشة، إذ قلت: الموقعون باحثون يدركون معنى "العلمية" و"الموضوعية" و" البحث الميداني الدقيق" و"المسح الإحصائي" ...فلعلهم أحصوا عدد أبناء العمومة بالمغرب، المتربصون بأخيهم الذي ليس له إلا البنات لينقضوا على التركة بعد موته، وأنهم كلهم فقراء، ستدفعهم الحاجة، لا محالة، لمزاحمة البنات اللواتي ترك لهن أبوهن شقة أو قطعة أرض أو...أما إن كان غنيا جمع ثروة هامة، فإنه سيستفيد من تركته كل الورثة، ويستغنون بذلك؛ وهو ليس بالسذاجة وقلة الفهم لمقاصد الشرع، ومصلحة بناته، وعدم تمكنه من سؤال أهل العلم والقانون الذين يجدون له المخارج الشرعية والقانونية التي يصون بها حياة بناته بعده (هبة، عمرى، عقبى... ).
وتساءلت عن الكلمة الأخيرة "سوى الدم المشترك" فقلت: لعل الذين درسونا علم الفرائض قد غرروا بنا، ولم يذكروا لنا أن من أسباب الميراث "الدم المشترك". أي دم؟ هل الزواج، وهو موجب للميراث، دم مشترك أم عقد مشترك !!!.
ارتفع منسوب يقيني بأنه ليس وراء النداء دقة علمية واضحة، ونفضت يدي من الموضوع، وأدركت أن الذين وقعوا قد غُرِّر بهم، ووقعوا في ورطة ذات أبعاد متعددة وخطيرة على النسيج المجتمعي المغربي المتضامن في عمومه.
للإرث في الشرع سببان رئيسان:
- الزوجية أو المصاهرة: وهي عقد يجمع رجلا بامرأة على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بمسؤوليات محددة ولمقاصد معروفة.
- النسب أو القرابة: وتشمل الأبناء والأحفاد ذكورا وإناثا، والإخوة والأخوات، والأعمام.
فأين الدم المشترك !؟ لعل الذي كتب يفكر باللسان الدارج (مْشاركين الدم على وزن مْشاركين الطعام).
ومع ذلك قلت: إن من العدل والإنصاف متابعة التدقيق في نص النداء، فوجدته قد استنتج استنتاجا غريبا مفاده أن:
" هذه الوضعية ترتبط بقاعدة التعصيب التي تحصر الورثة، بعد أصحاب الفروض، في الذكور ممن لهم قرابة نسبية بالمتوفى"..
الاستنتاج العلمي يكون بعد تمحيص المعطيات وجمع المعلومات، واعتماد المناهج البحثية الدقيقة في الاستنباط والاستقراء... قاعدة التعصيب هي السبب !!! ما لها تحصر الورثة في "الذكور" ذوي "القرابة النسبية"؟.
إن كانت الكلمة بفتح النون والسين، فهي مجرد تكرار، إذ القرابة والنسب شيء واحد، وهذا مما يدركه الطلاب في بداية تعلمهم؛ وإن كانت بكسر النون وتسكين السين فكيف نميز بينها وبين القرابة المطلقة، بأي معيار وبأي مقياس؟...وكأني بعدد من الموقعين قد درسوا مفهوم "القرابة النسبية" وما هي درجة النَّسَبية التي تعطي الحق في الميراث، وما صورة "القرابة مطلقة"؟ كيف نرتب ما بين الابن الأول والابن الثاني والثالث، أيهم يملك القرابة الأكثر نسبية والأقل نسبية.. !!!.
ثالثا: واستطرد النداء ينادي: علما أن الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه، حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة، إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها، حيث كان الأمر يصل إلى حد إعطاء ديات وتعويضات من أجل سداد الخسائر والأضرار التي قد يتسبب فيها بعض أفراد القبيلة (العصبية).
النتيجة إذن: اكتشف أصحاب النداء اكتشافا لم يسبقوا له، إنه مبررات التعصيب في ذاك الزمان !، إنه السياق التاريخي، والنظام الاجتماعي القبلي (العصبية).
إن من لوازم هذه العبارة لمن يعرف دلالات الألفاظ وأصول المنطق أن التعصيب الوارد في القرآن نصا نشأ من خلال "النظام الاجتماعي القبلي"، أما اليوم فنحن أمام مجتمع متحضر لا معنى فيه للقبيلة، ولم يعد لها أثر لا في مدن المغرب ولا في قراه.
حسب هذه النتيجة، ينبغي قطع الصلة مع كل ما جاء في سياق غير سياقنا ونظامنا الاجتماعي المعاصرين (الهوية، الروابط الاجتماعية)، وباقي الأحكام الشرعية ومنها الصلاة والصيام والزكاة و....، لأنها جاءت في سياق تاريخي ونظام اجتماعي لم يعد موجودا اليوم....وهو أمر لا يقول به ذوو الطباع السليمة والعقول الراجحة، إلا من يدعو إلى التوقيع وهو يبطن التوريط !
رابعا: جاء في النداء أيضا: "هذا النظام الاجتماعي لم يعد بالتأكيد هو السائد في عصرنا الحالي، فالأسرة المغربية أصبحت مكونة في الغالب من الزوجين وأطفالهما. كما أن عدد الفتيات المتمدرسات يزيد يوما بعد يوم، وتلج النساء أكثر فأكثر سوقَ الشغل بنوعيه النظامي وغير النظامي، مساهمات بذلك بشكل ملحوظ في اقتصاد البلاد".
النساء يلجن سوق الشغل، ويساهمن بشكل ملحوظ في اقتصاد البلاد !
من يمسك اقتصاد البلاد؟ وما هو اقتصاد البلاد؟ ومن يسلب الناس أقواتهم وأرزاقهم وثرواتهم؟.
أ هو سكن مستضعف في غياهب وطن غني بثرواته؟ أم لقمة عيش مرة ينتزعها المستضعف والمستضعفة من بين مخالب الظلم والاستبداد؟.. أم لعله ثروة الفوسفاط والسمك والذهب و....؟ وكلها مهددة بقاعدة التعصيب في الميراث، لا بد من حراستها من الذكور المتربصين بموت أصحاب التركة لينقضوا عليها بقاعدة التعصيب، تلك القاعدة الظالمة...الحل إذن إلغاء التعصيب
...عجبا لعاقل وقع على النداء في غفلة من أمره، وعجبا أكبر لمن أدرك أنه تورط ولم يحسب لذلك الحساب الصحيح.
خامسا: وجاء في النداء كذلك.. "فضلا عن ذلك فإن النساء يساهمن في إعالة أسرهن، بل إنهن في أحيان كثيرة يكنّ المعيلات الوحيدات. أما عدد النساء اللواتي يشاركن أزواجهن نفقات البيت فهو في تزايد، فضلا عن وجود حالات كثيرة تتكلف فيها ربات البيوت لوحدهن بنفقات البيت. هذا دون أن ننسى أن عدد النساء اللواتي تكفلن أنفسهن في ازدياد مطرد أيضا: مطلقات، عازبات، أرامل (تقدر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط عدد الأسر التي تعيلها نساء بمعدل أسرة واحدة من بين كل خمس أسر)".
إن المرأة كما تكون وارثة تكون موروثة، وكما تكون فقيرة تكون غنية، تترك لورثتها خيرا يستفيدون منه بعد موتها؛ ثم إن عدد النساء اللواتي يتكفلن بأنفسهن لسن جميعا مطلقات، وعازبات وأرامل، بل منهن المتزوجات والمهندسات، والأستاذات، والمقاولات، والمحاميات، والعاملات...ونحن نفخر بذلك، وسيرث ورثتهن تركاتهن بالفرض والتعصيب أو بأحدهما، حسب وضعهم في ترتيب الورثة. فالذين يعلقون ظلم المرأة على قاعدة التعصيب فحسب قد تورطوا.
سادسا:
"مما يفرض السؤال التالي: ما الذي يبرر أن يظل الأقارب الذكور (الأقربون أو الأبعدون) يتقاسمون الإرث مع فتيات يتيمات لا يتحملون مسؤوليتهن المادية أو المعنوية في شيء؟".
ليست كل الوارثات يتيمات، وليست قاعدة التعصيب هي التي تسبب اليتم؛ اليتم جزئية من المسألة الاجتماعية التي تحتاج برمتها إلى نقاش كبير حول أسبابها وآثارها والمسؤول عنها؛ وكأننا إذا ألغينا قاعدة التعصيب خففنا من ظاهرة اليتم، والتفكك الأسري، والهشاشة الاجتماعية، ونحن جميعا نعرف من المسؤول عن ذلك.. "كلكم راع وكلكم مسؤول...". أي ورطة هذه أن نوقع على تحليل كهذا !؟
سابعا: ويستمر النداء: "إذ إن القانون الذي يبيح لهم اقتسام إرث لم يساهموا فيه، لا يجبرهم في المقابل على حماية ورعاية الأسرة المعنية، بل على العكس يساهمون في تفقيرها وتعريضها للعوز. في كثير من الحالات تتحول فترات الحزن على الميت وآلام الفراق إلى نزاع على الإرث – أحيانا قبل دفن الميت – حينما يطالب العصبة بحقهم «الشرعي» في أموال الميت وممتلكاته وذكرياته، أو حين تجبر هؤلاء النساء الثكالى على بيع منزل الأسرة لأخذ "مستحقاتهم"".
وكأن الإحصاءات مضبوطة بالتمام والكمال، وبمناسبة موت عدد كبير من الموتى (قد يكونون ذكورا أو إناثا ) تتحول الأسر إلى جبهات صراع على الإرث الذي يتركه الميت "الغني" ويطمع فيه الوارثون بالتعصيب.. وكأن جميع المغاربة الذين يموتون أغنياء.
صحيح أن حالات الظلم ترد عند من ليس لهم علم بالشرع ومقاصده، أو لا قدرة لهم على تطبيقه، خاصة في البوادي، فليس الحل هو إلغاء قاعدة التعصيب، بقدر ما هو إلغاء الجهل والأمية والفقر المتفشية في المجتمع.
من يوقع على هذا النداء لا شك أنه في ورطة علمية وأدبية حقيقية.
ثم إن من بين الوقائع التي يتم فيها النزاع أن الأخت الشقيقة (إذا مات أخوها الذي له بنت)،ترث نصف التركة تعصيبا، وهي أنثى. أ ليس إلغاء قاعدة التعصيب ظلما لمثل هذه الحالات ومثيلاتها، أم أنها "مذكر" ينتهز فرصة موت أخيه ليسطو على سكن بنته، كما يقول النداء.
...ورطة وأي ورطة
ثامنا: ويضيف النداء: "في ظل وضع كهذا أصبح عدد كبير من الآباء الذين ليس لهم أبناء ذكور (وهي حالات في ازدياد متصاعد لأن الأسر المغربية لم تعد تنجب في المتوسط أكثر من ثلاثة أطفال)، لا يتقبلون أن يرث أقارب ذكور، لا تربطهم بهم آصرة سوى الدم المشترك، ممتلكاتِهم على حساب مصلحة بناتهم. وحيث إنّ القانون لا يمكنهم من حق ترك وصية تحيل التركة لبناتهم، فإنهم يضطرون لمراوغة أحكام الإرث عن طريق اللجوء للهبات والبيوع الصورية."
احذروا أيها الناس، إن كل مولود ذكر هو مشروع وارث بالتعصيب، لأنه سيكون أخ أنثى أو ابن عمها وسيرث بالتعصيب، وهو لا محالة مشروع وارث معتد على ميراث الإناث الذين هم في ازدياد متصاعد، دلت على ذلك الإحصاءات المتعلقة بالأسر المغربية...توقيع هذا أم توريط.
تاسعا: "ما يجعلنا نتساءل: إذا كان السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي برر، عبر التاريخ، نظامَ التعصيب بالنفس قد تغير واختلف كليا، فما الذي يسوّغ أن يستمر العمل بقانون التعصيب؟ علما أن هذا القانون هو اجتهاد فقهي لا يجد له أي سند في القرآن الكريم، فضلا عن أنه لا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس".
لا أجد كبير عناء بعد هذه الفقرة في التأكد من أن الذي صاغ الورقة ورَّط نفسه وورَّط غيره، وأكاد أجزم بأنه ممن له تجربة "الاطلاع السطحي" على بعض الأحكام الشرعية ليس إلا، أو صاحب إغراض مبطن يريد إسقاط حجية السنة النبوية من التشريع..."هذا القانون هو اجتهاد فقهي لا يجد له أي سند في القرآن الكريم"؛ فماذا تقول في قوله تعالى:" يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلد"، الذي نص بوضوح على أن نصيب الأخت إذا لم يكن لأخيها فرع وارث ولا أصل هو النصف، وأعطت المال كله لأخ إذا لم يكن لأخته فرع وارث ولا أصل، فإنه يرث مالها كله وهذا هو معنى التعصيب.
أ ليست ورطة كبرى أن يستغفلني الناس فأوقع على إزالة حكم قطعي الدلالة بنص القرآن الكريم؟.
أ ليست الورطة أكبر أن أغض الطرف عن السنة التشريعية، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأول رجل ذكر 1".. جاء في أعلى درجة الصحة وهو ما اتفق عليه البخاري ومسلم.
عاشرا: "من أجل كل هذه الاعتبارات، وانسجاما مع تحقيق روح العدل والمساواة، نطالب نحن الموقعين أسفله بالتالي: إلغاء نظام الإرث عن طريق التعصيب من قانون المواريث المغربي، على غرار ما مضت فيه بلدان إسلامية أخرى".
أقول: من أجل تهافت هذا النداء، وانسجاما مع تحقيق روح العدل والمساواة، وانسجاما مع مقاصد الشريعة الغراء، أدعو إلى فهم نظام الإرث في الإسلام في شموليته، وإلى ضرورة لفت عناية مراكز الأبحاث والدراسات إلى أن تستيقظ لتضع خارطة طريق تجديد للنظر في كثير من القضايا المستجدة التي تحتاج لاجتهاد جماعي.
نحتاج إلى دراسات علمية وتعاون اجتهادي في سياق تطبيق مقاصد القرآن وأحكامه، لا في سياق إلغائه وتحييده عن الشأن العام، وفي سياق دراسات علمية دقيقة وموضوعية. فالنسيج الاجتماعي المغربي يتغير بسرعة ويحتاج إلى جهود مضنية وكلمة سواء بين جميع المتدخلين في الموضوع، مع أخذ الأمور التالية بعين الاعتبار:
- الحكم الشرعي
- المقصد الشرعي
- الواقع المعيش
ومن القضايا التي تحتاج إلى اجتهاد جماعي حقيقي:
- مساهمة النساء في إعالة أسرهن كلا أو جزءا، وتبعات ذلك على النظام الأسري.
- ضرورة السكن الأصلي للأسرة وعلاقته بالإرث.
- الاعتناء باليتامى والفقراء.
- مداخل النهوض بالمسألة الاجتماعية في ظل التفاوت الطبقي اليوم.
حقوق المرأة العاملة وما تتعرض له مما يهدر كرامتها باعتبارها مواطنة
واللائحة طويلة.....
نوقع على الاشتغال التكاملي لا على التوقيعات التي تورط أصحابها أمام الله وأمام المسلمين وأمام التاريخ...
هلم إلى اجتهاد جماعي راشد بعيد عن الركون إلى الاستبداد الذي يريد أن يجعل من الدين كائنا أليفا يستدعيه كلما دعت الضرورة إلى تلميع صورته الاستبدادية، بعيد عن الاسترشاد بأجندات غريبة عن عمقنا التاريخي، ورسالتنا الرحيمة، وأصالتنا العلمية والدينية.
هلم نتعاون على حل مشكلاتنا الاجتماعية والقانونية والسياسية والثقافية من صميم انتمائنا الحضاري والتاريخي العميق في الزمن الماضي، والممتد في آفاق المستقبل المشرق للإنسانية ببشارة الإسلام.
إنه دين رحمة للعالمين، إذا تُرك امتد، وإذا حورب اشتد، ولله عاقبة الأمور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.