عرفت البشرية عبر مسارها الإنساني، طفرات علمية عميقة نقلتها من طور حضاري لآخر، فقد مكنت الطباعة عند اختراعها الكتاب المفكرين و الأدباء و العلماء نقل معلوماتهم و معارفهم بوسيلة أكثر سرعة عما ذي قبل، و أسهم ذلك في التثاقف بين أفراد المجتمع في البلد الواحد، وربط جسور التواصل و التعارف الحضاري بين الأمم، فإذا كانت هذه الأخيرة من النتائج الباهرة لاختراع الطباعة، فإن ظهور الإنترنت في العقود الأخيرة من القرن الماضي، أكد بالملموس أن العالم قرية كونية، عبر ما أتاحه الإنترنت من سرعة قياسية في نقل المعارف و القيم بكل مرجعياتها، وبمختلف الطرق صوتا وصورة و كتابة ، و تفاعلا مباشرا. "" أمام هذا العام المتغير السريع و الذي لا يتوقف عن الإنتاج و تدفق المعارف المعلومات، تقف الأسرة و المدرسة المغربيتين في شبه عدم اهتمام بما يجري، و لا تستيقظ المدرسة و الأسرة ) الآباء و المدرسون( إلا حين يفاجئها المراهق؛ بملابسه الجريئة، و ألفاظه الغريبة، أو قد يعتنق مذهبا من المذاهب المنحرفة" عبدة الشيطان"، أو قد يعبر عن ميولاته الجنسية شذوذا أو سحاقا..، حين ذاك تستيقظ الأسرة و المدرسة باعتبارهما مؤسستا التنشئة الاجتماعية الأساسية من غفلتها، فتواجه هذه التصرفات الغريبة عنها بالاستغراب و اندهاش في أحسن الأحوال، و إلا فقد تركن إلى التطبيع معها بمنطق " الأمر الواقع" دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن أسباب هذه الظواهر الجديدة لدى المراهقين و التفكير في الحلول المطلوبة لتوجيههم توجيها علميا تربويا يقوي"مناعتهم الإعلامية". فلا زالت الأسرة و المدرسة يعيشان في غياهب زمن " الطباعة" و المعرفة المدادية، مما يعني أن مواجهتهما لهذه المشاكل الجديدة في تركيبتها و نتائجها سيبقى رهين بحلول قديمة أجابت عن مشاكل قديمة في تركيبتها و نتائجها، و لا تسهما بذلك في أن تحتلا دورا متقدما في الرعاية التربوية، فيتصدر الإنترنت موقعهما في بناء المعارف و تربية المراهق على القيم الجديدة. إذا كان الآباء و المدرسون في غفلة عن هذا العالم المتغير، فإن المراهق مواكب و ملاحق لمجمل المستجدات، و سبب ذلك كما يؤكد عليه درس علم التربية أن من مميزات المراهقة حب الاستطلاع و التمرد و التميز عن المألوف، و هذا ما يجعل المراهق يلاحق جاذبية الإنترنت السريعة وإغراءاته الضيائية، لأنه يجد فيه الملجأ المناسب لحاجياته الاستطلاعية، بمختلف طرق عرضها و مضامينها، محاولا ان يجد جوابا على اهم أسئلته، و منها السؤال الجنسي الذي يعتمل في باطن شهوته الفائرة التي تناسب طبيعة المرحلة النمائية التي يمر بها،لكن لغياب دور المدرسة و الأسرة يقع في شراك مواقع" الجنس التجاري" فتلهب شهوته و تقوده إلى إدمانها، كما ان من مميزات المراهقة الميول نحو العدوان و الاصطدام قصدا تحقيق متطلبات الذات من الاعتراف و إشعار المراهق الراشدين أنه تجاوز مرحلة الطفولة وبلغة المغاربة " تكاد الكتاف"، و في حالة عدم التوجيه أيضا قد يفرغ المراهق شحوناته العدوانية بإبحاره في عالم الإنترنيت باحثا عن لعب الحرب و القتال التي يظن أنها ستهذب من عدوانه لكنها لا تزيده سوى اشتعالا و تفكيرا لتطبيقها في أرض الواقع. إن علاقة المراهق بالأسرة والمدرسة في زمن الإنترنت هي علاقة يسودها الاصطدام و النفور، ويرجع ذلك إلى عدم وعي الآباء و المدرسين بمميزات المراهقة و حاجياتها و تحدياتها و يمكن أن نمثل لذلك بالمسألة الجنسية؛ فمن خلال الواقع المعيش يخترق قاموسنا اللغوي مفردة " حشومة" هذه المفردة التي تستبطن إرهابا تربويا فضيعا، و في الآن نفسه تستبطن تصورا معينا للجنس محصورا في " العلاقة الجنسية"، فالمراهق إن كان ذكرا يحس بتغيرات جنسية من مثل خروج المني و الأنثى تحس بخروج دم الحيض..، فهذا الإحساس و الشعور في أسرنا و مدارسنا المغربية لا تواكبه تربية جنسية علمية تبين للمراهق بطريقة تربوية سبب هذه التغيرات الجنسية و تربيه على كيفية استثمار الغريزة الجنسية، وإنما كل ما هنالك قمع و تغاضي، مما يجعل مصير المراهق في كف عفريت الشارع الواقعي أو الافتراضي على شبكة الإنترنت، فينغرس في ذهنيته مع ميلاد غريزته الجنسية أن الجنس متعة و لذة عن طريق الاتصال بين طرفين، دون أن يعلم أسرار هذه الغريزة من الناحية الطبيبة و العلمية و كيفية توظيفها في الاتجاه الصحيح و السليم لينفع نفسه و مجتمعه و يجنبهما كوارث الشذوذ و السحاق ..، و تكون النتيجة وقوع المراهق بين سندان الإجابات المحافظة و مطرقة مواقع البورنوغرافية... وهذه النتيجة التي سببها الاختلال في ميزان مؤسسات التنشئة الاجتماعية و التي هي الأسرة و المدرسة و المجتمع، و هذا الأخير الإعلام يعتبر جزء منه إضافة إلى جماعة الأقران و مؤسسات المجتمع المدني، فلما أصبح الإعلام و منه الإنترنت في موقع الصدارة و التوجيه وأصبحت الأسرة و المدرسة في آخر قائمة التوجيه و التنشئة التربوية كانت النتائج السلبية الآتية: - تشوه مفهوم الجنس لدى المراهق و الذي صنعته مواقع الجنس التجاري البورنوغرافية ، باعتبار الجنس اتصال جنسي بين طرفين بغاية اللذة دون التزام أو تبعات. - الإدمان على استعمال شبكة الإنترنت و الاستعمال المفرط" للشات" و الشبكات الاجتماعية ، قد يؤدي هذا إلى الفشل الدراسي وقلة المردودية. - الاستغلال من اطراف مجهولة الهوية قصد إفساد المعتقدات الدينية للمراهق أو تحريف ميولاته الجنسية. - اكتساب سلوكات عدوانية جراء الإدمان المفرط للعب الحرب و القتال الإلكترونية ، و قد تكون لهذا نتائج وخيمة تجاه زملائه من التلاميذ في المدرسة . - وقوع اصطدامات بين المراهق وأبويه بتقليده لموضات جديدة تنحو منحى الغرابة في اللباس و الكلام. إزاء هذه النتائج السلبية اعتقد أن التفكير في حلول تحول دون الوصول إلى بعض هذه النتائج السلبية أو أكثرها يمكن تبني هذه الحلول الآتية: - تأهيل و تكوين الآباء و المدرسين على مستجدات التقنية و الإعلام الجديد لبناء " المناعة الإعلامية" للمراهق، وذلك ببرامج قوية لجمعيات الآباء و مؤسسات المجتمع المدني بدعم من وزارة الاتصال و التربية الوطنية. - صياغة دليل خاص بالتربية الجنسية بكل أبعادها و دليل خاص بالعنف المدرسي مع التركيز على العنف بين التلاميذ أنفسهم ، و العمل على إدراج مادة التربية الجنسية و مادة التربية على السلوك المدني في المقرارات المدرسية.