يتحدث أغلب المحللين السياسيين،عن تشابه بين معطيات القضيتين الأوكرانية والسورية،وصلا بلعبة كبار السياسة الدولية،الذين يصنعون حاليا توجهات الخريطة العالمية.فالصراع الدائر بين المعارضة الأوكرانية ونظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا،تتجاوز مستويات البيت الداخلي،إلى تصادم دون تماس مرئي، بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا بوتين من جهة أخرى. احتجاجات الشعب الأوكراني،التي اندلعت بعد رفض رئيس الجمهورية،التوقيع نهاية شهر نوفمبر الماضي، على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي،التي كان من شأنها فتح الحدود أمام البضائع وتخفيف قيود السفر،مفضلا في المقابل الحفاظ على تقاربه مع الروس،تعتبر حلقة ثانية للثورة البرتقالية خلال شهر نونبر2004،التي أطاحت بالرئيس الحالي يانوكوفيتش.للتذكير،فقد جاءت آنذاك حكومة محسوبة سياسيا على الغرب.خمس سنوات،فيما بعد ارتقى ثانية يانوكوفيتش سدة الرئاسة،محتكما حقيقة إلى صناديق الانتخابات،متفوقا بنسبة ضئيلة على زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو،القابعة حتى اللحظة في السجن منذ2011،بعد أن صدر في حقها حكم قضائي لمدة سبع سنوات، بدعوى استغلال منصبها السابق لأوكرانيا من أجل مآرب شخصية.لكن الجميع يعلم، أن تغييب تلك السيدة الجميلة ذات الوجه الإغريقي،في زنازن أوكرانيا الباردة،دافعه الانتقام السياسي.أشير في هذا الإطار،إلى كونها قررت حاليا خوض إضراب عن الطعام،تضامنا مع المحتجين في شوارع "كييف"،مؤكدة على ضرورة استمرارهم حتى توقع السلطة بنود الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. كما قلت،هناك تقارب في خلاصات الملاحظين،بين ما صار في سوريا،والإشكالات المتشعبة هناك نتيجة الأجندات الخارجية،ثم القضية الأوكرانية كما تتفاعل حاليا:روسيا، متمسكة وتهدد.الغرب، بزعامة واشنطن،يغري ويستدرج نحو بحبوحة المنظومة الأوروبية.هكذا، وانسجاما مع نفس منطق رؤيته للصراع الدموي في سوريا، اعتبر بوتين أن مايجري في أوكرانيا،تم التخطيط له خارجيا، بالتالي تحركات المنتفضين ليست ثورة حسب تصوره، بل مجرد شغب يجب قمعه بالنار.وفق المنحى ذاته،يستطرد رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الروسي، ألكسندر بوشكوف،جازما بأن السعي إلى جر أوكرانيا نحو الضفة الأوروبية،هو مجرد مشروع لإضعاف روسيا.مزاج سيتعكر صفوه، وتزداد نبرة الروسيين حدة،مع تصاعد خطوات التدخل الأمريكي،وهو الشيء الذي دشنه إرسال البيت الأبيض،"فيكتوريا بولاند"، مسؤولة الشؤون الخارجية إلى كييف،وجلوسها مع المحتجين بميدان الاستقلال. يتوخى الاتحاد الأوروبي،منح أوكرانيا مساعدات مالية كبيرة كي ينتصر في مواجهته الافتراضية مع روسيا،لكنه يربط المبادرة بتشكيل حكومة انتقالية تشرف عليها المعارضة التي يتزعمها راهنا"فيتالي كليتشكو" أحد صناديد الملاكمة الاحترافية طيلة السنوات الأخيرة،بحيث ستباشر مجموعة من الإصلاحات ثم الإعداد لانتخابات رئاسية. في الجهة المقابلة،أعلنت روسيا بدورها تقديم 15مليار دولار،إلى يانوكوفيتش بهدف إخراج أوكرانيا من أزمتها، لكن شريطة عدم الانسياق وراء الأوروبيين والبقاء ضمن فلك الاتحاد الجمركي،الذي يضم إلى جانب روسيا جمهورتي بيلوروسيا وكازاخستان. بلا شك،مع الجغرافية والتاريخ،تتأرجح كفة الميزان لصالح رهان بوتين،فقد شكلت أوكرانيا الدولة الكبرى الثانية ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا،ونعتت دائما بسلة غذائه وقلبه الصناعي. آثار ذلك العهد، لازالت تحدد بنيات تكاملية بين اقتصادي البلدين.أوكرانيا،أكبر مستهلك للطاقة في أوروبا،تعتمد بخصوص صادراتها ووارداتها، على الجار روسيا،شريكها الرئيسي لاسيما حاجاتها من الغاز الطبيعي والنفط.أيضا، مايزيد على 80% من البضائع الأوكرانية تصدر نحو روسيا، أو غيرها من الجمهوريات السوفياتية سابقا.ثم، لا توجد فوق الكرة الأرضية، أقصر طريق لتصدير غاز روسي تقارب نسبته 85%،وبأقل التكاليف نحو غرب أوروبا،من مسلك أوكرانيا،علاوة على أنها المنفذ الحيوي الوحيد لروسيا على واجهة البحر الأسود. إذن، الموقع الجيوسياسي وحجم الثروات الهائلة،سيجعل من الصراع بين بوتين والغرب على أوكرانيا،مسألة حياة أو موت بالنسبة لقيصر الكرملين،بغض النظر عن التطلعات الرومانسية للمنتفضين،كما كان الشأن تماما لدى السوريين.فهل،سيتمكن مصارعه الجديد، كليتشكو من هزمه ولو بالنقط ،مع أنه عودنا داخل الحلبة على ضربات "الكاو" الجامدة،لذلك لقبه المتتبعون بالمطرقة الفولاذية أو اليد الحديدية،ذات الذراعين الطويلين؟. بوتين،محترف الجيدو،الذي أسرع غير ما مرة نحو القاعات،كي يتابع عن قرب نزالات البطل الأوكراني،حتما قد غدت محبته السابقة كرها مقيتا،لأن رجل الكي جي بي الشرس والعنيد،لايرحم بتاتا من يجرؤ على الوقوف أمام طموحاته بصيغة من الصيغ،أفق استشعره جيدا كليتشكو الذي لم يتردد في بعث رسالة إلى الجبهة المقابلة وعلى رأسهم طبعا بوتين،بقوله :((لن تنجحوا في ترهيبي أو إيقافي)) ، كأني أحدسه يتكلم بلسان مغربي :((اللي زْغْردات عليه امُّو، يقرب لي)) ،فقد تداولت وكالات الأنباء خبر التعذيب الذي تعرض له المعارض"ديميترو بلانوف" وكذا الحديث عن حالات اختفاء،بلغت الثلاثين ضمن صفوف متزعمي حالات الاحتجاج. إذن، في سن الحادية والأربعين،وبعد تمكنه من تحقيق الألقاب الثلاثة في الوزن الثقيل للملاكمة المنظمة العالمية،الجمعية العالمية والاتحاد الدولي) قرركليتشكو التخلي عن لقبه العالمي،الذي فاز به سنة 2008،ثم دافع عنه ثانية شهر شتنبر2012،حين هزم الألماني "مانويل شار" بالضربة القاضية في الجولة الرابعة،معلنا تفرغه إلى قضية بلده السياسية.يقول الملاكم،الذي يحمل شهادة دكتوراه في علوم الرياضة، ويتكلم الأوكرانية والروسية والألمانية والانجليزية :((في الوقت الراهن،أركزعلى الحياة السياسية في أوكرانيا،ولدي شعور بأن شعبي بحاجة إلي)). مجلس الملاكمة،تجاوب مع الموقف،فأجاز لكليتشكو صفة بطل متقاعد،وضع يسمح له كي يقرر خلال وقت لاحق،إن كان يريد إنهاء مسيرته الرياضية، أو العودة من جديد إلى الحلبة كي يدافع عن لقبه. ولد كليتشكو في جمهورية كازاخستان، من أب يعمل ضابطا في الجيش السوفياتي،وأم مدرِّسة.لم يكن وصوله إلى المجد الرياضي سهلا ومفروشا بالورود،بل شاقا متعبا،فقد ارتدى قفاز الملاكمة عن سن الثالثة عشر.مارس بداية فن الكيك بوكسينغ،فظفر بألقاب عديدة قبل تحوله نحو الملاكمة، التي اختتم مشواره معها كهاو بذهبية أولمبياد1996،بعد ذلك دشن المسار الاحترافي الحافل بالمنجزات.لا يفوت في هذا المقام،استحضار صنيع أخيه "فولديمير كليتشكو"،بدوره ملاكم في الوزن الثقيل،الذي تنازل عن ميداليته الذهبية الأولمبية مقابل مبلغ مليون دولار،تبرع بها لمؤسسة "الأخوين كليتشكو"،قصد مساعدة الأطفال والمحتاجين في أوكرانيا. تعود أولى تطلعات كليتشكو السياسية، إلى انخراطه في الثورة البرتقالية،ثم بعد عامين، انتخب مستشارا في بلدية كييف، دون نجاحه في الفوز بمنصب عمدة العاصمة.سنة 2010، أسس حزب التحالف الديمقراطي الأوكراني للإصلاح.مؤخرا، أعلن عن ترشحه لمنصب الرئاسة الأوكرانية خلال الانتخابات القادمة،كل الحظوظ بجانبه حسب استطلاعات الرأي،فالقاعدة الواسعة من الشباب الأوكراني عبرت عن رغبتها كي يحكمهم بطل كبير محترم من عيار كليتشكو،اختبربالمكابدة والتحمل والعرق والدم والألم،ما معنى أن تكون رمزا مجتمعيا!