الحكومة تصادق على رفع الحد الأدنى للأجور في النشاطات الفلاحية وغيرها    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    المغرب ينتج 4000 طن من القنب الهندي في 2024 دون خروقات قانونية    بشرى كربوبي تحتل المركز الخامس كأفضل حكمة في العالم لسنة 2024    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    حقوق الضحايا ترفض التشهير وتطالب بحفظ كرامة ضحايا الاعتداءات الجنسية بالمغرب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حُمّى الانتخابات تقلب الموازين
نشر في هسبريس يوم 02 - 06 - 2009

لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة فإنها تعيي الطبيب وتدوخ اللبيب وتحير العاقل وتريك النجوم في عز الظهيرة ، وإذا كانت الحماقة علة يسأل لصاحبها العلاج ويبذل كل غال ونفيس حتى تزول عوارضها عليه فيعود كما كان إنسانا سويا يعي ما يقوم به من تصرفات ويدرك ما يقدم عليه من حركات وتحركات ، فإنها عندنا في المغرب أضحت سياسة يتم نهجها في مختلف مرافق الحياة وتشعباتها ، ويكفي للمرء أن يتأمل في بعض المشاهد اليومية لهذا البلد حتى يدرك أنه بلد الحماقات الغريبة بامتياز ، وأنه بلد يسير بلا موازين تذكر، وأنه بلد إذا قدر للموازين أن توجد على أرضه فإنها سرعان ما ستشكو للعالمين انقلابها رأسا على عقب بين لحظة وأخرى . ""
نعم هذه هي الحقيقة ولا نقول فندا ، فحين صوتت الثلة العريضة من الشعب في آخر انتخابات تشريعية بالعزوف عن صناديق الإقتراع وقررت منح أصواتها للفراغ المريب لا لسماسرة أو أشخاص قدموا لها الوعود الحمراء لسنين من الدهر ثم أذاقوها من لغة النكران والحرمان والتلاعب ما لا طاقة لها به ، كان المتوقع سياسيا أن يتم فتح حوار وطني لمعرفة أسباب اختلال الموازين ودوافع عدم انسجامها مع مصلحة السلطات والسياسيين ، لكن شيئا من هذا القبيل لم يقع على الإطلاق ، بل تم فتح أبواب الحقائب الوزارية وغيرها من أبواب المسؤوليات أمام أناس لم ينالوا في يوم من الأيام رضى الشعب ، وشكلت حكومة بأغلبية ضعيفة لتعاقب كل من قاطع الإنتخابات على اختياره ولتساهم بدورها في تكريس أزمة سياسية عنوانها الأبرز غياب ما تبقى من حروف الثقة بين الشعب من جهة وبين الفاعلين السياسيين من جهة أخرى .
وحين ضربت الأزمة المالية العالم بأسره كان المغرب هو البلد الوحيد الذي يؤكد مسؤولوه على أنه في منأى من تأثيرات هذه الأزمة وتداعياتها على الأوضاع الداخلية ، ولما ثقلت موازين الخسارة واكتوى المواطنون بنيران الغلاء واحتجوا على ارتفاع الأسعار ، انقلبت الموازين فأقرت الحكومة بانضمام المغرب إلى موكب الدول والبلدان المهددة بانهيار الأسواق المالية في العالم ، وعالجت بعضا من مظاهر هذه الأزمة بقمع كل تظاهرة تجوب الشوارع احتجاجا على مثل هكذا وضع .
وحين أرادت نفس الحكومة أن تنفس على المواطنين جزءا من كربهم استنجدت بمطربي وفناني الخارج قبل الداخل ليعينوها على هذا المعروف ، وهكذا تقرر تنظيم مهرجان موازين بميزانية لا يعلم مثقالها إلا الذين وافقوا على جعل زمان ومكان المهرجان أياما قليلة فقط قبل انطلاق الإمتحانات الدراسية وقرب الساحات المتاخمة للجامعات والثانويات ، فكان ما كان من هدر للأرواح وإهدار للمال العام وتضييع لجهود الطلبة والتلاميذ وضحك على الذقون بلغ من المدى مبلغا قلبت معه الموازين بتحميل الضحايا مسؤولية ما جرى وما وقع .
وها هي ذي حمى الإنتخابات البلدية المزمع إجراؤها في الثاني عشر من هذا الشهر قد بدأت بقلب الموازين لتؤكد صحة ما نقول عن هذا البلد ، فحزب الأصالة والمعاصرة الذي قلب موازين الأحزاب المغربية وسلبها العديد من أعضائها وأبنائها لمجرد أن مؤسسه الفعلي وزير سابق في الداخلية وصديق حالي للملك ، قرر سحب مساندته للأغلبية الحكومية الحالية والتموقع من الآن فصاعدا في موقع المعارضة ، والسبب يرجع إلى تسجيل أتباع الهمة لجملة من " المواقف السلبية لعدد من أعضاء الجهاز التنفيذي اتجاه برلمانيي الحزب وتسخير العمل الحكومي لخدمة مصالح حزبية معينة دون غيرها" ، مما يؤكد وبالواضح الملموس أن قلب الموازين في بلد المغرب وفي أي لحظة أمر جاري به العمل ، وأن الإنتقال من المعارضة إلى الحكم أو العكس أمور لا تتعلق باحترام إرادة الشعب ومصالحه وإنما ترتبط بالدرجة الأولى بمصلحة مرشحي هذا الحزب وانتفاع ذاك الحزب.
عديدة هي الموازين التي انقلبت في هذا البلد السعيد ، وبانقلابها تشكلت مفارقات كبيرة وتكونت متناقضات كثيرة وتحولت مفاهيم عدة ، فالوعد أمسى وعيدا ، والسياسة تخلت عن نبلها لتلتصق بالإستغلال والإستهتار والزبونية والوصولية ، والسياسيون فقدوا خرائط المستقبل ورسموا لأنفسهم حدودا عنوانها الشتم والسب والقذف والتسفيه ومحاولات الإغتناء من هنا وهناك ، والإنتخابات فقدت مصداقيتها كما فقدت تفاعل الجماهير معها بسبب التدخلات الفوقية وما يرافق ذلك من فساد علني وآخر مستور ، والعدل تحول إلى أباطيل لا تبقي للشرفاء عقلا ولا للنبلاء شرفا ، والحرية انقلبت إلى سجن ، والسجن أصبح مدرسة لتعلم فنون الإجرام ، والإجرام أضحى مهنة من لا حرفة له ، والجلاد تحول إلى ضحية ، والضحية لبس ثوب الجلاد ، وما خفي أعظم من كل عرض .
حين تنقلب الموازين ، تتحول الآمال إلى آلام ، وينقلب الأخضر إلى يابس ، ويصبح سوء التخطيط دافعا قويا لتخطيط السوء ، لذلك لا نفتأ نؤكد بأن ما يعيشه المغرب حاليا ما هو إلا أزمة تلوح بأفق أسود مظلم وقد حان الوقت لإيجاد حلول لها ، ولن يتأتى ذلك إلا بفتح حوار وطني تشارك فيه كل الأطياف السياسية والفكرية والمجتمعية ، وتناقش فيه جل القضايا الوطنية ، ويتفق فيه على ما يعود بالأمن والأمان والرخاء والإزدهاروالتقدم لهذا الوطن الذي أعيته الحماقات وأنهكته كثرة الموازين المقلوبة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.