يبدو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية باتت مقتنعة بأهمية تصفية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وحث الأطراف المتعنتة على تقديم تنازلات تفضي إلى طي هذا الملف على أسس واقعية ومقبولة وسلمية، بعيدا عن منطق "إذكاء الصراع" وصب الزيت على النار التي تنتهجها هذه الأطراف التي تراهن على استمراره. مناسبة هذا القول هي تأكيد السفيرة الأمريكية في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، في حوار أجرته معها وسائل إعلام جزائرية، أن "النزاع في الصحراء طال أمده بما يكفي"، وهو ما اعتبره متتبعون تعبيرا عن "استياء أمريكي" واضح من طول أمد هذا الصراع وانسداد أفق الحل السياسي، خاصة مع ما يشكله من تهديد لمصالح واشنطن وحلفائها في منطقتي شمال إفريقيا والساحل، علما أن الأخيرة تعيش على وقع وضعية أمنية وجيو-سياسية مقلقة للغاية للعديد من الفاعلين في الساحة الدولية. تصريحات الدبلوماسية الأمريكية سبقتها تحركات مكثفة للمسؤولين الأمريكيين، آخرها زيارة جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إلى الجزائر لبحث حل "دائم لهذا النزاع دون مزيد من التأخير"، في إطار استراتيجية الإدارة الأمريكية التي حافظت على موقف سابقتها بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء، من أجل حث قصر المرادية على التفاعل في هذا الملف والقطع مع سياسته بأن الجزائر "ليست طرفا في هذا الملف" رغم تأكيد قرارات مجلس الأمن خلاف ذلك. ضرورة استراتيجية وضمانات مغربية البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن "تصريحات السفيرة الأمريكية في الجزائر للصحافة الجزائرية يندرج في إطار المواقف الدائمة والثابتة للولايات المتحدةالأمريكية من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، المرتكزة على دعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية باعتبارها المدخل الوحيد لضمان الاستقرار والأمن الإقليمي في منطقة جغرافية تعج بالمخاطر والأزمات، مع ما يعني ذلك من تهديد للمصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة". وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن "استمرار هذا النزاع المفتعل يؤثر بشكل كبير على التوازنات الإقليمية ويهدد الاستقرار في القارة الإفريقية، بالنظر إلى امتدادات ميليشيا البوليساريو الانفصالية وعلاقاتها المتشعبة مع الجماعات الإرهابية ومنظمات الجريمة العابرة للقارات في الساحل والصحراء الإفريقية الكبرى في ظل التحديات الجيو-سياسية التي تواجه العالم". وشدد المتحدث على أن "إنهاء هذا الصراع المفتعل بات ضرورة استراتيجية أمريكية ملحة، وهذا ما تترجمه التحركات الأمريكية الأخيرة في هذا الإطار، إذ إن إيجاد تسوية واقعية لهذا النزاع يندرج في إطار الاستراتيجية الأمريكية لتصفير المشاكل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن تصفية هذا النزاع بشكل متفاوض عليه تحت السيادة المغربية، بات كذلك مطلبا ملحا لكل مراكز التفكير الاستراتيجي التي تنظر إليه كأحد التهديدات الكبرى للسلام العالمي". وخلص الخبير في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر إلى أن "المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية، ستافان ديميستورا، لديه كل الضمانات من جهة المغرب لدعم جهوده من أجل التوصل إلى حل نهائي وتفاوضي وسلمي تحت السيادة المغربية، وفق قرارات مجلس الأمن المحددة للأطراف المعنية بالنزاع، دون السعي إلى إشراك أطراف أخرى لا علاقة لها بالموضوع شكلا ومضمونا". مواقف ثابتة وضغوط أمريكية أوضح إسماعيل أكنكو، باحث في القانون العام والعلوم السياسية، أن "تصريح سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالجزائر، يمكن قراءته من زوايا عدة؛ أولاها أن "واشنطن تحاول مسايرة التوجه الجزائري ظاهريا من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المنطقة، لا سيما أن الجزائر محسوبة على المعسكر الذي تتزعمه روسيا ووجهتها المفضلة لتسويق بضاعتها من الصناعات الحربية والأسلحة. وبالتالي، فإن أمريكا تنطلق من هذا الأساس لتزاحم الروس في هذه السوق الخصبة، فضلا عن الحفاظ على أمنها القومي من الإرهاب الذي تعشعش جماعاته في الجنوب الجزائري والساحل الإفريقي عامة". أما الزاوية الثانية، فتتمثل، بحسب الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، في حديث مع هسبريس، في "توجه الولاياتالمتحدةالأمريكية نحو فرض حل سياسي واقعي ومستدام من خلال الضغط على الجزائر للقبول بالمقترح المغربي للحكم الذاتي، مع بعض الإضافات التي يمكن أن تغني المقترح ويحظى بموافقة الجزائر". وأوضح المتحدث أن "الموقف الأمريكي القاضي باعتراف واشطن بسيادة المغرب على الصحراء لم يتغير مع تغير الإدارة الأمريكية، ولم يتقادم بأي موقف مضاد، وهو ما يفسر القناعة الحاصلة لدى الجانب الأمريكي الذي يعتبر أن مصلحته لتأكيد وتعزيز حضوره في إفريقيا، خاصة مع الإمكانيات الواعدة في الفضاء الأطلسي، لا يمكن أن يتم إلا عبر الحفاظ على الموقف المساند لمقترح المغرب ودعم سيادته على الصحراء، واستحضار ما يتميز به من استقرار أمني وسياسي ومناخ ملائم للاستثمار والشراكة الاقتصادية، وفي ذلك حفاظ على المصلحة القومية الأمريكية". وخلص أكنكو إلى أن "أمريكا تمتلك من الإمكانيات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية ما يؤهلها للضغط على الجزائر من أجل قبول الحل السياسي بغية تصفية نزاع الصحراء، وفي مقدمة ذلك خلق شراكة اقتصادية مع الجزائر، وتعبئة الإمكانات الأمريكية للاستثمار فيها، فضلا عن الضغط السياسي الذي يكون من ورائه الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي حمل الجزائر على قبول العودة إلى المفاوضات وإرساء حل سياسي عملي وواقعي تجاوزا لحالة وطابع الجمود في هذا الملف".