كان لافتا في بلاغ وزارة الخارجية الأمريكية المكلفة بشؤون الشرق الأدنى "تجديد دعم واشنطن للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية"، تزامنا مع وصول جوشوا هاريس، نائب مساعد بلينكن إلى الرباط. الجولة الثانية لهاريس في المنطقة حرصت مرة أخرى على تضمين عبارة "الدفع بإنهاء النزاع المفتعل دون مزيد من التأخير"، والتي يبدو أن واشنطن من خلالها تحمل مقترح الحكم الذاتي كوسيلة لإقناع الطرف الجزائري بها. تجديد دعم الحكم الذاتي في سياق وصول هاريس إلى الرباط، وفق مراقبين، "تشديد على أهمية الحل الأكثر واقعية في الملف في ظل التصعيد المسلح التي تشنه جبهة البوليساريو في المنطقة، الأخيرة التي تحتاج إلى حل مقبول واقعيا يساهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين"؛ غير أن قراءة بيان الخارجية الأمريكية تطرح مرة أخرى النقاش القديم-الجديد حول موقف إدارة بايدن من اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، والتي تشدد على "عدم تغير موقف أمريكا الواضح والمتسق". هذا الموقف شرحه البلاغ ذاته كون أن "واشنطن تدعم بالكامل جهود دي ميستورا، المبعوث الأممي في ملف الصحراء، وترغب في حل متوافق عليه بين الطرفين. كما تعتقد أمريكا ضرورة وجود حل سياسي تفاوضي دون مزيد من التأخير، باعتبار أن نتائج المفاوضات التي تقودها الأممالمتحدة والتي اتفق عليها الطرفان وتعكس التزامهما بجهود الأممالمتحدة بروح من الواقعية والتوفيق ستشكل الحل النهائي لهذه القضية". وتأتي زيارة هاريس إلى المغرب والجزائر في ظل تحرك أممي وأمريكي مكثف حول الملف، إذ انتهى صباح اليوم اجتماع ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى الصحراء، وخوسيه إيمانويل ألباريس، وزير الخارجية الإسباني، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. توجه أمريكي لإقرار الحكم الذاتي في هذا الصدد، أفاد هشام معتضد، خبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية، بأن "الدعم الأمريكي للحكم الذاتي ينبثق من التوجه السياسي للإدارة الأمريكية بخصوص سياستها الخارجية في المنطقة، والتي تأخذ من دعم الرباط الاستراتيجي أهم محاورها الأساسية للحفاظ على مصالحها وأمنها القومي". وبيّن معتضد لهسبريس أن "واشنطن ملتزمة لمجلس الأمن والجمعية العامة بالأممالمتحدة بالعمل على الدفع بالعملية السياسية بخصوص هذا النزاع المفتعل إلى حل نهائي يحترم تاريخ المنطقة، ويصون ذاكرة جغرافيتها، بعيدا عن تزيف الحقائق أو الاستغلال السياسي". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "ضغط الولاياتالمتحدةالأمريكية على النظام الجزائري بالانخراط المسؤول لإنهاء هذا الصراع وإقناعه بعدم المجازفة السياسية بالاستمرار في تضليل رأيه العام الداخلي بحيثيات هذا الصراع والتمادي في محاولة تمويه المنتظم الدولي دليل على عزم المسؤولين الأمريكيين على حسم هذا النزاع داخل إطار الحكم الذاتي دون إضاعة المزيد من الوقت، خاصة أن المنطقة أصبحت تشكل منصة خصبة للتهديدات الحقيقية للمصالح الأمريكية وتدبير توجهات المنظم الدولي الجيوسياسية". "العديد من التقارير تشير إلى أن النظام في الجزائر والقيادة في البوليساريو مقتنعان بأن حسم هذا النزاع لصالح رؤية الحكم الذاتي هو مسألة وقت، تماشيا مع توجهات المنتظم الدولي وصونا للحقوق التاريخية في المنطقة؛ إلا أن المؤسسة العسكرية في الجزائر والمسؤولين في البوليساريو يسعون إلى ربح المزيد من الوقت لما يشكله هذا النزاع من بورصة استثمار للاسترزاق المالي وورقة ضغط للتداول السياسي من أجل بعثرة الأوراق في المنطقة"، أورد معتضد. وخلص المحلل السياسي ذاته إلى أن "المنتظم الدولي، بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ما زال يفضل المقاربة الدبلوماسية في الضغط على النظام الجزائري من أجل تحمل مسؤوليته السياسية والانخراط في إنهاء هذا الصراع. لذلك، فتحركات المسؤولين الأمريكيين المكوكية في المنطقة هي فرصة سياسية ودبلوماسية إضافية للحكام الجزائريين من أجل اختيارهم لمخرج يتيح لهم اتخاذ موقف سياسي يحترم التاريخ وتوجهات المنتظم الدولي دون فتح مرحلة ما بعد المقاربة السياسية". المصالح فقط والاعتراف بمغربية الصحراء معلق من جانبه، قال مصطفى غرين، خبير في العلاقات الدولية، إن "ما يهم الولاياتالمتحدة ليس حل النزاع في الصحراء المغربية وإنما تهمها حصريا مصالحها الجيوسياسية في المنطقة". وأضاف غرين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن واشنطن تحتاج إلى حرب في المنطقة من أجل الركوب عليها للدخول في مواجهة مع روسيا، التي انتشر نفوذها بمعية الصين كبقعة الزيت مؤخرا". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "زيارة هاريس لا ينتظر منها تغيير شيء في الوضع القائم، إذا لم تزده سوءا"، مبينا بذلك أنه "لا يوجد منتظم دولي يمكن التعويل عليه في الظروف الحالية التي تشهد انقساما وتقاطعا حادين بسبب عدد بؤر النزاع بين الشرق والغرب". وخلص المحلل السياسي ذاته إلى أنه "فيما يتعلق بقرار ترامب هو عمليا معلق، باعتبار أن الإدارة الحالية لم يسبق أن أشارت إلى وجوده لا سلبا ولا إيجابا، وتتصرف كأنه غير موجود، لاعتبارات سياسية داخلية وحسابات خارجية ترمي إلى استمرار الضغط على المغرب في سياق علاقته مع إسرائيل"، وفق تعبيره.