لا جديد على مستوى الأطروحة السياسية لجبهة البوليساريو في غضون الزيارة التي يقوم بها المبعوث الأممي دي ميستورا لمخيمات تندوف، بعدما تشبثت "القيادات الانفصالية" بنفس تصورات الماضي وتكرار سيناريو "تقرير المصير" رغم المتغيرات الدولية العديدة. وستستمر زيارة المبعوث الأممي للمخيمات يومين، يتباحث خلالهما العملية السياسية مع أطراف عديدة، لكن محمد عمر، أحد مسؤولي "العلاقات الخارجية للبوليساريو"، أغلق أطروحات الجبهة على لازمة "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال"، بتعبيره. ورغم تقلص دعم الطرح الانفصالي على مستوى الفضاء الأوروبي، فإن البوليساريو اختارت مزيدا من التصعيد مع الأوروبيين بحديثها أمام دي ميستورا عن كون إسبانيا لا يمكنها أن تساهم ب"شكل إيجابي" في عملية السلام ب"التحالف مع موقف المغرب"، في إشارة إلى دعم مدريد مخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية. ويجد المبعوث الأممي صعوبات جمة في تدبير الملف، خصوصا بسبب جمود "طرج البوليساريو" وبقائه حبيس منطق "تقرير المصير"، رغم التحركات الدبلوماسية الداعمة لحل الحكم الذاتي على مستوى كبريات عواصم الدول، وفي مقدمتها واشنطنومدريد وبرلين. وإضافة إلى معطى الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي، تشكل "البيانات الحربية" الوهمية، التي تطلقها جبهة البوليساريو على امتداد الفترات الماضية، تهديدا لأي عملية سياسية في المنطقة يقودها المبعوث الأممي، خصوصا أن جبهة البوليساريو أعلنت "وقف العمل باتفاق إطلاق النار"، حسب المسؤولين عن التنظيم الانفصالي المستقرين بالجزائر. هشام معتضد، الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، قال إن لقاءات دي ميستورا مع جبهة البوليساريو لن تغير شيئاً في مسار التسوية وقضية الصحراء المغربية مادام الإطار الإيديولوجي الذي يهيمن على الرؤية السياسية لقيادة الجبهة هو الطرح الانفصالي غير الممكن واقعيا، والبعيد جداً عن الأمر الواقع المرتبط بملف الصحراء المغربية. وأضاف أن هذا التشبث الفكري بمنظور الانفصال والتقوقع الإيديولوجي، المرتبط برؤية مخالفة للتطورات الميدانية والحقوق التاريخية للصحراء، يجعل لقاءات البوليساريو مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء هشة وغير مسؤولة ولا تسمح لبناء تقدم ملموس وجاد وواقعي في مسار التسوية السياسية لهذا الملف. وسجل المتحدث ذاته أن احتفاظ الجبهة بنفس الطرح الانفصالي، في سياق تغيير دول عديدة مواقفها تجاه قضية الصحراء المغربية، يبرهن مرة أخرى محدودية التوجه السياسي لقيادة البوليساريو، وعدم استعدادها لمسايرة التطورات الجيواستراتيجية لهذا الملف. وأشار إلى أن الملف يسير نحو إجماع دولي ودعم عالمي لمغربية الصحراء، خاصة أن المغرب قدم مقترح الحكم الذاتي، الذي أظهر للمنتظم الدولي روح المسؤولية السياسية والشجاعة الدبلوماسية التي تتحلى بها الرباط. وأردف أن التعنت السياسي الذي تتشبث به قيادة الجبهة، والذي يحرف مجرى التاريخ السياسي لقضية الصحراء، بالإضافة إلى تنفيذها أجندة خارجية تهدد الاستقرار الأمني للمنطقة، سيدفع بها إلى الانتحار السياسي بعد ضعف رصيدها وقيمتها في مختلف المنصات التي تختلقها للترويج لقضيتها الوهمية. وتابع معتضد قائلا: "دي ميستورا سيسعى خلال زيارته إلى جس نبض قيادة الجبهة، وإعطاء فرصة أخرى للبوليساريو من أجل الاستيقاظ السياسي والانخراط المسؤول في إيجاد حل نهائي لهذا الملف، بعيدا عن الهلوسات الدبلوماسية التي تبعدها عن الواقع السياسي الدولي والحقائق التاريخية في المنطقة".