لا يبدو أن إدارة بايدن مستعدة للذهاب إلى الانتخابات المقبلة سنة 2024 دون تحقيق تقدم كبير في أعقد الملفات العالمية، وهو ملف الصحراء المغربية، إذ يبدأ جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، جولة جديدة إلى الجزائر والمغرب لبحث حلول للنزاع "دون مزيد من التأخير". المحطة الأولى للدبلوماسي الأمريكي هي الجزائر، في تجسيد آخر للدور المركزي الذي يلعبه قصر المرادية في النزاع، رغم محاولات الجارة الشرقية التنصل من مسؤولية رعاية تنظيم البوليساريو، وتهديد السلم والأمن بالمنطقة. ولم يكن بلاغ وزارة الخارجية الأمريكية المكلفة بشؤون الشرق الأدنى عاديا كسابقيه، إذ كانت عبارة "تحقيق حل دائم وكريم دون مزيد من التأخير" كافية للكشف عن جهود أمريكية غير مسبوقة في الملف، تطمح بها إدارة بايدين إلى طي الخلاف بعد تأكد وجود إخفاقات في الشرق الأوسط عنوانها "انهيار الثقة في اتفاقات أبراهام بين تل أبيب والدول العربية" جراء الحرب في غزة. ويبدو أن واشنطن، التي واصلت التأكيد على توجهها الواضح في هذا الملف، وهو "دعم مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية"، تسعى إلى تقديم هذا التوجه للطرف الأساس في النزاع، وهو الجزائر، التي لزمت الصمت منذ قرار مجلس الأمن في توجه يحمل الكثير من الأسئلة. ولعل هاته الزيارة ضغط أمريكي آخر على الجزائر من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، التي تدعو بالأساس إلى ضرورة عودة قصر المرادية إلى طاولة المفاوضات من جديد. وستكون المحطة الثانية لهاريس هي العاصمة المغربية الرباط، وفق البلاغ سالف الذكر لوزارة الخارجية الأمريكية المكلفة بشؤون الشرق الأدنى، على منصة "إكس". ويقول هشام معتضد، خبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، إن "الزيارة تأتي في إطار التحركات الدبلوماسية للإدارة الأمريكية في المنطقة من أجل البحث عن مخرجات واقعية وملموسة للنزاع المفتعل في الصحراء، وذلك تجنبا لأي تصعيد سياسي وعسكري قد يعصف بالمصالح الأمريكية إقليميا، ويدخل المنطقة في ارتدادات غير مضبوطة أمنيا ومؤسساتيا". ويضيف معتضد لهسبريس أن "هذا التنقل للمسؤولة الأمريكية يشكل ضغطا إضافيا على النظام الجزائري من أجل تحمل مسؤوليته السياسية والتاريخية في ملف الصحراء، خاصة أن مجلس الأمن والمنتظم الدولي يشيران إلى تهرب الجزائر من انخراطها في إنجاح مسلسل التسوية السياسية للملف، بحيث تعمل على عرقلة أي تقدم إيجابي يقود إلى إنهاء هذا النزاع". واعتبر المتحدث عينه أن "الإدارة الأمريكية ملتزمة أمام مجلس الأمن بأن تضغط سياسيا على الأطراف غير المتعاونة في إيجاد مخرجات تقود إلى التصفية النهائية لملف الصحراء؛ كما أن المسؤولين السياسيين في الولاياتالمتحدة الأميركية برمجوا العديد من الزيارات للمنطقة من أجل الضغط، خاصة على النظام العسكري الجزائري الذي أشارت تقارير عديدة إلى دعمه سياق 'اللاحل' من منطلق حسابات عسكرية تخدم مصالحه السياسية". ويشير الخبير في العلاقات الدولية إلى أن "واشنطن قدمت وعدا سياسيا ودبلوماسيا للرباط من أجل انخراط إستراتيجي مسؤول وجدي للدفع بمسلسل التسوية السياسي لهذا النزاع المفتعل لإيجاد حل قابل للتطبيق، ويحترم الحقوق التاريخية والسيادة الوطنية للمغرب؛ وهذه الزيارة حلقة من حلقات الحركية الأمريكية من أجل خلق السياق السياسي المناسب لإنزال خطة طريق قابلة للتطبيق لإغلاق هذا النزاع الإقليمي". ويخلص معتضد إلى أن "هذه الزيارة تترجم رغبة واشنطن في التصفية النهائية لملف الصحراء، خاصة أن التطورات الإقليمية والديناميكية الدولية ليس في صالحها إشعال المنطقة عسكريًا، وفتح جبهة جديدة للمواجهات العسكرية في المنطقة، ما سيسمح بخلق منصة أخرى لتفريخ الإرهاب الدولي وتكثيف نشاط العصابات الإجرامية العابرة للقارات". من جانبها تسجل شريفة لموير، محللة سياسية، أنه "لا يمكن إنكار الدور المهم الذي قد تلعبه هاته الوساطة الامريكية في حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية؛ كما هو غير خفي أن الجزائر تتحمل ثقلا مهما في هذا النزاع بدعمها عصابة البوليساريو، رغم ادعائها العكس". وتورد لموير لهسبريس أن "زيارة هاريس تأتي تحت غطاء مساعدة المبعوث الأممي، وكذلك بمثابة جس نبض الأطراف المعنية، والأهم التفاعل الذي ينتظر من الجزائر في العملية السياسية". وتبين المحللة السياسية عينها أن "هاته الزيارة اليوم تأتي من أجل تنزيل حل عادل وواقعي لقضية الصحراء تماشيا مع قرارات مجلس الأمن المرتبطة بالموضوع"، ومضت شارحة: "وساطة الجانب الأمريكي تتجلى من خلال الجدية في الوصول إلى حل واقعي لهذا النزاع المفتعل، لذلك وفي ظل تعنت الجانب الجزائري ومواصلة إنكاره مسؤوليته في هذا النزاع من المرجح أن تغير آليات الوساطة الأمريكية في هذا الموضوع". وتشدد لموير على أن "إرغام الجزائر على التعاطي مع هذا النزاع بشكل واقعي من شأنه أن يخلق خطوة جد هامة في القضية الوطنية، وهذا النزاع الذي عمر طويلا بفعل التدخل الجزائري في الموضوع ودوره في تأجيجه".