لمْ يكتفِ حزب الاستقلال بخوْض معارك سياسية حول الوضع الراهن مع حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، بلْ ذهبَ إلى إعداد دراسة استشرافية لتحوّلات المشهد السياسي، خلال العشر سنوات القادمة، في إطار احتفالات الحزب بالذكرى الثمانين لتأسيسه. خلال الندوة التي نظمها الحزب، مساء الجمعة بالرباط، قال حسان بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنّ التنبّؤ بما ستحمله السنوات القادمة أمر غير ممكن، لأنّ الصيرورة الإنسانية علّمت أنّه من الصعب التحكّم في صيرورة التاريخ، غير أنّه استدرك أنّ هذا لا يعني أن يظلّ المغرب مكتوف الأيدي. بوقنطار، قال في مداخلته خلال الندوة إنّ المغرب يعيش إلى جانب جاريْن، أحدهما يتيح الفرص، وتمثّله إسبانيا بامتدادها الأوربي، وجوار آخر لا يُطرح فقط كتحدٍّ للمغرب، بل يمكن أن يشكل تهديدا، وتمثّله الجزائر، في ظلّ "الزوابع التي تتسم بها منطقة الساحل الصحراوي". وإن كانت إسبانيا تمنح فرصا للمغرب، إلّا أن علاقة المغرب بها، يقول بوقنطار، تكتنفها عدّة تحدّيات، منها ما يتعلّق بالثغور المحتلّة، مثل الجزر الجعفرية ومدينتي سبتة ومليلية، وهو ما يستدعي، يضيف المتحدّث، طرح سؤال ماذا أعدّ المغرب من استراتيجيات مستقبلية لمواجهة هذه التحدّيات. بوقنطار قال إنّ المغرب سيواجه تحدّيات أخرى، على صعيد علاقاته مع الاتحاد الأوربي، ومنها مشكل الهجرة، في ظلّ الضغط الأوربي بتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين غير السرّيين، من أوربا، نحو بلدانهم الأصلية، وهو ما ستتمخّض عنه مشاكل إنسانية ستؤثّر على المغرب. أمّا التحدّي الآخر، فيتمثّل في الضغوط التي يمارسها الاتحاد الأوربي على المغرب، من أجل تحسين مؤشّر الحكامة، وحقوق الإنسان، "فرغم انحسار دور أوربا على الصعيد العالمي، إلّا أنّها تظلّ حيوية بالنسبة للمغرب، لذلك فإنّ التحدّي الأكبر الذي على المغرب أن يتجاوزه، للخروج من هذه الدوامة، هو مباشرة إصلاحات عميقة"، يقول بوقنطار. أمّا علاقة المغرب بالجار الثاني، الشرقيّ، فيرى أستاذ العلاقات الدوليّة أنّها مشوبة بكثير من التحدّيات المستقبلية، والتي يمكن أن تصل إلى درجة التهديد، في ظلّ تأرجح منطقة المغرب الكبير بين الاستقرار واللا استقرار، مضيفا أنّ فكرة بناء المغرب الكبير تبتعد، لكون مجموعة من دول المنطقة لم تعد مرتبطة ببناء الاتحاد، في ظلّ بحثها عن بناء الدولة داخليا. فالجزائر، يضيف المتحدّث، تعيش مخاضا صعبا بسبب الوضع الصحّي للرئيس بوتفليقة، والانتخابات القادمة، وليبيا أصبحت من الدول التي تعيش وضعية صعبة، أمام غياب مؤسسات الدولة القادرة على ضمان الاستقرار، فيما تواجه كل من موريتانيا وتونس صعوبات. وعمّا يجب على المغرب القيام به لتجاوز هذه التحدّيات، قال بوقنطار، إنّ السبيل الوحيد هو مواصلة القيام بإصلاحات عميقة، التي تكمن فيها قوّته، ولكونها الضامن للاستقرار، وذلك من خلال استقلال الفاعلين السياسيين، وإقرار تنافسية سياسية، مبنية على أساس التشارك. وفيما يتعلق بقضية الصحراء، قال بوقنطار إنّ على المغرب أنْ يعتمد سياسة عمومية في تدبير ملف الوحدة الترابية، من طرف جميع الفاعلين، وتأهيل الجهاز الدبلوماسي، والسعي إلى العودة إلى الاتحاد الإفريقي، باعتباره آلية من آليات تحديد السياسيات الإفريقية، والدفع بحلفاء المغرب داخل الاتحاد إلى ألّا يبقى موقفهم محايدا، بل إلى تجميد عضوية "الجمهورية الصحراوية". من جانبه قال عادل الموساوي، الباحث في العلاقات المغربية- الإفريقية، والأستاذ بجامعة محمد الخامس، إنّ المغرب تواجهه عدّة تحديّات على الصعيد الإفريقي، في ظلّ ظهور قوى إقليمية لم تعد تخفي سعيها إلى الزعامة، مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا، داعيا إلى تفعيل الدبلوماسية الموزاية، والتدبير العقلاني للمشاكل العابرة للحدود، مثل الهجرة والجريمة المنظمة. وفي المجال الاقتصادي، دعا الزهير سعيد، إلى ضرورة انفتاح المغرب على الأسواق الصاعدة، خصوصا السوق الآسيوية، قائلا إنّ الانفتاح على السوق الآسيوية أمر حتميّ، لكونها تزداد غنى، "صحيح أنّ أوربا غنيّة، لكنّ الانفتاح يجب أن ينصبّ على الأسواق التي تزداد غنى، وعلى رأسها السوق الآسيوية، إذْ أنّ واردات الصين لوحدها ارتفعت بنسبة 117 في المائة، فيما لم تتعدّ نسبة ارتفاع واردات السوق الأوربية ما بين سنتي 2005 و 2010 سوى بنسبة 17 في المائة"، يقول المتحدث، مضيفا أنّ مشكل الدول العربية الأكبر هو أنها لا تقوم بدراسات استشرافية للمستقبل. بدوره قال الوزير السابق فؤاد الدويري، إنّ المغرب منفتح على أربع كتل اقتصادية، هي الكتلة الإفريقية، خاصة إفريقيا الغربية، والأوربية، والخليجية، مستبعدا أن تصير منطقة المغرب العربي منطقة اقتصادية موحّدة، في ظل الخلافات السياسة القائمة بين المغرب والجزائر، بسبب نزاع الصحراء. كما أشار الوزير السابق في مداخلته إلى إنّ نجاح المغرب، اقتصاديا، رهين بتطوير خبرة الموارد البشرية العاملة في القطاع العمومي، وتشجيع الأطر على ولوج القطاع العمومي.