تخليد الذكرى ال69 لعودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    تقرير إسباني يكشف مفاجأة بشأن اعتراف الصين بمغربية الصحراء    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مأساة جديدة في إسبانيا.. حريق يودي بحياة عشرة نزلاء في دار للمسنين    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    المغرب يترقب اللحظة المواتية لخروج الخزينة إلى السوق الدولية        مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    الرباط.. اختتام أشغال مؤتمر دولي حول الزراعة البيولوجية والإيكولوجية    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    "كوباك" تدعم التلاميذ ب "حليب المدرسة"    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025            التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    النيابة العامة وتطبيق القانون    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين شرف الإختلاف وشهامة الإئتلاف
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2014


في مصارحة الأستاذ حسن بويخف
سعدت غاية السعادة بمبادرتكم السيد حسن بويخف لنقل جزء مما نختلف حوله إلى النقاش العمومي وذلك على هامش ردكم على مقال سابق لي، بصرف النظر عن تقيماتكم السلبية ودون خوض في تصنيفاتكم القدحية وإبعادكم لما كتبناه عن صنف الرأي والفكر أو تقولي ما لم أقله، واستنتاج ما لا تحمله عباراتي الواضحة بخصوص ما زعمتم أنني اتهمتكم به من اتهامات، والقيام بتأويل بعضها على أنه إخراج لكم من دائرة النبل والأصالة في معرض تنويهي بموقف إخوة آخرين خالفوا مسلككم في الظرفية العصيبة التي مر بها المستهدف في حياته، وأحسب أنكم لستم بأغير منهم على القضية الأمازيغية ولا على أشراف الأمازيغ.
ولن أتهمكم أنكم بتوجيهكم النقاش في هذا المنحى قد سقطتم في البحث عن سلاح المظلومية لا سيما بعد أن شهرتم ألقابا وصفات تنظيمية وحركية لم تحضر بأي صيغة من الصيغ في المقال وذلك لكي تعطوا لمظلوميتكم طابعا ادراماتيكيا.
لكن لضحض تأويلاتكم يكفيي ما أوردتموه من مقتطفات من مقالي والتي تكشف حاجتكم إلى كثير من التعسف لكي تثبت ما زعمتم.
وحتى أقطع الطريق على هذا المنحى في السجال، أبادر وأقطع ظنكم باليقين أنه لا يمكن أن يخطر ببالي ما خالجكم من مشاعر، وما ذهبتم إليه من ظنون وأنتم تعرفون أنني في غنى عن البحث عن أي تبرئة لو كان ذلك من قناعتي، لكن الأهم من كل ذلك أنكم لم تغيروا من هذه القناعة في الموضوع الذي أدليت برأيي فيه .
وبكل الأحوال ليس بهذه الدفوعات يمكن أن تردوا عن نقدي المباشر لمسلكياتكم من موقع انحيازكم الجمعوي .
بين النبل والإنصاف
نعم أقر أنكم لم تكونوا من المنصفين وما زلتم مصرين على عدم إنصافكم، ببحثكم عن التموقع في المنتصف بين ضحية حتى وإن أخطأ من غير قصد، وجلاد يحرض على القتل وعلى الاغتصاب، مع ما تعرفونه من سرائر الرجل ودواخله وبعده عن تهمة العنصرية وما دونها لكن أخوف ما أخاف منه هو أن يختلط علينا دون أن نقصد الترتيب والأسبقية بين آصرة الأخوة في الدم وآصرة الأخوة في الدين .
بدون شك أنكم أخي حسن أعلم الناس بنزاهة أبي زيد في أن يعمد إلى إداية أي كان، في شخصه أو ملاءته أو هيئته بله أن يؤذي أخا له، لكن وما زلت لم أفهم كيف تشهر سلاح التأذي في وجه كل من يخالفكم أو ينتقد هذا المسلك الذي لم يكن معهودا فيكم أو على الأقل لم نعرفه عنكم .
نعم أعيب عنكم وعن باقي إخواني ممن أخطأوا بشرعنة التأويلات المغرضة لإيراد غير موفق لنكتة معروفة ومرفوضة، قبل أربع سنوات، وفي سياق لا يمكن أن يوحي بما حملت في السياق الحالي، لتحريكها من الجهة المعلومة التي تملك الأرشيف وتتقن كيفية استخدامه في السياق الذي يسعفها لنصب الأكمنة لمن تريد وفي حق من حان وقت طلب رأسه.
نعم أعاتبكم وأعاتب باقي إخواني ممن سلكوا نفس مسلككم لأنكم حتى وإن كتبتم ما كتبتم مدفوعين بما زعمتم من تأذيكم في شخصكم قبل أن يتعرض إلى ما تعرض إليه هو وأسرته، فإنكم لم تبادروا بواسطة الكتابة بما يعيد إليه اعتباره، ما خلا من كتابات تضعه هو وهؤلاء الموتورين في كفة واحدة من حيث الحيز المخصص وأخذ نفس المسافة بين الضحية وجلاده.
نعم أعبت عنكم وما زلت بسبب "همستكم" ومقالاتكم التي قد يكون لوقعها على نفسية أبو زيد أشد من وقع التهديدات والكلام النابي في حقه وحق ابنته، وذلك إذا جارينا مسلككم الفريد في التأويل والقراءة حسب شعور المتلقي لا حسب مقصد المتكلم، نظرا لموقعكم منه ودرايتكم به والذي لم يمنعكم مع الأسف من الإنسياق وراء المخطط الإعلامي وترتيب نفس النتائج عمليا رغم الفارق في درجة الإدانة وليس في نوعيتها إزاء قول لم تكتمل كل عناصر الطبيعة الجرمية فيه لإنعدام القصد الجنائي ولكونه احتاط لنفسه في ذات العبارة التي انزلقت من لسانه.
المبادئ والأخلاق والمقاربة الدعوية كل لا يتجزا
عجيب أمركم أخي حسن أنكم في هذه الواقعة على الأقل، لا تستدعون الأخلاق ومبادئ الإسلام العظيمة والمرجعية الإسلامية إلا فيما يسعف استنتاجاتكم ويعضد رأيكم ولا أقول بيانكم ولا صك اتهامكم لأنه عندي رأي محترم مهما اختلفت معه أو مع منطقه.
لذلك فالتوضيح الذي طالبتموني به من وجهة نظر فكرية وأخلاقية وبمقاربة دعوية، يقتضي التساؤل حول ما إذا كانت فضيلة الاعتذار ورفعة خلقه أقل شأنا وأدنى مرتبة من فضيلة إقالة عثرات الصالحين و"إلتماسك لأخيك سبعين عذرا" و"المسلم أخ المسلم لا يخذله ولا يسلمه" وهل يصح كما استدعيتم بعض النصوص في غير محلها أن نستدعي نصوص مقابلة لها تتعلق بكتم الشهادة والسكوت عن الحق الذي تعرفونه من موقف الرجل من العنصرية وفق منهجكم في عدم السكوت عما اعتبرتموه حقا في البناء على إيراده لتلكم النكتة المرفوضة على كل حال .
ورغم تخوفي من أن تقرأوا هذه النصوص من القفا فأصبح بمنطق هذه القراءة مخرجا لكم من دائرة الدين أو الجماعة أو تلك المقولات الجاهزة التي تنصب في حق من نريد تكميم فمه.
فهل الجرأة أخي الكريم وهل النقد هو أن تسلم الرجل للموتورين الذين رصدوا المكافأة لمن يأتي برأسه وأوغلوا في تهديد أبنته بالإغتصاب.
لأجل هذا اعتبرتكم غير منصفين بل رفعت ما صدر عنكم إلى مرتبة الظلم لأخيكم في هذه الواقعة وفي أحلك محنة مر منها المعني بالأمر، وكان أولى بكم أن تناصروه وتناصحوه بآداب النصيحة، من موقع اهتمامكم وموقعكم الجمعوي بحكم أنه لم يرتكب تلك المزاعم في حق الأمازيغ الأشراف، وفي مقام ثان وحتى لو سلمنا بما أوقعته نكتة من إذاية لشخصكم متجاوزة كل دفاعات الصبر على الأذى ومخترقة كل حصون كتم الغيظ التي نجتهد جميعا من أجل التخلق بها، فليس ما أقدمتم عليه هو الطريقة الفضلى لإبلاغ أبي زيد بتأذيكم مما صدر عنه في حق شخصكم وجبر ضرركم لما يتضمنه هذا المسلك من إدانة وتسجيل الموقف والتمايز عن الرجل بدعوة النقد والجرأة .
لقد كنت أتمنى أن يكون البيان القوي والصادق الذي صدر عن زوجته المصون وهي السوسية المعروفة قد صدر عن غيرها من الإخوة وخاصة ممن تسرعوا في مطالبته بالإعتذار قبل أن تظهر خلفيات الهجمة عليه مستخدمة الشريط المعلوم وذلك رفعا لحرج شهادة ذوي القربى لكن حسبه أن كان صادقا أيا كان مصدره.
نعم أومن بأنكم ظلمت أبا زيد وساهمتم في إذاية أسرته وكذا تياره الفكري حسب تقديري، وأدنى مراتب هذا الظلم هو أن تتمايزوا عنه وأن تنجروا في ركاب من يبحث عن إدانته والتحريض عليه وهو أمر لم تقصده بالقطع، مما جعلكم أولى بالإعتذار بمنطق مفهوم الإذاية حسب أثر الفعل لا بحسب مقصده صاحبه، لكنني لم أجرأ على مطالبتكم بالإعتذار للرجل لقاء ما ألحقتتم به وبأسرته من إذاية محققة وليست مفترضة.
في القاموس الجديد لتكميم الأفواه
أما قضية التشكيك في الغيرة على الدين وعلى فلسطين وترك الآراء والقفز إلى الأشخاص، فلا أريد مجاراتكم في هذا المنطق لأنه قد يصدق على مقالكم بأضعاف ما أولتم به مخطئين، ما عبرت عنه في نقد مسلككم وأعترف بأنكم وفقتم بشكل كبير في إغناء قاموس تكميم الأفواه وإخراس الأصوات بمصطلحات جديدة لا تختلف كثيرا عن ما يعمد إليه بعض من تنفذ حجته في النقاش مع المخالفين له في الرأي.
لكن في صلة بالغيرة يمكن أن أقول أن غيرتكم على الموضوعية في النقد في مثل هذه الفقرات يبدو أنها خانتكم أو على الأقل خانكم التعبير عنها في هذا المقام .
وفي نفس السياق وبعيدا عن صفاتي ومهامي التي لا يحق لي استخدامها في نعرض التعبير عن آرائي الشخصية، كما لا يحق لكم استدعاءها لإضفاء شرعية مفتقدة في صورة استبداد الجماعة ضد الفرد، ولكن أقول وبلا مآربة ولا وجل ودون ان أمس لا نيتكم ولا غيرتكم على الدين أن صوتكم كان وما يزال خافتا في إدانة تلكم الأفعال عندما تصدر عن أولئك الأشخاص، هذا رأيي أما نياتكم ونياتنا فعلمها عند علام الغيوب .
وفي هذا الصدد أيضا، فإن إدراجكم لرأينا على أنه من الأحكام والتهم ذات "الطابع الإفتائيا المتخفي" فهو جنوح بالنقاش بعيدا عن كل الإدعاءات بالحوار والموضوعية والنقد وهي طريقة في الحوار تحمل معالم الضعف في الحجة وما عاد لها أي مفعول في الترهيب الفكري أو تكميم الأفواه، لذلك فلا املك سوى ان أترك لكم كامل الحرية في التصنيف والإستنتاج كما يحلو لكم دون أن تصادروا عني الحق في تقييم مسلكيات الحركة الأمازيغية والتي رغم تقديري لغالبيتها على استماتتها في النضال من أجل قضيتها التي تعتبرها عادلة، فإنني لا أكف عن حقي في مناهضة التعصب والتوجه العنصري والمقاربة الإثنية للموضوع الأمازيغي أيا كانت الجهة التي يصدر عنها التعصب والتطرف.
بين شرف الاختلاف وشهامة الإئتلاف
وغير بعيد عن ذلك فإن فرية "تأديب المخالفين" أو فزاعة إخضاعهم لرغبة "الجماعة"، وبدعة تعبئة هؤلاء المخالفين ليحولوا جهودهم الفكرية - إن كانت تنتمي إلى دائرة الفكر، حسب ذات الإتجاه الذي أعملتموه في "منهجكم التصنيفي"، -وليحولوا جرأتهم في النقد إن توفرت بدون انتقاء، إلى رأس حربة في الصراع الأيديلوجي الأعمى، فتلك طريقة لإبعاد النقد الصارم الذي يحلو لكم احتكاره لأنفسكم وتجردوا غيركم منه وتصنفوا النقد الموجه لكم في دائرة لغة البيانات والإدانات السياسية وتبعدونها عن دائرة الرأي والفكر وتجردونها من قيمتها الأخلاقية وتبعدونها ضمنا من المقاربة المبنية على مقاصد الإسلام وأخلاقه ومبادئه، وانتهاء بإضافة مهمة جديدة إلى قائمة مهامي التي أصررتم على استدعائها في غير مقامها وهذه المهمة الجديدة الغريبة هي "تأديب المخالفين وإخضاعهم لرغبة الجماعة" وتعبئتهم في الصراع الإيديولوجي الأعمى .
من جهتي فأنا أربأ بنفسي أن أضطلع بهذا الدور وأربأ بكم أن تؤطروا هذا النقاش ضمن هذه الخانة، لكن مع ذلك فوضعي في هذه الزاوية لن يحول دون مقارعة جراتكم بجرأة مماثلة فيما يتراء لي صوابا ولأضع جهودكم على محك النقد مع مراعاة آدابه التي تربينا عليها ولن يصل بي الخلاف إلى أن أخاصمكم أمام الله كما فعلتم، لأنني أرجو أن تكون مأجورا ولو أجرا واحدا لقناعتي بخطإ اجتهادكم ورجحان ما صدر عنكم في حق أخيكم.
كما أن القفز إلى قضية إخضاع المخالفين لرغبة الجماعة أو ابتزاز الجماعة بمزاجية وأهواء الفرد فذلك قاموس ينتمي إلى أسلوب المصادرة واحتكار الوضع الإعتباري في "التحرر" من الجماعة و"التموقع النقدي" إزاءها . وبكل الأحوال فقد كنت أغالط نفسي عندما كنت أعد نفس غير خاضع تماما للجماعة بكثرة تصريحاتي المخالفة بما فيها ما اعتذرت عنه بكل جرأة لأنني لم اقصد ما فهمه المغرضون ولمست مبكرا أثره السلبي على الحركة ولم يعرف عنكم أخي حسن مخالفتكم للجماعة إلى أن جاء تصنيفكم الذي قلب الأدوار .
إن إسناد هذه المهمة الجسيمة لي والمتعلقة "بتأديب المخالفين" و"إخضاع الأفراد لرغبات الجماعة" قد أماط اللثام على سر استدعائكم لالقاب حركية وصفات تنظيمية ومسؤوليات دعوية لهذا العبد الفقير إلى رحمة الله وعفوه.
وقد بحثت في الدليل الوصفي للمهام الذي انجتزه الحركة وتتبعت صلاحيات ومهام من يتحملون هذه المسؤولية في تجارب مقارنة فاعياني البحث دون أن أعثر على مهمة تأديب المخالفين مناطة إلى من يحمل هذه الألقاب.
وحسب علمي فلا أحد بمن فيهم صاحب هذه التهمة يصنف السيد حسن بويخف في دائرة المخالفين للجماعة ولا ضمن الخارجين عن "خضوعها" والذي أعلمه هو أنكم تتحملون تكليفا جسيما في مواقع متقدمة في تدبير منبر يومي ناطق بلسان حال هذه الجماعة . وهنا إما أن هذه الجماعة بلغت في الرقي الديمقراطي ما جعلها تبوئ المخالفين لها والمتمردين عن خضوعها هذه المكانة السامقة، وتثق فيهم هذه الثقة، فتكون عندئذ مهمة تأديب المخالفين وإخضاعهم لرغبات الجماعة غير ذات موضوع، أو على العكس من ذالكم أنكم أخي العزيز تبحثون عن الاستقواء في حواركم معي بشرف المخالف والمكانة الإعتبارية لغير الخاضع لتخرص قلمي وتكمم فمي من موقع أن من يتحمل هذه المسؤوليات لا حق له في التعبير عن رأيه بإسم واجب التحفظ .
والذي أعلم هو أن كثيرا من مقالاتي تخضع لرقابة صارمة ولا تجد طريقها إلى النشر قبل تحملكم للمسؤولية وبعدها دون أن ادعي يوما أنكم تخضعون هذه المقالات لرغبة الجماعة ولا ممارسة الإخضاع لرغبتها بسبب بسيط هو انني اعتبر من مسؤوليتكم ومن الأمانة الموضوعة على كاهلكم أن تصونوا الخط التحريري لهذا المنبر وتصونوا الجماعة من أهواء الأفراد وآرائهم الخاصة في بعض القضايا الفرعية.
أخي الكريم ليس من الجهود الفكرية أن يجمع الواحد منا بين شرف الإختلاف وشهامة الائتلاف، فكل منا يعتز بشهامة الخضوع للمنهج الوسطي المعتدل بكل المعالم التي تبلورت على مدى عقود وكل منا يحتفظ لنفسه برأيه الخاص لكن دونما أي محاولة لاتهام لا للجماعة ولا للفراد، لأننا نتشرف بسعة القاعدة الذهبية التي نحتتها الحركة فيما أسمته "الراي حر والقرار ملزم" وفي ما قعدت له من رفض استبداد الجماعة على الفرد بنفس الدرجة لرفض استبداد الفرد على الجماعة أو تسلط الأغلبية على الأقلية أو ابتزاز الأقلية للأغلبية . ولو كان هناك من إنصاف فهذه الجماعة ينبغي ان تتوج بجائزة الديمقراطية الداخلية بما في ذلك موقع المختلفين ومكانتهم فيها، لسبب بسيط هو إيمان الحركة بأن الإختلاف ثروة وبان المختلفين الحقيقيين في الرأي وليس في شيء آخر هو أحد عوامل التطوير والتجديد والإرتقاء عبر التاريخ.
بين خيارات المثقف وضرورة السياسي
وبذات الصرامة فكل يفهم مما يكتبه الدكتور والمفكر حسن أوريد انطلاقا من زاويته ومن قناعاته فكما لا يمكن أن أصادر ما فهمتموه مدفوعا بأسبابكم وزاوية النظر لديكم لا حق لكم أن تصادروا عنا الفهم في ما كتبه الرجل مما يمكن أن يندرج في إعطاء الأولوية لآصرة الإثنية على آصرة الثقافة وعلى كل حال فموقف الرجل لا يعيبه كثيرا وقد يكون له ما يبرره من موقع انحيازاته وإكراهاته.
ورأي الدكتور أوريد على كل حال يعتبر في تقديري من سقطات المثقف القليلة شأنها شأن المقال الأخير الذي وصف فيه مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني بالعبثية ورفع عن هذا الكيان طبيعة العداء للمغرب وانضم إلى متزعمي نظرية الواقعية السياسية بالبناء على شرعية الأمر الواقع لإضفاع الشرعية القانونية والسياسية والأخلاقية على كيان أول جرائمه وأول أسباب عداء كل الأحرار له هو جريمة اغتصاب أرض ليس له وما تلا ذلك من مجازر وضمار في حق الإنسانية كلها وهي مواقف جديدة للرجل لم نعرف ملابسات أو إرغامات صدورها عنه في هذه الظروف إلا أن يكون بهذه المواقف يسعى لاسترداد مكانته وموقعه في مربع السلطة فاختار التمايز عن أصحاب هذه المواقف والاختيارات واسترضاء من ينفعون في ذلك .
إبداء الرأي مهما كانت قيمته ونوعيته حق للجميع
لقد أعجبت بفقرة هامة أوردتموها أخي حسن في مقالكم تقولون فيها ما يلي "تقتضي صرامة النقد التنبيه و الإشارة إلى أن مصادرة حق الناس في إبداء آرائهم مهما كانت قيمتها ونوعيتها، وتجاوز نقد تلك الأفكار والآراء إلى استهداف أشخاصهم من خلال أحكام قيمة تخرجهم من دائرة الدين أو الوطن أو "الجماعة"، تندرج ضمن ثقافة مريضة سمتها الأساسية أنها في حقيقتها أحادية لا تقبل التعدد ولا تقبل الاختلاف و لا تقبل الحوار ولا التشارك. وأنها متمركزة على ذاتها لا تقبل النقد و لا تستسيغ احتمال أن تكون الحقيقة والصواب عند غيرها. و تكون النتيجة نزوعها إلى إلغاء المخالف وليس معالجة الاختلاف."
لكن ما آمل هو أن تنظروا في مرآة كل فكرة من تلكم الأفكار الرائعة وتبحثوا عما ينطبق منها على ما تكتبونه بخصوص هذه القضية .
أما نصب عبارات الترهيب أمام كل من يناقشكم في بعض القناعات غير الموفقة على أنه "إخراج من دائرة الدين أو الوطن أو "الجماعة"، فلعمري أنه سلاح فقد فاعليته في دائرة المناقشة الموضوعية وفي دائرة التثاقف وتقاسم الرأي والفكر.
رغم كل شيء سيظل التقدير للإخوة في الدرب الذي نعتز بأخوتهم و"بصدقهم وبسالتهم في التضحية والنضال في سبيل ما يؤمنون به من قيم وما يحملونه من قناعات فكرية وإسلامية" ولن ينقص من ذلك نقدنا لرأيكم ومسلكياتكم التي نقتنع إلى غاية اليوم عن تنكبها عن منهج هذا الدرب.
أما إذا عدنا إلى صلب الموضوع الذي نتساجل على هوامشه فهو الإختلاف حول القضية الأمازيغية وموقعها في التصور الإسلامي وفي الأولويات الدعوية للحركة التي نعتز بإنتمائنا لها جميعا لا يفرق بيننا في ذلك لا ألقاب أو صفات ولا تفاضل في انتمائنا إليها بصفة ما عدا العمل الصالح الذي يجب ان نتسابق على المسارعة إليه ونتنافس حوله .
وعندما نوسع من الدائرة بقليل سوف نختلف كذلك حول علاقة الحركة الإسلامية بالحركة الأمازيغية التي نأمل ان يشكل هذا الإختلاف دافع إلى تجويد رؤية الحركة للموضوع وليس إلى السقوط من جهتي أو من جهتك في "إعجاب كل ذي رأيه برأيه أو في "الهوى المتبع" أو "الدنيا المؤثرة".
وسنختلف بقليل أو كثير كذلك حول موضوع الإسلام والمسألة الإثنية عربية كانت أو اوردية او كردية أم أمازيغية والتي نأمل أن نوجه جهودنا الفكرية لبحثها بعلمية وتجرد وموضوعية .
ولا ننكر خلافنا أيضا في منهج العمل بخصوص القضية الأمازيغية كما اختلفنا ونختلف في تقدير نوعية إسهامات حركتنا ودورها في هذا الموضوع وفي حجم إسهامها في ذلك كما اختلفنا ونختلف حول مدى توفر رأي وموقف رسمي للحركة من هذه القضية مجملا أو مفصلا، كما هو وارد في وثائق مؤتمراتها وكما هو مبثوث في الوثائق الدورية لقراءتها للوضعية العامة، وفي بياناتها الرسمية بمناسبة تفاعلها مع مجريات التدافع المجتمعي بخصوص بعض جوانب هذه القضية . واختلفنا وسنختلف في المسؤولية عن تهميش الأمازيغية واختلفنا وسنختلف في منهجية التعامل مع التوجه الإثني والنزوع العنصري رغم أنه يشكل اقلية، واختلفنا ونختلف مع من يوظف الأمازيغية كورقة جديدة في التطبيع والاختراق الصهيوني الأكاديمي والفني وغيره، إلى جانب من يمثل هذا التوجه في التيار العروبي، واختلفنا ونختلف في مداخل النهوض بالأمازيغية واختلفنا في مقاربة التعامل مع المعارك المجتمعية بخصوص الحرف والدسترة والإدماج، كما نختلف حول "العلم" والتاريخ والتأريخ، وسنختلف بالقطع حول مضامين القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وفي إدماجها في التعليم وفي المجالات ذات الأولوية في الحياة العامة، والأهم هو اختلافنا في مقاربة علاقة الدين واللغة.
وفي الأخير آمل أن يتواصل حوارنا في مثل هذه القضايا حتى نتجنب معا لغة البيانات والتي ليست حرام بكل الأحوال.
وبذات المشاعر الرقيقة التي اكتسبناها معا في فضاء التربية وفي سعة المنهج فالأخوة والود لن تنال منهما هذه الإختلافات على حدتها في هذه القضايا التي تشكل هوامش ضيقة على متن ما نأتلف حوله قيمة وإتساعا . والله أعلى وأعلم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.