فجأة ظهر العيب في الفصل 222 من القانون الجنائي وتنادى شباب وحقوقيون بضرورة حذفه وتطوعت بعض الصحف لتقديم خدمة الترويج. غير أن عدد هؤلاء جميعا لم يصل إلى رقم الفصل موضوع طلب الحذف!كان بالإمكان الاكتفاء بهذا التقرير المقتضب عن تفاعلات محاولة زمرة من الشباب الإفطار جهارا ونهارا في رمضان. غير أن وراء الأكمة ما ورائها، وتم افتعال سبب جديد للعودة إلى إيديولوجية الحريات الفردية بشكل صادم هذه المرة بعد أن انتكست محاولة سابقة أثارت زوبعة في فنجان الإعلام المغربي على إثر محاكمة الشواذ في القصر الكبير، وتوقف الكونتور الذي نصبته إحدى المجلات الأسبوعية المتزعمة للحملة حينذاك عن إعلان عدد آخر الموقعين على نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية، والذي لم يتجاوز حينها 830 شخصا، تراجع كثيرون منهم بعد ذلك حين اكتشفوا أن الأمر أكبر من مجرد الدفاع عن الحريات الفردية. ذلك أن التباسا كبيرا كان يكتنف مبادرة نداء الحريات الفردية في علاقتها مع نداء إلى كل الديمقراطيين من خلال المساهمة الفعالة لنشطاء هذه الأخيرة فيها، مع العلم أن هذا النداء لم يكن غير المدخل الذكي إلى تعبئة النخبة من طرف جمعية الحركة من أجل كل الديمقراطيين التي أسسها عالي الهمة، الوزير المنتدب سابقا في الداخلية، والتي لم تكن بدورها سوى وسيلة لتطعيم المشروع السياسي للهمة بالأطر والنخب المختلفة خاصة من اليسار. وتكشف مؤشرات أولية أن الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية، (مالي)، التي اختلقت الحق في الإفطار الجماعي في رمضان مناسبة للميلاد، ليست أكثر من مجرد عودة إلى النداءات السابقة، والتي ستكشف الأيام المقبلة أجندتها السياسية الحقيقية. ورغم أن موضوع الحريات الفردية حاضر باستمرار في أجنة الأحزاب الديمقراطية وجمعيات المجتمع المدني خاصة الحقوقية منها، إلا أننا أمام مشاريع من نوع جديد تكشف أسباب ميلادها عن طبيعتها الملتبسة، حيث ارتبط ميلاد نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية بمطالب الشواذ، وارتبط ميلاد (مالي) بمطلب الإفطار الجماعي والعلني في رمضان. غير أن النشاط التأسيسي ل (مالي) يكشف درجة أكبر من التطرف والمغامرة والعبثية والجهل. ويلتقي المشروعان حول نقطة سياسية ساخنة تتعلق بالاستقواء بالخارج حيث تورطت السفارة الاسبانية في ملف الشواذ وتورطت السفارة الفرنسية في ملف دعاة الإفطار في رمضان وربما يفسر لجوء الصحافية المؤسسة ل (مالي) إلى السفارة الفرنسية تصريحاتها السابقة والتي جاء فيها حركتنا ستقترح في الأيام القادمة وسائل جديدة تختلف عن الأساليب التي يعتمدها العمل الجمعوي وبالفعل فالحركة تجاوزت حالة وجودها الافتراضي على الانترنيت إلى التحرك العلني المنظم في المجتمع وهو ما يضعها في مصاف التنظيمات غير المرخص لها قانونا. وتجاوزت منطق النضال الوطني إلى الاستقواء بالخارج. كما اختارت أن تدعو إلى خرق القانون بالدعوة إلى الإفطار الجماعي بدل المطالبة بتغيير ذلك القانون، وهذا أسلوب فوضوي لا علاقة له بالنضال الحقوقي ويتجاوز الحوار والنقاش إلى الدعوة لمخالفة القانون، ومن شأن مثل هذه الخطوات الفوضوية المغامرة أن تثير ردود فعل خطيرة لدى المخالفين قد يترتب عنها انفلات أمني وخيم العواقب. كما يثير اختيار الدعوة إلى الإفطار العلني، كموضوع لإعلان انطلاقة (مالي)، علامات استفهام كثيرة حول أهدافها الأيديولوجية والسياسية. فمطلب الإفطار الجماعي العلني لا يعبر عن حق، لسبب بسيط هو أن لا أحد يعاني من الحرمان من حق الإفطار ما دام كل شخص يستطيع بدون عناء أن يفطر في بيته، إلى قد عليه! ، أو في أحد المقاهي التي تفتح أبوابها نهارا في كل المدن دون مراقبة ولا محاسبة من أحد! لكننا أمام شيء آخر عبر عنه مسيحي، في إطار النقاشات على الانترنيت، حين قال إن الإخوة المسيحيين يراعوا مشاعر إخوانهم المسلمين فهم لا يتناولون الطعام والشراب ولا يشربون السجائر في الأماكن العامة ... فالمسألة في نهاية المطاف مسألة أخلاق حضارية تحترم الجماعة. وكثير من السياح الأجانب، يكفون عن مظاهر الإفطار العلني احتراما لمشاعر الجماعة رغم أن القانون والمجتمع لا يجرمان ذلك. نحن إذن أمام انحراف خطير لمفهوم الحرية الفردية يسقطه في الفوضوية المغامرة ويستند إلى ضعف تقدير الجماعة حتى حين تعبر هذه الجماعة عن مرونة وتسامح كبيرين تجاه المخالفين. ولتوضيح هذه النقطة نحيل على آخر دراسة علمية حول القيم والممارسات الدينية في المغرب والتي أكدت مركزية الصوم عند المغاربة وكشفت عن موقفهم من الذين لا يؤدون فريضة الصيام، وبينت أن 9,59 في المائة من المستجوبين لا يعتبرون الذين لا يصومون غير مسلمين و5,48 في المائة من المغاربة متسامحون مع غير الصائم، لكنهم يؤكدون أن على هؤلاء أن يفعلوا ذلك بعيدا عن أعين الصائمين. وللوقوف على حجم الجهل لدى أعضاء الحركة نسوق تصريحا صحافيا لأحدهم يقول فيه الفصل 18 من الدستور المغربي يضمن حرية العقيدة، وبالتالي فإن الفصل 222 من القانون الجنائي يخالف روح القانون.... وأحسن تعليق على هذا الكلام هو مضمون الفصل 18 من الدستور نفسه والذي يقول على الجميع أن يتحملوا متضامنين التكاليف الناتجة عن الكوارث التي تصيب البلاد. وهو ما يحمل العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، وغيرهم ممن لم يصابوا بعمى الألوان، أن يقوموا بواجبهم التأطيري تجاه الشباب لوقف مثل هذه الكوارث السياسية والأخلاقية.