أثارت محاولة بعض الأشخاص الإفطار العلني في رمضان مجموعة من التعاليق، بل والسخط لدى الرأي العام الإسلامي سواء في الداخل أو خارج الوطن لأن مثل هذا التصرف حسب علمي لم يسبق أن قام به أي مغربي حتى في فترة ازدهار المد الشيوعي. غير أن هذا التَّصرف رغم خطورته يتطلب منا الدراسة المتأنية والهادئة لأن من قام به بعض المتعاطين لعلم النفس والصحافة؛ الشيء الذي يدفعنا إلى محاولة معرفة وتحليل الدوافع المعلنة. تنطلق هذه الشرذمة من قناعة أن ما قاموا به يدخل في إطار حقوق الإنسان، بينما الذين يعارضون هذا التصرف ينطلقون من الديانة الإسلامية ونصوص القانون الجنائي. لذلك سنحاول التعرف على اتجاه المواثيق الدولية في هذا الأمر ثم موقف الفقه الإسلامي والقانون الجنائي من خلال ثلاثة مطالب على النحو التالي: ********************* المطلب الأول: موقف المواثيق الدولية من آكلي رمضان جهرا في مجتمع إسلامي: يميز عادة بعض الفقه الغربي (1) بين نوعين من حقوق الإنسان، الحقوق الطبيعية وهي المرتبطة بكيان الإنسان ووجوده كالحق في الحياة والحقوق المدنية وهي الواردة في القوانين الوضعية ويدخل في حكمها كل من: حق الملكية. حرية التعبير والعبادة. حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب. حرية التنقل والاجتماع. الحق في حماية الأشخاص والأموال. الحق في الشغل والتعليم. وهذه الحقوق هي الواردة في الفصول 9 إلى 15 من الدستور المغربي. ويقصد بالقانون الطبيعي مجموعة من القواعد العامة المستمدة من الطبيعة يدركها الإنسان بالفطرة، وهي بهذه الصفة مستقلة عن إرادة الإنسان، وثابتة، لا تتغير وصالحة لكل زمان ومكان (2). أما القانون الوضعي وهو القانون الصادر عن السلطة الحاكمة سواء كانت تنفيذية أو تشريعية، وهو قانون متحرك ومتغير في الزمان والمكان يستمد مفعوله بداية من الدستور كأداة سياسية والعقد الاجتماعي في بعده الفلسفي والنظري الذي تبلور في ما بعد كإعلانات عالمية لحقوق الإنسان ودون الدخول في المتاهات التاريخية السياسية والفلسفية لحقوق الإنسان يكفي الإشارة إلى أن ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أشارت إلى أنه لما كان الاقرار لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة ، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. وعلى هذا الأساس ورد في الفقرة الثانية من المادة 29 من هذا الإعلان على أنه لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها . كما نصت الفقرة الثالثة من المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بأنه لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. وهذا ما تم التأكيد عليه في الفقرة الثالثة من المادة 18 من نفس العهد الدولي عندما نصت على أنه لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. يستخلص مما سبق أن حقوق الإنسان كيفما كان نوعها ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بعدم زعزعة الاستقرار والطمأنينة العامين لأن هذه الحقوق لا تشجع على انتشار قانون الغاب، إذ المصلحة العامة أولى بالمصلحة الخاصة عند التعارض، أو كما يقول رجال الفقه الإسلامي: « درء المفسدة أولى من جلب المنفعة». ولنا أن نتساءل هل الإفطار الجماعي العلني لرمضان في الشارع العام ليس من شأنه خلخلة السلامة والآداب العامين ومس بحقوق الآخرين؟ المطلب الثاني: موقف الفقه الإسلامي من إفطار رمضان: جاء في موطأ الإمام مالك في باب من أفطر متعمدا في رمضان : أخبرنا مالك حدثنا الزهري، عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله (ص) أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكينا. قال: لا أجد، قال فأتى رسول الله (ص) بعرق من تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله ، ما أجد أحوج إليه مني قال: كله. قال محمد، وبهذا نأخذ، إذا أفطر الرجل متعمدا في شهر رمضان بأكل أو شرب أو جماع فعليه قضاء يوم مكانه، وكفارة الظهار أن يعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين نصف صاع من حنطة، أو صاع من تمر أو شعير. أما الإمام ابن تيمية فقد أفتى بأنه إذا أفطر في رمضان مستحلا لذلك، وهو عالم بتحريمه استحلالا لله وجب قتله، وان كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان بحسب ما يراه الإمام، وأخذ منه حد الزنا وان كان جاهلا عرف بذلك، وأخذ منه حد الزنا، ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام ، والله أعلم (3). يستخلص مما سبق أن من أفطر رمضان عمداً وثاب فعليه القضاء والكفارة، اما إذا كان متماديا في غيه فالقول قول الإمام أي رئيس الدولة وبعبارة أدق القانون الوضعي. المطلب الثالث موقف القانون الجنائي من آكل رمضان جهرا: جاء في المادة 274 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 سنة 1960 كما وقع تعديله سنة 2001 من ينقض الصيام في رمضان علنا يعاقب بالحبس حتى شهر واحد أو بالغرامة حتى 15 دينارا. أما الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي فقد نص على أنه كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون غدر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 200 درهم (4). وعليه فإنه حسب مضمون الفصل المذكور فإن المشرع المغربي لا يعاقب على الإفطار في رمضان إلا إذا كان جهرا وبدون صوغ شرعي، فما المقصود بالمسوغ الشرعي حسب هذا الفصل؟ فهل هو المرض أو السفر أو عدم البلوغ أو الجنون. استنادا إلى النص الفرنسي الذي استعمل مصطلحا واضحا والمتمثل في sans matif admis par cette religion أي عدم وجود مبررات دينية، فإن العقوبة تكون لازمة إذا انعدمت الأسباب أو المبررات الدينية وليس الوضعية، بمعنى أن من أفطر رمضان دون أن تكون مبرراته دينية يعاقب بالحبس والغرامة وتخرج من هذه المبررات الهوى أو الرغبة في الأكل لأسباب سياسية أو فلسفية أو اللهو. ويلاحظ أن هذا الفصل ظل منسجما مع الفصول الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث إن الحقوق تتوارى إذا كان من شأنها المس باستقرار المجتمع وأمنه وطمأنينته. والتساؤل المطروح هل ما قام به أولئك المواطنون يوم الأحد من شهر رمضان من محاولة الأكل جهرا وفي الشارع العمومي يدخل تحت طائلة مضمون الفصل 222 من القانون الجنائي؟ بدراسة هذا الفصل يستشف أنه يخص الأشخاص الذين عرفوا باعتناقهم الدين الإسلامي ويتجاهرون بالإفطار ونهارا في مكان عمومي. إذن عناصر جريمة الإفطار في رمضان تتلخص فيما يلي: 1 أن يعرف الجاني باعتناقه الدين الإسلامي. 2 أن يتجاهر بالإفطار نهارا في رمضان. 3 أن يكون هذا الإفطار في مكان عمومي. 4 عدم وجود عذر ديني. وحسب الظاهر من الأمور فإن تصرفات هؤلاء الأشخاص استوفت عناصر الجنحة باستثناء الركن الثاني وهو التجاهر بالإفطار نهارا، أي البدء في تنفيذ الجنحة والشروع في الأكل، ذلك أن هؤلاء إنما حاولوا ولم ينفذوا لظروف خارجة عن إرادتهم. وحسب مضمون الفصل 115 لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خاص في القانون. وأمام غياب نص خاص يعاقب على محاولة الإفطار في رمضان فإن المتابعة لا يجب أن تستند على الفصل 222 من القانون الجنائي لأن التنفيذ لم يتم. لكن هذا لايعني أن ما قام به هؤلاء لا يعد فعلا جرميا بل على العكس من ذلك وإنما يقع تحت طائلة الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله الى ديانة أخرى، ذلك أن التجمهر بدون رخصة أمام محطة القطار أي في مكان مزدحم بالجمهور يأمه القصر والرشداء المسلم وغير المسلم إنما كان يهدف دفع الناس إلى الخروج من الإسلام وأمام عدسات الكاميرا الدولية، حيث يكون المشاهدون من الوطن وخارج الوطن، وقد ينجم عنه ضررا ماديا ومعنويا على المقبلين على الصيام من الشباب، بل ويضر بسمعة المغرب في العالم الاسلامي، وقد يؤدي لا محالة الى تأليب الرأي العام المسلم عليه، بل الأخطر من ذلك أن الجريمة قد تشجع العصابات المتطرفة على الانتقام. إن كل تصرف أو مطالبة يجب أن تكون داخل إطار أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كما جاء في تصدير الدستور وان الاسلام دين الدولة حسب مضمون الفصل 6 منه، وان القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، ويجب على الجميع الامتثال له، ومن ثم لا يجب التساهل مع كل شخص لا يسعى إلى إثارة الفتنة بين الناس، أما الاحتماء وراء حقوق الإنسان لتحقيق أغراض شخصية أو سياسية سيؤلب على بلدنا المتطرفين ويقوض مجهودات الدولة في مجال حقوق الانسان. هوامش: 1) voir Ph Brand : la nation de liberté publique en droit francais L G D J paris 1968 p 8. 2 محمد ضريف: «حقوق الإنسان بالمغرب» منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، المطبعة المعاريف الجديدة، توزيع مكتبة الأمة طبعة 1994 ص 13 3) الإمام ابن تيمية: «الفتاوى الكبرى»، المجلد الثاني، دار الكتب العلمية بيروت طبعة 1987 ،ص 473. 4) كان الحد الأدنى هو 12 درهما والأقصى هو 120 درهما غير أنه بمقتضى الفصل 2 من القانون رقم 80 3 أصبح الحد الأدنى للغرامات الجنحية هو 200 درهم.