أماطت مصادر إعلامية اللثام عن لقاء نظمته وزارة الداخلية الخميس الماضي ضم جامعيين وباحثين في شؤون الحركة الإسلامية وفاعلين إعلاميين وحضره وزير الداخلية ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة. وتثير طبيعة اللقاء وتوقيته ونوعية الحضور وشكليات انعقاده علامات استفهام كثيرة. لقد جاء اللقاء المذكور بعد سلسلة اختلالات عرفتها المقاربة المعتمدة في تناول ملف خلية بلعريج الإرهابية حيث سجل رجوع الاختطاف السياسي بقوة و تطاول وسائل الإعلام الرسمية على اختصاص مؤسسة القضاء في الإدانة. كما أثار قرار حل حزب البديل الحضاري انتقادات كثيرة من طرف المختصين في القانون وحقوق الإنسان. وفي الأخير جاءت رواية الداخلية في ندوتها الأخيرة لتطرح قراءة أثارت ملاحظات نقدية للمختصين في تاريخ الحركات الإسلامية بالمغرب. وإذا أضفنا لكل هذا ما يشبه إجماع الطبقة السياسية على استغراب وقوع قيادات حزبية معروفة تاريخا وفكرا وسياسة في فخ الإرهاب، سوف ندرك مدى الإحراج الذي تواجهه الرواية الرسمية من هذه الناحية. وهذا كله يؤكد، من جهة، حاجتها لمثل ذلك اللقاء، ومن جهة أخرى، يبرر التحذير الرسمي من التشكيك في الرواية الرسمية للقضية. لقد جاء اللقاء مع هؤلاء الفاعلين بعد أن أعلن وزير الداخلية عن الرواية الرسمية، ولو جاء قبلها لكان منطقيا الحديث عن هدف إشراك هؤلاء في تنوير الموضوع والاستفادة من خبرتهم ومعرفتهم. أما وقد جاء اللقاء بعد الندوة فثمة غموض يلف الهدف من اللقاء رغم ما صرح به خالد الناصري ليومية المساء من أن الهدف هوالتحاور مع بعض المفكرين والمثقفين ممن اعتبر أن لهم وزنا معنويا في الساحة الفكرية الوطنية، ...ونفى الناصري، حسب نفس المصدر، أن يكون الهدف من اللقاء هو محاولة الحكومة استعمال هؤلاء قصد توجيه الرأي العام. إن التحاور الذي تحدث عنه الوزير يطرح مشكلة الهدف من الحوار وتوقيته،إذ لا يمكن أن تكون له إلا نتيجة واحدة: أن يقتنع الحاضرون بالرواية الرسمية ويكفوا على أقل تقدير عن نقدها، أو أن تقتنع الحكومة بملاحظات بعض من هؤلاء فتعدل روايتها وتتدارك ما يمكن تداركه من الأخطاء. غير أن الاحتمال الأخير مستبعد لاعتبارات أهمها الرغبة المعبر عنها رسميا بتفادي مناقشة الحكومة في خطواتها وذلك من خلال التحذير من التشكيك في الرواية الرسمية ومفاد الرسالة: الحكومة تقول وغيرها يسمع. إن لقاء من هذا النوع بعد الإعلان عن الرواية الرسمية للأحداث يفترض فيه منطقيا أن يكون علنيا وتنويريا لعموم المواطنين، لكنه نظم بعيدا عن الشكليات العادية التي كان أقلها حضور وسائل الإعلام الوطنية. ومسألة توقيت اللقاء تطرح إشكالية المصداقية فلو نظم اللقاء قبل ندوة الداخلية لكان للرواية الرسمية مصداقية علمية تنضاف إلى المصداقية الأمنية التي تمثلها كمية الأسلحة المحتجزة ونوعيتها. لكن الواقع أن مصداقية مواقف السادة الذين حضروا اللقاء هي التي ستصبح محل مسائلة خاصة حين تتغير مواقفهم أو تتناغم مع الرواية الرسمية ويصعب حينها إرجاع ذلك إلى مجرد الاختلاف الفكري أو التدقيق العلمي. إن المشكلة الرئيسية في الرواية الرسمية هي تجاوزها لمجرد الإعلان عن وقائع إلى إطلاق أحكام الإدانة وتفسير العلاقات بين مكونات الملف تفسيرا ينطوي على حكم نهائي يساوي بين جميع المشتبه فيهم وتقديم قراءة لتاريخ نشأة أحزاب تخالف ما هو معروف لدى العام والخاص. لقد أخفقت الحكومة مرة أخرى حين حاولت إشراك الفعاليات العلمية والإعلامية والحقوقية بشكل متأخر في مقاربتها لملف الإرهاب وحين طبعت ذلك الإشراك بالكتمان وأطرته بالتحذير من التشكيك في الرواية الرسمية.