التسول حاجة ، والحاجة أم الإختراع ، وما دمت في المغرب فلا تستغرب ، فقد استغل أطفال وشباب مغاربة حب المواطنين لكرة القدم وتعلقهم بها ليبتكروا طريقة جديدة من طرق التسول جعلوا منها مهنة تدر عليهم دون بذل أي مجهود عضلي أموالا تقيهم نوائب الدهر وتقلباته وتبعدهم نوعا ما عن أعين واهتمامات الجهات المختصة بمحاربة التسول . "" عاونوا الفريق
" أخي عاون الفريق " ، " أختي عاوني الفريق " ، " إخواني أعينوا الفريق " ، عبارات يتسلح بها مع إشراقة كل يوم جديد شباب وأطفال في مقتبل العمر ليجوبوا الشوارع طولا وعرضا وهم يحملون بين أيديهم صحونا معدنية مغطاة بأقمصة رياضية وكلهم أمل في أن يعودوا أدراجهم آخر النهار بجيوب مملوءة بما تيسر من إحسان المواطنين وبما تقدر من جود عشاق كرة القدم ومحبيها .
يستوقفون المارة مع سبق الإصرار والترصد ، وبقصة محفوظة عن ظهر قلب يخبرونهم أنهم بصدد تأسيس فريق محلي يعنى بكرة القدم وأنهم يلتمسون منهم مساعدة مادية لشراء ما يمكن شراؤه من قمصان وأحذية رياضية ، فمنهم من تنطلي عليه الحيلة فيمدهم بكل روح رياضية بما تشتهيه أنفهسم من دراهم معدودات ، ومنهم من يقع في حرج شديد فلا يجد تحت إلحاحهم وضغطهم إلا الرضوخ لمطالبهم ، ومنهم من لا يلقي لحيلتهم بالا فيعرض عنهم كأنه لم يسمع شيئا.
وإذا كان لكل فن أهله وطرقه ، فإن أصحاب هذا النوع من التسول لا يقتصرون في عمليات الإستجداء التي يقومون بها على طريقة واحدة بل يبتدعون أشكالا حديثة في سبيل الوصول إلى جيوب الناس.
يقول " عمر المصباحي " واحد من الذين امتهنوا هذا النوع من التسول بشوارع مدينة الرباط : " هذا المجال يحتاج منك إلى إبداع متجدد ، لذلك فنحن لا نقتصر فيه على فكرة تأسيس الفريق فقط ، بل نلجأ إلى أفكار أخرى، وحيل تلامس مشاعر " الكرويين " ، منها أننا نقف أمام المركب الرياضي قبيل انطلاق المبارة المبرمجة وندعي بأننا في حاجة ماسة إلى ثمن الحصول على تذكرة الولوج للمدرجات ، وعند اقتراب موعد المباريات الخاصة بالمنتخب الوطني ندعي أننا من المغرمين بالمنتخب وأننا بصدد شراء أعلام وطنية ولافتات لتشجيعه ، وبطبيعة الحال هناك من يصدقنا وهناك من يزدرينا " .
ويضيف : " وتبقى طريقة عاونوا الفريق من الطرق المحببة عندنا لنجاعتها ومردوديتها وتصديق أغلب الناس لها " .
وراء الفريق ما وراءه
ليس كل من يتسول باسم كرة القدم بعاشق لها أو متيم بها أو مهتم بأخبارها وتفاصيلها وشؤونها ، بل على العكس من ذلك فأغلب هؤلاء المتسولين لا يعرفون من الكرة إلا اسمها ولا يحفظون من أسماء الفرق الكروية إلا النز القليل مما تتلقفه آذانهم بين الفينة والأخرى ، وهو ما فسره لنا الأستاذ الباحث في علم الإجتماع " إبراهيم كدار " الذي انتقد هذه الظاهرة وأكد أن " بعض هؤلاء المتسولين هم أطفال مشردون وجدوا أنفسهم في الشوارع نتيجة تفكك أسري أو تخلي عنهم ، فولجوا هذا المجال لبعده عن المشقة واقترانه بالربح السريع ، وبعضهم خريجو سجون وذوو سوابق عدلية رأوا في هذا النوع من التسول وسيلة لجلب المال بعيدا عن عوالم الإجرام المؤدية إلى غياهب السجون ، وبعضهم مدمنو مخدرات اهتدوا إلى هكذا نوع من الإستجداء بعدما سقطوا في براثين الإدمان واصطدموا بقلة ذات اليد ، وبعضهم يحملون شواهد دراسية ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت وسدت في أوجههم أبواب الشغل فلم يجدوا بدا من ولوج هذا العالم ، وبعضهم احترف التسول وامتلك باعا طويلا في هذا المجال فرأى ان التسول باسم كرة القدم أفضل بكثير من باقي أشكال التسول الموجودة على أر ض الواقع " .
ويرى " ابراهيم كدار " أن الوضع الإقتصادي المتردي الذي تعيشه المملكة هو السبب في انتشار ظاهرة التسول وبروز تقنيات ووسائل حديثة ترتبط بها وتعمل على تطويرها بما يخدم مصلحة المتسول اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا .
ويضيف أن القيم الأخلاقية التي يتمتع بها المغاربة كالكرم والإحسان وتجذرها في أعماق المجتمع بالإضافة إلى العلاقة الحميمية التي تربط هذا المجتمع بكرة القدم أمور تشجع على تفشي ظاهرة التسول باسم الكرة وتساهم في ازدياد أعداد هذا الصنف من المتسولين .
تشويه وجريمة
" نور الدين شوقي " رئيس جمعية الإنبعاث للتربية والثقافة بمدينة الرباط ، اعتبر أن التسول باسم كرة القدم هو تشويه مخزي لسمعة هذه الرياضة الجميلة ، وجريمة شنعاء تمارس في حق المواطنين الذين يجدون أنفسهم عرضة للإبتزاز المقيت تحت مرأى ومسمع من السلطات المعنية بالأمر ، ودعا الحكومة ومنظمات المجتمع المدني إلى محاربة هذه الظاهرة ، عبر إيجاد منافذ لتشغيل العاطلين عن العمل ، وتخصيص دراسات موسعة لتحليل حياة المتسولين ، ومعرفة السبب الذي يجعلهم يمتهنون هذه المهنة ، كما دعا الجهات المختصة إلى تعويض المقاربة الأمنية في معالجة هذه الظاهرة بتفعيل المقاربة الإجتماعية والتركيز على الحملات التوعوية والتحسيسية .
وحسب " نور الدين شوقي " فالمواطن الذي يدفع لهؤلاء المتسولين بعض ما يملك من نقود وهو يعلم علم اليقين أنهم محتالون لا علاقة تربطهم بكرة القدم هو مواطن يشارك في عملية التشويه ، ويرتكب جريمة في حق وطنه لأنه يشجع الآخرعلى ثقافة الإستجداء والكسل بدل تشجيعه على الإعتماد على النفس ، ويساهم في انتشار كل الظواهر السلبية عوض المساهمة الفعالة في كل ماهو إيجابي .
التسول بلغة الأرقام
رغم أن السلطات المغربية تنفق كل سنة ما يزيد عن 37 مليون درهم في مكافحة ظاهرة التسول ، فإن المغرب لا يزال يعاني من استفحال هذه الظاهرة ، وحسب آخر الإحصائيات الموجودة فإن عدد من يمتهن التسول بهذا البلد يفوق 196ألف متسول ومتسولة ،منهم 48.9 % ذكورًا، و51.1 % نساء ، و62.4 % منهم يمارسون التسول الاحترافي في حين يمارس 37.6 في المائة التسول بشكل متقطع أو موسمي .
وتشير تحقيقات رسمية وغير رسمية إلى وجود%17 من المتسولين بالمغرب يمتلكون عقارات من منازل ومساكن وأراضي وغير ذلك من الممتلكات ، في حين أن البقية لا يتوفرون على شيء من ذلك .
هذه الأرقام دفعت بوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن بالمغرب إلى إعداد مقاربات منهجية للحد من خطورة هذه الظاهرة توزعت بين ما هو اجتماعي وبين ماهو تحسيسي وبين ما هو زجري.
كما قامت وزارة الداخلية وتحت إشراف خبراء في حقوق الإنسان وأطباء بمراكز الإيواء الخاصة بالمتسولين بتدريب فرق خاصة مكونة من رجال الأمن والقوات المساعدة وعناصر من الولاية لمحاربة التسول بطريقة مرنة ، وشمل التدريب أساليب وفنون التعامل مع المتسولين وتجنب اعتقالهم بطريقة تقليدية دون المس بهم أو بأموالهم، ونقلهم إلى مراكز الإيواء لتلقي معالجة نفسية وإعادة إدماج في الحياة العامة.