خلافا لما دأب عليه العرف وشبه الإجماع العربيين الداعمين للوحدة الترابية للمملكة المغربية والذي ترفض معه العديد من الدول الصديقة للرباط الجلوس مع جبهة البوليساريو الانفصالية على طاولة واحدة في أي اجتماعات أو ملتقيات؛ يبدو أن مصر لا تجد أي حرج في الجلوس جنب إلى جنب مع البوليساريو والمشاركة معها في تدريبات عسكرية، بل وحتى قبول حضور ممثلين عنها لمراقبة استحقاقاتها الانتخابية. مناسبة هذا القول هي إعلان الجبهة الانفصالية عن مشاركة وفد عنها ضمن بعثة أوفدتها مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى القاهرة من أجل مراقبة الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت في الفترة ما بين ال10 وال12 من شهر دجنبر الجاري، في خطوة دفعت الكثيرين إلى التشكيك في حقيقة المواقف المصرية من قضية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. شكوك زكتها مشاركات سابقة لوفد عسكري مصري إلى جانب وفد من الميليشيات في ما يسمى "تمرين مركز القيادة لقدرة شمال إفريقيا"، الذي احتضنته الجزائر أواخر الشهر الماضي، وقبلها اجتماع عسكري مماثل في إطار منظمة "قدرة شمال إفريقيا" التابعة للاتحاد الإفريقي، في ماي الماضي، في وقت غابت فيه كل من موريتانيا وتونس عن هذه الاجتماعات رغم عضويتها في المنظمة سالفة الذكر؛ وهو ما أثار عددا من التكهنات حول الموقف المصري ومدى وعي قيادة هذا البلد بالمحاولات الرامية إلى توريطها في هذا النزاع المفتعل، خاصة أن السفير المصري في المغرب أكد في حوار سابق مع هسبريس أن "القاهرة لا تعترف بالجمهورية الصحراوية ولا تقيم أية علاقات معها". ولتوضيح حقيقة هذا الموقف، اتصلت جريدة هسبريس بالسفارة المصرية في القاهرة التي رفضت التعليق حول هذا الموضوع، مشيرة إلى أن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، سيحل في ال19 من الشهر الجاري في المغرب للمشاركة في أشغال الدورة السادسة للمنتدى العربي الروسي الذي ستحتضنه مدينة مراكش، إذ من المرجح أن يعقد المسؤول المصري مباحثات مع نظيره للمغربي لمناقشة مجموعة من القضايا أبرزها الموقف الرسمي للقاهرة من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، إن "اختباء البوليساريو داخل بعثة أوفدتها مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى مصر من أجل مراقبة الانتخابات الرئاسية التي جرت في جمهورية مصر العربية لهو تجلّ من تجليات الخيبات والنكسات التي تعرضت لها الجبهة وتنفي عنها أي مسؤولية داخل الهيئة الأفريقية"، مسجلا أن "هذه الادعاءات هي محاولة لتجاوز واقع العزلة والرفض الإقليمي الذي يواجهه هذا الكيان الوهمي". وأوضح الفاتيحي، في تصريح لهسبريس، أن "الجبهة الانفصالية تستهدف، من خلال خلق مثل هذه الادعاءات، إحداث الوقيعة بين الدول وفيما بين مؤسسات الاتحاد الإفريقي، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بمساعي تسييس عمليات التنسيق مع جهات دولية بخصوص قضايا تنظيمية وإدارية، مشيرا إلى أن "مفوضية الاتحاد الإفريقي هي في غنى عن ممارسات شاذة تقوم بها جبهة البوليساريو، والتي تكلف الكثير من الإحراج السياسي في العديد من المناسبات الدولية". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "المملكة المغربية تثق في الحكمة المصرية التي تعبر عنها داخل المحافل العربية، بدعم واضح لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية"، مشددا على أن "ما تروجه جبهة البوليساريو مجرد دعاية إعلامية في ظل حالة انحسار موقفها الانفصالي وغداة تبنيها لعمليات إرهابية تطال المدنيين العزل؛ وبالتالي فهي تحاول اليوم جاهدة تلميع صورتها المشوهة والعودة إلى واجهة الأحداث".