قامت وزارة الخارجية الإسبانية بحذف قسم من موقعها الإلكتروني ينص على ما يسمى "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، كان يشرح مبادئ السياسة الخارجية الإسبانية في علاقتها مع دول المغرب الكبير، فيما اعترفت مصادر من الوزارة المعنية لصحيفة "إل إندبيندنتي" الإسبانية بإقدامها على هذا الحذف، مؤكدة أن "الوزارة تقوم بتحديث محتويات الموقع الرسمي". تأتي هذه الخطوة تجسيدا للموقف الرسمي الذي عبر عنه رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، في السابع من أبريل من العام الماضي، الداعم لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الأساس الأكثر جدية وواقعية لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وكان سانشيز جدد التأكيد على تشبث بلاده بتعزيز العلاقات الثنائية مع الرباط، الثلاثاء الماضي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره المغربي، متجاهلا بذلك دعوة الجبهة الانفصالية إلى إعادة مراجعة مواقف بلاده في هذا الصدد، وكذلك محاولات التشويش على الدينامية التي تعرفها العلاقات بين البلدين من طرف بعض الأحزاب الإسبانية. سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن "مثل هذه الإجراءات يمكن قراءتها على أنها إجراءات قامت بها الدولة الإسبانية لعدم الوقوع في تناقض قد يحرج دبلوماسيتها، ذلك أن القرار السيادي الذي اتخذته إسبانيا وموقفها من الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية، كان هو الاعتراف بالحكم الذاتي الذي يدفع به المغرب كحل سياسي وحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل، وفي الوقت نفسه هو اعتراف ضمني من طرف إسبانيا بسيادة المغرب على صحرائه". وأوضح بركنان، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هذا الموقف الجديد يقتضي من الدولة الإسبانية أولا أن توحد مواقفها التي تعبر عن سيادة الدولة وعن وحدة القرارات السيادية، وثانيا أن تغير المفاهيم الدبلوماسية في خطابها للتعبير عن صدق قراراتها التي اتخذتها بشكل سيادي". وسجل المتحدث أن "حذف عبارة [تقرير المصير] ليس تأكيدا على موقف إسبانيا الذي اتخذته من قبل وبشكل نهائي، والذي لا يحتاج إلى تأكيد، وإنما يدخل في خانة توحيد وضبط مفاهيم الخطاب الدبلوماسي الإسباني في جميع القنوات التي تعبر عن سياسة مدريد الخارجية، بما فيها قنوات الاتصال والتواصل الإعلامي والمواقع الإلكترونية، ليتماشى مع الموقف الذي اتخذته". "حذف عبارة [تقرير المصير] من أدبيات الخطاب الدبلوماسي للدولة الإسبانية، يعبر عن موقفها الذي لا يخضع للمزايدات الرخيصة وإن كانت من بعض الأحزاب السياسية الإسبانية التي توالي أطروحة الجبهة الانفصالية وتدافع عنها من داخل البرلمان الإسباني"، يسجل بركنان، موردا أن "الدولة الإسبانية اتخذت موقفا رسميا بناء على قراءة للمتغيرات الإقليمية والدولية ترى مستقبل العلاقات الإسبانية في الموقف الذي يفتح على المنطقة باب الاستقرار السياسي والأمني، وهو ما بدأ العقل السياسي الجزائري يستوعبه مؤخرا". في هذا الصدد، لفت المتحدث ذاته إلى أنه "أمام حجم المتغيرات التي تقع في المنطقة الإقليمية، خاصة في دول الساحل جنوب الصحراء وفي منطقة الشرق الأوسط، بدأت الجزائر تستوعب أن معاداة مدريد بسبب موقفها الإيجابي من قضية الصحراء المغربية قد يجعلها في عزلة تامة، وهو ما تحاول تداركه بالتلويح لإمكانية عودة تبادل التمثيل الدبلوماسي بينها وبين مدريد". وخلص المحلل السياسي عينه إلى أن "موقف الدولة الإسبانية لا يمكن قياسه بموقف أحزاب سياسية لها تمثيلية ضعيفة داخل البرلمان الإسباني، كما أن ما هو ثابت في الأعراف الدبلوماسية في العلاقات الدولية هو القرارات السيادية التي تتخذها الدول بناء على دراسات استراتيجية وأمنية وعسكرية تستهدف بها حفظ السيادة والاستفادة من الشراكات الاستراتيجية، وليس مواقف الأحزاب السياسية التي يكون سندها الوحيد هو مواقف إيديولوجية".