يعيش الجسم التربوي اليوم، ومعه كل الفاعلين والمهتمين والمتعلمات والمتعلمين وأولياء أمورهم على وقع الإضرابات والاحتجاجات وحالة من الشلل التام في القطاع بشكل غير مسبوق، نتيجة رفض هيأة التدريس لمضامين النظام الأساسي الخاص بموظفي القطاع، والذي يندرج في إطار ظاهره الإصلاح الشامل لقطاع التربية والتكوين طبقا لمخرجات النموذج التنموي الذي جاء به الوزير الوصي على القطاع السيد شكيب بنموسى، وباطنه خطة حكومية لتسريع وتيرة ورش الجهوية الموسعة الذي تأرجح بين السير والدفع به إلى الأمام، من خلال بعض الخطوات سيأتي ذكرها في السياق، وبين نوع من الجمود والتراخي الملحوظ في فترات مختلفة على مدى العشرين سنة الأخيرة. فأزمة التعليم بالمغرب ليست جديدة، فقد عرف هذا القطاع إصلاحا تلو آخر لكن دون أن يحقق الأهداف المرجوة. وفي هذا السياق، فإنه يمكن اعتبار التعليم بمثابة القاطرة التي تقود قطار الجهوية الموسعة بالمغرب. فتنفيذا للدعامة 15 من الميثاق الوطني للتربية والتعليم الصادر سنة 1999، قامت الدولة بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بمقتضى الظهير الشريف تحت رقم 1.00.203 الصادر في 15 من صفر 1421 هجرية الموافق 19 ماي 2000 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والذي جاء في مادته الأولى ما يلي: "تحدث في كل جهة من جهات المملكة مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تدعى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين"، وعن أهداف هذه المؤسسة العمومية تشير المادة الثانية إلى أنها -الأكاديميات- تضطلع بإعداد مخطط تنموي يشمل مجموعة من التدابير والعمليات ذات الأولوية في مجال التمدرس طبقا للتوجهات والأهداف الوطنية، مع إدماج الخصوصيات والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الجهوية في البرامج التربوية بما في ذلك الأمازيغية. فمنذ صدور دستور 2011 ما فتئت الدولة تقوم جاهدة باتخاذ خطوات هامة لتسريع وتيرة إرساء الجهوية الموسعة وتفعيلها تفعيلا كفيلا بإحداث تغيير جوهري في تنظيم هياكل الدولة وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. في هذا الإطار جاء خطاب الملك بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2012، حيث جاء فيه ".... نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة، وهو ما يطرح مسألة اللاتمركز، الذي ما فتئنا ندعو إليه منذ عشر سنوات..."، وتنفيذا لمضامين الخطاب الملكي قامت حكومة سعد الدين العثماني سنة 2018 بإصدار المرسوم رقم 618.17.2 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري والذي من خلاله تم تحديد المبادئ التوجيهية للاتمركز الإداري وكدا أهدافه وآليات تفعيله، كما يؤطر الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة. ودفعا في اتجاه تسريع الإصلاح الإداري بالمغرب وخلال المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة المنعقدة بمدينة أكادير شهر دجنبر 2019، تم التأكيد على ضرورة تعبئة كل الطاقات والانخراط الفعلي لكافة القطاعات الوزارية في تفعيل الميثاق، عبر التسريع من وتيرة إعداد التصاميم المديرية لللاتمركز الإداري، مبنية على نقل فعلي للاختصاصات الوظيفية والصلاحيات التقريرية إلى المستوى الجهوي طبقا للتوجيهات الملكية. فاستحضارا لهذه المعطيات السابقة، وحرصا من الحكومة الحالية برئاسة السيد عزيز أخنوش على ترجمة هذه الأهداف إلى الواقع في أفق خلق جهوية موسعة غايتها التنمية والحكامة المجاليتين، فهل يمكن اعتبار قطاع التعليم القاطرة التي تقود قطار ورش الجهوية المتقدمة؟ للإجابة على هذا التساؤل، واستحضارا لما سبق ذكره، جاء مشروع المرسوم 2.23.819 بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية والذي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 9 أكتوبر 2023 العدد 7237 بعد المصادقة عليه في المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 14 شتنبر 2023، والذي يأتي تطبيقا لمخرجات الاتفاق الموقع بتاريخ 14 يناير 2023 بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية وفق مقاربة تشاركية- حسب ما تقول الحكومة، في حين تتمسك النقابات بالقول أن ما تم الاتفاق عليه لم يدرج في النظام الأساسي- غير أن هذا المرسوم قوبل باحتجاجات وإضرابات لما يزيد عن شهر وإلى اليوم، رفضا لمجموعة من مضامينه. ويمكن أن نوجز بعضها في ما يلي: 1- من بين أهم النقاط الخلافية نجد منطوق المادة الأولى من المرسوم والتي تعتبر أن هذا النظام الأساسي يسري على موظفي قطاع التربية الوطنية والأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وهذه إحدى أبرز الانتقادات الموجهة للنظام الأساسي، إذ تعتبرها التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد منافية لمطلب الإدماج في الوظيفة العمومية. 2- قراءة متأنية للمادة الثالثة من هذا النظام الأساسي التي تقول: "يسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم". فهل يمكن، من حيث تراتبية القوانين، ومن خلال منطوق النص، اعتبار مرسوم النظام الأساسي قد أعطيت له مرتبة أعلى من الظهير الشريف رقم 008-58-1 الصادر في 24 فبراير 1958 بمثابة القانون الأساسي للوظيفة العمومية؟ أم يمكن الذهاب بعيدا واعتبار أطر التربية والتعليم الواردة في النظام الأساسي خارج إطار الوظيفة العمومية؟ 3- كذلك وجهت انتقادات إلى هذا النظام الأساسي الذي أثقل كاهل هيئة التدريس بمهام إضافية غير التدريس ودون أي تعويض، مع عدم تحديد ساعات العمل التي أوكل مهمة تحديدها إلى الأكاديمية الجهوية أو المديرية الإقليمية حسب ما تراه وفق الحاجة والضرورة. 4- كما أفرد واضعو هذا النظام الأساسي صفحة ونصف من العقوبات الجديدة إضافة الى تلك المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية. نذكر على سبيل المثال: القهقرة في الرتبة والدرجة والحرمان من بعض الحقوق التي يتمتع بها باقي موظفي الدولة... وغيره من العقوبات التي من الممكن إن طبقت أن تصعب من مهمة المدرس ناهيك عما قد تخلفه من آثار اجتماعية سلبية عليه وعلى أسرته... نكتفي فقط بهذه الأمثلة من الانتقادات الموجهة لهذا النظام الأساسي ليجرنا في الختام إلى التساؤل: هل بمثل هذه الأنظمة الأساسية في تدبير شؤون الموظفين والموارد البشرية بشكل عام والتي تعتبر الثروة اللامادية التي لا يستقيم أي إصلاح أو تطور دونها، يمكن أن تتحقق الغايات الكبرى من ورش الجهوية المتقدمة كما أراد لها وتصورها ملك البلاد وقائد الإصلاح والدولة الحديثة؟