قال أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، بدر الخلدي، إن المادة الأولى من النظام الأساسي عندما أقرت التمييز في إطار التوحيد من خلال الاستمرار في التفرقة بين موظفي قطاع التربية الوطنية والأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين رغم تسميتهما بالموارد البشرية. وقال المتخصص في لقانون العام في حوار مطول مع جريدة "العمق" إن من حسنات هذا النظام الأساسي الجديد أنه جاء ترجمة مباشرة لمطالب ملفات نقابية عالقة منذ مدة. وأشار أيضا ضمن حواره إلى أن النظام الأساسي الجديد يبدو ظاهريا قطع مع التعاقد، لكنه المساطر القانونية والتشريعية التي رافقت إعداده والتشبث بتسمية الأطر النظامية التابعة للأكاديميات الجهوية مؤشر على استمرار التمييز بين موظفي إدارة الدولة وغيرهم. فيما يلي نص الحوار: ما تعليقكم على النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية؟ في البداية، لابد من التأكيد على أن تعديل مقتضيات النظام الأساسي الخاصة بموظفي قطاع التربية الوطنية يدخل في اختصاص المجال التنظيمي طبقا للفصل 72 من الدستور، بما في ذلك المخالفات قد يأتي بها إزاء مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والتي لا تتفق والتزامات هيئاته أو مصالحه طبقا لما ذهب إليه الفصل 4 منه. وعليه، فإن النظام الأساسي الجديد المرتقب بالنسبة لموظفي قطاع التربية والتكوين يعد سندا تنظيميا سينسخ المرسوم السابق رقم 2.02.854 وسيسمح بإعادة هندسة بنية العاملين بهذا القطاع وتوسيع المهام المنوطة بهم وكذا كيفيات تنظيم مسارهم المهني تبعا لخصوصية القطاع، دون أن يمس بمقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أو بالضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين التي تظل من اختصاص القانون. وبالفعل، عملت مقتضيات هذا النظام الأساسي الجديد على إعادة تشكيل بنية الموارد البشرية المكونة لمجموع العاملين بقطاع التربية الوطنية لاحتواء الموظفين منهم وغير الموظفين مع تقليص هيئاتها وتجميعها. وهو ما كرسته المادة الأولى منه عندما أقرت التمييز في إطار التوحيد من خلال الاستمرار في التفرقة بين موظفي قطاع التربية الوطنية والأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين رغم تسميتهما بالموارد البشرية. كما أكدت المادة الثانية أيضا هذه الازدواجية داخل الموارد البشرية عندما ميزت بين مجال ممارسة المهام الذي يشمل مصالح ومؤسسات قطاع التربية الوطنية بالنسبة للموظفين من جهة والأكاديميات الجهوية ومصالحها بالنسبة للأطر النظامية من جهة أخرى، وبين الاختصاص في تدبير شؤون هذه الموارد البشرية المتأرجح بين كل من السلطة الحكومية المكلفة بقطاع التربية الوطنية والأكاديمية الجهوية بوصفها مؤسسة عمومية. وفي هذا السياق، يلاحظ أيضا أن مشروع مرسوم بقانون رقم 2.23.781 نص على إخراج الأطر النظامية المكونة لمجموع الموارد البشرية الخاصة بالأكاديميات الجهوية من نطاق المراقبة المالية التي تخضع لها الأنظمة الأساسية لمستخدمي المؤسسات العمومية طبقا للقانون 69.00، وذلك من أجل سريان مقتضيات النظام الأساسي الجديد عليها. وذلك تأسيسا على ما جاء في رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رقم 11/2021 في شأن مشروع قانون تغيير القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وذلك عندما قدم بعض المقترحات لتجاوز إشكالية استقلالية الأكاديميات بشكل فعلي كمؤسسات عمومية وليس كإدارات لاممركزة تابعة للإدارة المركزية. وعلى رأس هذه المقترحات نقل مهام تدبير مجموع الموارد البشرية، التابعة للأكاديمية في مجموع ترابها، من المصالح المركزية إلى الأكاديميات تحقيقا لأهداف اللاتمركز الإداري. إضافة إلى ذلك، أقر القانون الإطار المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية رقم 50.21 مبدأ التعاقد بين الدولة والمؤسسات العمومية وفتح إمكانية وضع وسائل الدولة رهن إشارتها لتحقيق أهدافها بما ذلك التعاضد في الوسائل البشرية. بناء على ما سبق يظهر أن السيناريو الأقرب للتنزيل هو تمكين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من التدبير المباشر لمجموع الموارد البشرية في مجموع التراب التابع لها، والتي تتمثل في أطر نظامية يسري عليها النظام الأساسي الجديد وأطر يتم توظيفها ضمن الهيئات المشتركة بين الوزارات إضافة إلى موظفين في وضعية إلحاق، مع إمكانية الاستمرار في تنويع صيغ التوظيف وآلياته النظامية والتعاقدية. على مستوى تحليل المضمون، هل من حسنات لهذا النظام الأساسي الجديد؟ يسجل لهذا النظام الأساسي الجديد أنه جاء ترجمة مباشرة لمطالب ملفات نقابية عالقة منذ مدة، من قبيل إحداث هيئة الأساتذة الباحثين في التربية والتكوين لحاملي الدكتوراه، والتنصيص على سنوية فتح مباراة مهنية عند الاقتضاء لسد الخصاص في الثانوي التأهيلي بالنسبة لحاملي الشواهد والدبلومات العليا من أطر هيئة التدريس. إضافة إلى إحداث منحة مالية سنوية لأعضاء الفريق التربوي الحاصل على شارة مؤسسة الريادة، وشواهد تقدير واعتراف كتدابير مندرجة في إطار التحفيز المهني. كما تمكن هذا النظام الأساسي الجديد أيضا من تجميع الأطر العاملة بقطاع التربية والتكوين في عدد مقلص من الهيئات المتجانسة نسبيا بالنظر للمهام التي تزاولها واقعيا، مما يؤكد إنصات الوزارة للممارسين بالقطاع وتفاعلها مع شركائها الاجتماعيين. بالرغم من أنه لم تتم الإشارة إلى العاملين بسلك التعليم الأولي ولا إلى الأطر المرتبطة بالنهوض بقطاع الرياضة الذين يدخلان في هندسة القطاع الوزاري. هل النظام الأساسي الجديد هو بداية لتعميم التعاقد على موظفي وزارة التربية الوطنية؟ ظاهريا يبدو أن النظام الأساسي الجديد قطع مع التعاقد، لكنه المساطر القانونية والتشريعية التي رافقت إعداده والتشبث بتسمية الأطر النظامية التابعة للأكاديميات الجهوية مؤشر على استمرار التمييز بين موظفي إدارة الدولة وغيرهم، رغم تنصيصه على سريان مفعول مقتضياته على هذه الأطر النظامية بشكل مماثل لموظفي قطاع التربية الوطنية. وهذا لا يمنع أيضا من إلحاق موظفي قطاع التربية الوطنية ليصبحوا تابعين للموارد البشرية الخاصة بالأكاديمية الجهوية التابع لها مقر عملهم مع بقائهم تابعين لسلكهم الأصلي كموظفين في وضعية إلحاق. لكن ماذا عن إدماج أطر الأكاديميات؟ إن الإشكال الذي يثيره النظام الأساسي الجديد هو طبيعة الإدماج المقصود في صلب مقتضياته، وما يستتبعه من تكييف قانوني للحالة القانونية للموارد البشرية إزاء الإدارة والسلطة المختصة بالتسمية بعد الترسيم. هل فعلا يتعلق الأمر بإدماج مؤدي إلى ترسيم الأطر النظامية التابعة للأكاديميات في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة كما نصت على ذلك الفصل 2 من النظام الأساسي العام للموظفين؟ أم أن الأمر يتعلق بترسيم في الإطار المدمج فيه المعني بالأمر في إطار المماثلة فقط. يتضح من خلال مقتضيات النظام الأساسي الجديد خاصة المادتين 46 و47 أن السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية ستعمل على ترسيم أطر التدريس وأطر مختص في الاقتصاد والإدارة ومختص تربوي ومختص اجتماعي وفق الكيفيات والإجراءات التي سيحددها لاحقا قرار السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، مع استمرار اعتبارها أطرا نظامية مكونة للموارد البشرية الخاصة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بوصفها مؤسسات عمومية خاضعة لوصاية قطاع التربية الوطنية. بهذا الشكل، يبدو أن باب التعاضد بين الموارد البشرية سيصبح مفتوحا على مصراعيه بعد الإدماج بين وزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، خاصة وأن هذا الإدماج سيشمل أيضا الأطر المشتركة بين الوزارات كالمساعدين التقنيين والمساعدين الإداريين والمتصرفين والأطر الأخرى كالتقنيين والمحررين في أطر الهيئات المنصوص عليها في هذا النظام الأساسي الجديد طبقا للمواد 75 و76 و77 منه. لكن السؤال المطروح الآن، لماذا لا تزال تسمية الأطر النظامية المزمع إدماجها حاضرة في تركيبة مقتضيات هذا النظام الأساسي الجديد وأيضا في بنية المادة 11 من القانون 07.00 المحدث للأكاديميات الجهوية كما يطرح تغييره بمشروع مرسوم بقانون رقم 2.23.781؟ الجواب على هذا السؤال مرتبط بطبيعة التحمل المالي للمنصب المالي والانتساب الإداري لبنية إدارة الدولة، فإذا كان الانتساب المالي للأطر النظامية لايزال هو ميزانية الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين ولم يتحول إلى تحمل حكومي من طرف ميزانية الدولة، فإن ذلك سيمكن من إخفاء عبء التحمل المالي للمناصب العمومية من طرف الدولة، وهو ما نجحت في تحقيقه الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2016 بعد لجوئها لتقنية التشغيل بموجب عقود بالرغم من كل أشكال المقاومة الميدانية والنقابية لذلك. ماذا عن سؤال الترسيم؟ بخصوص الترسيم، يلاحظ أن مقتضيات النظام الأساسي الجديد نصت على إخضاع ترسيم المتمرنين من أطر التدريس(الأطر النظامية التابعة للأكاديميات) في المادة 46 لاقتراح الرؤساء التسلسليين وتقرير لجنة الترسيم، وربطت تفعيل أشغالها بإصدار قرار السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية. في مقابل ذلك، تم التنصيص على استمرار العمل بالترسيم بناء على تقرير الرؤساء التسلسليين وعلى تقرير المفتش التربوي بالنسبة لموظفي قطاع التربية الوطنية والأساتذة المبرزين. لكن بالرغم من ذلك، يظل سؤال الترسيم معلقا إلى حين صدور قرار السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية وتحديده كيفيات اشتغال لجان الترسيم وأثرها على انتسابه الإداري. والحال أن الفصل 6 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية يقر صراحة بأن التشغيل بموجب عقود لا ينتج عنه في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة. وهذا يعني أن مطلب الإدماج في أسلاك إدارات الدولة بعد الترسيم لازال غامضا، مادامت الحالة النظامية والتنظيمية إزاء إدارة الدولة ليست موحدة بين موظفي القطاع والأطر النظامية العاملة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين. ما دلالات توسيع العقوبات من درجتين إلى 4 درجات؟ يمكن القول بخصوص العقوبات التأديبية التي جاء بها النظام الأساسي الجديد، أنها لا تتعارض مع العقوبات التسع التي نص عليها الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وإنما جاءت في إطار ممارسة السلطة التنظيمية لاختصاصاتها في هذا المجال مادامت لم تمس بالضمانات الأساسية للموظفين. لكن الملاحظ، أن هذا النظام الأساسي الجديد جاء بعقوبات مستحدثة ومزدوجة خاصة تلك المتعلقة بالدرجة 3 والتي نصت على الإقصاء المؤقت عن العمل مقرونا بالحرمان من الأجرة. وقد كان حريا الاقتصار على عقوبة الحرمان من الأجرة ماعدا التعويضات العائلية لأقل من 6 أشهر انسجاما مع مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية عوض السقوط في مأزق سن عقوبة الاقصاء المؤقت عن العمل دون سند تشريعي لها ولضمانات حق الدفاع في مواجهتها في حالة المنازعات حول مشروعيتها. وهو ما يطرح أيضا إشكالية الخلط بين الإجراءات التدبيرية والمقتضيات القانونية والتنظيمية والمزج بينها داخل مقتضيات هذا النظام الأساسي الجديد، والتي شكلت تمطيطا لبعض العقوبات التأديبية وتفصيلا على مقاس اهتمامات وتطلعات موظفي قطاع التربية الوطنية لبعضها الآخر من قبيل الحرمان من الحركة الانتقالية والترقية كأولويتين بارزتين عند نساء ورجال التعليم. أما بخصوص دلالات توسيع تلك العقوبات، فيمكن القول أن الدلالة الأولى لذلك تروم إضفاء الطبيعة التربوية والمعنوية على العقوبات التأديبية لتكون منسجمة وخصوصية قطاع التربية الوطنية، والدلالة الثانية تذهب إلى أن التدرج في العقوبات وتوسيعها سيسمح للسلطة الإدارية الحكومية أو للسلطة الإدارية بالأكاديميات الجهوية من انتقاء ما يناسبها من عقوبات حسب الحالة لتشمل موظفي القطاع والأطر النظامية للأكاديميات دون أن تكون مقيدة بمنطوق الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والدلالة الثالثة لذلك تتعلق بمحاولة امتصاص الصدمات بين كل درجات تلك العقوبات والاتجاه نحو تقليص حدة التشنج والنزاع وتفادي ارتفاع حجم المنازعات الإدارية في مادة التأديب. خاصة وأن العقوبات الجديدة التي ارتقت إلى المستوى التنظيمي كالحرمان من المشاركة في الحركة الانتقالية وامتحانات الكفاءة المهنية ليست بالجديدة، وإنما كان معمولا بها على المستوى الإداري والتدبيري داخل قطاع التربية الوطنية استنادا إلى التقارير السلبية للجان التفتيش المتضمنة لنقاط متدنية في حق الموارد البشرية بالقطاع. ما هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها من خلال هذا النظام الأساسي؟ يلاحظ أن النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية هيمنت على صياغته لغة المدبر فجاءت مقتضياته هجينة، ويمكن تفسير ذلك بالنظر لاختلاف طبيعة اللغة المستعملة من طرف الفاعلين في لجنة صياغة النظام الأساسي من مدبرين ونقابيين ومستشارين قانونيين. لذلك جاءت صياغة بعض مقتضياته فضفاضة، وأخرى مفصلة بشكل دقيق على غرار مضمون المذكرات الوزارية. كما جاءت بعض فقراته كترجمة مباشرة لمطالب نقابية معلن عنها لتأكيد مشروعية قوة التفاوض النقابي القطاعي وإقناع المنخرطين بما تحقق من مكاسب. يلاحظ أيضا أن مقتضيات هذا النظام الأساسي الجديد تحاول أن تخلق نفسا جديدا داخل منظومة التربية والتكوين، لكن ذلك سرعان ما خلق سرعات متفاوتة من حيث المكاسب والامتيازات التي سيحظى بها موظفو القطاع والأطر النظامية للأكاديميات، مما ينبئ بعدم رضا فئة عريضة من موظفي القطاع تنتمي لأطر هيئة التربية والتعليم مقارنة بما تحقق لهيئة الإدارة والتدبير وهيئة التفتيش والتأطير. من الواضح إذن، أن صناع هذا النظام الأساسي الجديد لم تكن لهم الجرأة القانونية الكافية للتعبير صراحة عن إدماج في أسلاك الوظيفة العمومية لأطر الاكاديميات المتعاقدين من أساتذة وملحقي إدارة واقتصاد وملحقين تربويين يجعل منهم موظفين مرسمين في أسلاك إدارة الدولة، وإنما تم الاقتصار على إدماجهم في الأطر المنصوص عليها في هذا النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية. ويبدو أن الوزارة تسارع الزمن لتغيير المادة 11 من القانون رقم 07.00 بطرحها مشروع مرسوم قانون رقم 2.23.781 على أنظار البرلمان، وذلك من أجل تفادي التعارض القانوني في الحالة التعاقدية أو النظامية التي يكون عليها المستخدمين بالأكاديميات الجهوية، وجعل مقتضيات هذا النظام الأساسي الجديد سارية المفعول على الأطر النظامية التي ستشكل لاحقا إحدى مكونات الموارد البشرية الخاصة بالأكاديميات الجهوية حسب ذلك التعديل.