قال الشيخ محمد الفزازي، أحد أبرز الدعاة الإسلاميين بالمغرب، إن "الفرق بين غالبية هذا الشعب المسلم، وبين العلمانيين، "أننا نرى أن أمير المؤمنين بما يخوله له الدستور من صلاحيات، وبمبايعة الشعب له، هو من يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية، لأنه رأس السلطة، ورمز الدولة، في حين يرى العلمانيون أن العلمانية هي الضمانة". وأبرز الفزازي، في مقال خص به هسبريس، أن الصورة الصحيحة لتوجه المغرب تعطيها الدولة بمؤسساتها ونظامها ومواثيقها ووحدة شعبها على القيم الجامعة، وعلى رأسها الدين الإسلامي، وليس العلمانيون الذين لا يتعدى تعدادهم العشرات أو المئات"، مشيرا إلى أن" صوتهم أشبه ما يكون بصيْحة في واد، أو نفخة في رماد" على حد تعبيره. وفيما يلي نص مقالة محمد الفزازي كما وردت إلى هسبريس: هل الدولة المغربية دولة عَلمانية؟ الجواب لا، وكلا وألف لا. فالدستور المغربي الذي هو العقد الاجتماعي الأول في البلاد، والمُرْتَضى بالإجماع أو يكاد، ينص على إسلامية الدولة لا على عَلمانيتها. يقول الفصل الثالث: [الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية] ليست العَلمانية - كما يزعمون - هي التي تضمن لنا حرية ممارسة شؤوننا الدينية. بل الدولة. والدستور الذي صوّت عليه الشعب المغربي بما يقارب الإجماع. وقد جاء في خطاب عاهل البلاد ليوم الجمعة 17 يونيو 2011م عن دولة المغرب بأنها: [دولة إسلامية، يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية] ومع هذا الوضوح يأبى بعض العلمانيين - الأستاذ أحمد عصيد نموذجا - إلا منازعة الشرعية التي أجمع عليها المغاربة. يقول الأستاذ عصيد بهذا الخصوص: [العَلمانية هي التي ستضمن للمتدينين أن يمارسوا طقوسهم وعباداتهم بكل حرية دون أن يعتدي عليهم أحد]. هذا هو الفرق بيننا نحن غالبيةَ هذا الشعب المسلم، وبين حفنة من العلمانيين. نحن نرى أن أمير المؤمنين بما يخوله له الدستور من صلاحيات، وبمبايعة الشعب له، هو من يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية، لأنه رأس السلطة، ورمز الدولة، في حين يرى العلمانيون أن العلمانية هي الضمانة. فكيف يكون العلمانيون ضامنين لحرية ممارسة الشؤون الدينية، وهذه الشؤون في نظر بعضهم على الأقل تخلّف وتطرف وظلامية، وتجاوزها الزمن، وعرقلة لكل نهوض اقتصادي وحداثي وتنويري...إلخ؟ فاقد الشيء لا يعطيه. إن للأمة المغربية إرادة لا تخضع لأهواء آحاد من الناس، ولا لمزاج تائه بلا وِجهة ولا بوصلة، بل هي كما قال الدستور في الفصل السادس: [القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمّة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له] القانون أم العلمانية مرة أخرى؟ القانون الذي، نحن كلنا ملزمون بالامتثال له.. فالرّافض والمتمرّد إنما يرفض السِّلْم الاجتماعي في العمق دون أن تنفعه حِيَل التشبث بشماعة حقوق الإنسان... والقيم "الكونية" إلى آخر الشنشنة. وإنما يتمرّد على الاستقرار الاستثنائي في البلاد من حيث يشعر أو لا يشعر، بل يتحول إلى ماكينة لصنع التطرّف والغلوّ المقيتين الذَيْن قد يؤديان إلى العنف اللفظي أو حتى العنف الجسدي لا قدر الله. وهو ما لا نرضاه في مجتمعنا الآمن والمسالم. فلا جَرَم أنْ وَجَب تجفيف منابع هذا التطرف من أي جهة كانت... دينية أم علمانية أم غيرهما... التطرف مُدان وألف ألف مرة مدان. وهو خروج على الشريعة السمْحة قبل أن يكون خروجا على الدستور والقانون. إن اتجاه المغرب نحو التقدم والازدهار، مع حفاظه على الأمن والاستقرار، وإعطائه الصورة الحضارية الصحيحة والمستحقة بين الأمم، وجعله قوي العضد والساعد ومُهاب الجانب... وذا كلمة مسموعة في المحافل الدولية... كل ذلك يقع على عاتق المغاربة كلهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، بقيادة ضامن وحدة الأمة وحامي ملتها ودينها... وليس بقيادة أي شارد مارد ليس له في المجتمع صدى ولا موقع قدم. من عرف هذا فقد عرفه، ومن لا يريد ألا يعرفه ... فالشعب كله يريد. الشعب وليس كما يقول الأستاذ عصيد الذي يهذي خارج التاريخ والجغرافيا وهو يظن أنه هو المُحاضر في الحاضر، بل والمنظّر والمناظِر للمستقبل كذلك. ومن هذيانه قوله: [ بأن العلمانيين هم الذين يعطون الصورة الصحيحة لاتجاه المغرب نحو دولة القانون والديمقراطية وعدم العودة إلى الوراء ولا إلى الدولة الدينية، مبرزا بأن العلمانيين هم الذين يحملون رؤية المستقبل] فمن هو الخارج عن القانون؟ ومن هو المخطئ؟ الصورة الصحيحة لاتجاه المغرب تعطيها الدولة بمؤسساتها ونظامها ومواثيقها ووحدة شعبها على القيم الجامعة، وعلى رأسها الدين الإسلامي وليس العلمانيون الذين لا يتعدى تعدادهم العشرات، ولنقل المئات حتى لا يغضبوا. ولولا بعض المنابر الإعلامية المجتهدة في إيصال صوتهم لما شعر بوجودكم أحد. وإلى الآن صوتهم أشبه ما يكون بصيْحة في واد، أو نفخة في رماد... قارن وضعيتَهم الشاذة هذه بوضعية هذا الشعب المتدين بطبعه. في رمضان مثلا عند صلاة المغرب، أتجد أحدا يتحرك في الشوارع سوى من انقطعت به السبل؟ أو سائح غريب؟ أين اختفت ملايين الناس عند سماعهم [الله أكبر]؟ الشعب كان صائما ودخل إلى البيوت والمطاعم ليُفطر. وفي صلاة التراويح تمتلئ المساجد وتمتلئ الشوارع والساحات المجاورة لهذه المساجد كذلك بجماهير هذه الأمّة قائمة لله خاضعة خاشعة؟ إنه الشعب المتدين باختصار. أما الفصل السابع من هذا الدستور، فهو يُدين العلمانيين المنضوين في أي حزب من الأحزاب مباشرة إذا أساؤوا إلى دين الأمة، حيث يقول: [ولا يجوز أن يكون هدفها "أي الأحزاب" المساس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي...] وأي مساس أكبر من المطالبة بمراجعة أحكام قطعية الثبوت وقطعية الدلالة...؟ أي خرْق للدستور المغربي وللإجماع الوطني أكثر فضحا من هذا؟ وقد نص هذا الدستور بالحرف في فصله 175 :[ لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي...] الدستور المغربي، الذي هو دستور الشعب يقول [لا يمكن أن تكون هذه المراجعة...] والعلماني يقول يمكن، بل يجوز...،لا بل يجب...، هل هناك خروج على القانون أوضح من هذا؟ إنه المساس الخطير بالميثاق الكبير. ومن مغالطات العلمانيين القول بأن القوانين الوضعية عَلمانية. وذلك ليبرهنوا على أن الدولة المغربية عَلمانية في واقعها اليومي. وهذه مغالطة مكشوفة. القوانين الوضعية ليست بالضرورة عَلمانية. فقوانين السَّير مثلا، قوانين وضعية، وفي أغلبية أحكامها وتوصياتها وتنظيماتها لا تمس الشريعة الإسلامية... بل هي من الشريعة الإسلامية باعتبارها من المصالح المرسَلة، وأنه حيث ما كانت المصلحة فثم شرع الله كما هو مقرر. وتحديد المصلحة من عدمها تعود إلى أهل الحل والعقد وذوي التخصص، ولا تعود إلى العَلماني الأعمى بأي حال من الأحوال. يقول العَلماني: [والمجال الذي تشتغل فيه الشريعة، هو مجال الأحوال الشخصية، مثل الإرث ومثل إباحة التعدد، وغير ذلك وهذا المجال له مشاكله في المجتمع مما يقتضي مراجعته] هكذا غصبا عن كتاب الله تعالى، ورغما عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما أجمعت عليه الأمة منذ نشأتها... بل وغصبا عن الدستور في فصله 175 كما رأينا. وهناك مغالطة أخرى سافرة تتمثل في قول العلماني: [بأن الدستور يتضمن الحقوق والحريات بالمعنى المتعارف عليه عالميا ويضم سمو المواثيق الدولية على الشرائع الوطنية والمساواة بين الجنسين] وهذه المغالطة تتمثل في اعتبار الشرائع الإلهية شرائع وطنية. هل تشريع الله سبحانه وتعالى تشريع وطني؟ ما هذا؟ هل قرأ العلماني ديباجة الدستور التي هي جزء من الدستور نفسه؟ هل يلقي بالا لخطاب ملك البلاد التاريخي وهو يقرر يوم 17 يونيو 2011م بأنه [تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية، ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية، وذلك في نطاق احترام أحكام الدستور، وقوانين المملكة، المستمدة من الدين الإسلامي] آفة العلمانيين وقوفهم على ما يشتهون من عبارات الدستور، ثم تأويل كل ذلك وفق أجندتهم الخاصة، فيفعلون مثل الواقف على قوله تعالى {فويل للمصلين} يقفون على عبارة [دسترة سمو المواثيق الدولية] دون قيدها وضابطها وشرطها ألا وهو [وذلك في نطاق احترام أحكام الدستور، وقوانين المملكة، المستمدة من الدين الإسلامي] خارج هذا النطاق ليس هناك سموٌّ ولا هم يحزنون. أن نقبل بسمو المواثيق الدولية على الشرائع الوطنية ما لم تتعارض مع خصوصية جامعة للّحمة الوطنية، هذا شيء، لكن أن نجعلها تعلو وتسمو على شريعة أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين فذاك شيء آخر؟ هل فهم العلماني ما قاله ملك البلاد بخصوص مضمون الدستور وسمو القوانين ودين الدولة إلخ...؟ فليفتح عينيه إذن، إني لمذكّره: [فمن حيث المنهجية، حرصنا - يقول الملك - ولأول مرة في تاريخ بلادنا، على أن يكون الدستور من صنع المغاربة، ولأجل المغاربة] الدستور المغربي من صنع المغاربة. والمغاربة أرادوها إسلامية لا عَلمانية، بقيادة ملكٍ أميرٍ للمؤمنين مبايَعٍ من قبل هذا الشعب المسلم. ويقول الملك أمير المؤمنين أيضا: [وأما من حيث المضمون، فهو "أي الدستور" يؤسس لنموذج دستوري مغربي متميز، قائم على دعامتين متكاملتين. وتتمثل الدعامة الأولى، في التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية، التي نحن على استمرارها مؤتمنون، وذلك ضمن دولة إسلامية، يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية] انتهى. هل العمانية من الثوابت الراسخة للأمة المغربية؟ هل دولة إسلامية معناها دولة عَلمانية؟ لا أيها العَلماني، ليس لكم فيما تزعمون معَضّ ولا مستمسَك. تمعّن في عبارة [يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين] حماية الدين بعقائده وشرائعه وشعائره وأخلاقه وقيمه] فإذا كان لك أن تتأول [دولة إسلامية] بأنها دولة أغلب سكانها مسلمون، فإن عبارة [حماية الملة والدين] فاصلة وقاصمة. ولا تسأل عن المخطئ وعن الذي يأخذ من الدستور بعض العبارات فقط. أنت أيها العلماني من لا يعيش معنا وإن كنت تأكل من طعامنا وتمشي في أسواقنا. أنت خارج المغرب روحا وفكرا وموالاة وإن كنت معنا جسدا. أنت لا تعترف بشيء اسمه [إمارة المؤمنين] لأنك لا تجد هذا النمط الإسلامي الخالص في الحكم ضمن المواثيق الدولية، في حين هي عند المغاربة من خصوصيتهم التي تسمو على تلك المواثيق. وأنت لا تعترف بشيء اسمه [بيعة] لأنك لا تجد ذلك في ينابيع فكرك المستورد والمستنسخ. على حين تبقى البيعة منهجا إسلاميا خاصا وخالصا من خصائص هذا الشعب. بيعة لا تنازل عنها ولا تحتمل المراجعة مثلها مثل الدين الإسلامي كما ينص على ذلك الفصل 175 من الدستور الذي صنعه المغاربة. فعن أي علمانية يتحدثون؟ إنهم خارج التاريخ المغربي وجغرافيته. لأن أفكارهم مستنسخة وغير راسخة. فلا هي أصلية في ذاتها، ولا هي أصيلة ومؤصلة. تصوراتهم تتخبط بدون بوصلة. آراؤهم كالزرع الفاسد لا ينبت في تربتنا الخصبة، مهما حاولوا وجددوا المحاولة.. وأخيرا أقول: إنه لا يليق بمن يزعم أنه يحمل فكرا مجتمعيا، أو رسالة "تنويرية" حتى وإن كانت في نظرنا لا تساوي جناح بعوضة، أن يتعرض لأحوال الأشخاص الخاصة بالقول بأن فلانا له من الزوجات كذا ومن الأولاد كذا... فهذا الأسلوب مشين ومعيب، ولا يمت إلى جدية الحوار بصلة. وهو يشي بالخواء الفكري وقلة الحيلة في مقارعة الحق الأبلج. وما دمنا في بلاد الإسلام تحت ظل إمارة المؤمنين... وما دام دفتر الحالة المدنية المغربي يضم بين دفّتيه أربع صفحات مخصصة لأربع زوجات... وصفحات للأطفال فوق تعدادهم مهما بلغ عددهم، فنحن إذن في وضعية شرعية وقانونية سليمة بلا غرابة ولا عجب... والعجب كل العجب في من تزوج واحدة - ربما - على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويحمل عقد نكاحه في جيبه، وهو معارض ومعترض على أحكام الإسلام التي باسمها حرر عقد نكاحه، وباسمها رُزِق بأولاد من نكاح وليس من سِفَاح. وكم من رافض لمثنى وثلاث ورباع في الحلال، وفي المقابل له من الحريم الحرام خماس وسداس وسباع... وقد يغيّر العشيقات كما يغير جواربه... ولا حول ولا قوة إلا بالله.