[email protected] لمحة موجزة عن تاريخ الاسلام بالمغرب دعونا بداية قبل ان نتحدث عن كون المغرب دولة مسلمة او اسلامية او مدنية ان ننظر الى تاريخ الدين الاسلامي بالمغرب .. متى قدر للمغرب ان يحتضن الاسلام ؟ و بعبارة اصح متى قدر للمغرب ان يحتضنه الاسلام ؟ تقول المعطيات التاريخية انه :” خلافا لأقاليم وبلدان المشرق لم يكن فتح المغرب بالشيئ الهين، فقد استغرق الأمر نصف قرن من 646م إلى 710م ” . و باعتناق المغاربة للإسلام ظهرت أول دولة إسلامية بالمغرب بدخوله تحت حكم الادارسة ظهرت بوادر انفصال هذا الإقليم عن الخلافة بالمشرق. عقب عدة محاولات تحققت هذه الرغبة بظهور أول دولة إسلامية بالمغرب هي دولة الأدارسة سنة 788م.” اذن ، اذا سلمنا بهذه الحقائق التاريخية فما علينا الا ان نسجل اعترافا مبدأيا مفاده ان الدين الاسلامي يستمد مشروعيته كدين رسمي للبلاد من تاريخه العريق (ازيد من 12 قرنا ) ، وقبول المغاربة به كدين لا يبتغون عنه بديلا ، قبل ان يستمدها (اي المشروعية) من اي مكون او مصدر اخر .ولذلك شكل الاسلام مصدر قوة وتوحيد للمغاربة بجميع مكوناتهم منذ تشربوا تعاليمه السمحة ، و لم يكن مصدرا للشتات على الاطلاق . اسلامية الدولة بين الدستور الحالي و مشروع الدستور الجديد في تصدير الدستور الحالي نقرأ : ” المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير “. وفي تصدير مشروع الدستور الجديد المطروح للاستفاء الشعبي نقرأ ” المملكة المغربية دولة إسلامية، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء “. والفصل السادس من الدستور الحالي ( 1996 ) ينص على ان : ” الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية “. و مشروع الدستور الجديد ينص في فقرة من فصله الاول على ان :” تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي” . والفصل الثالث من مسودة المشروع ينص على ان ” الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية “. ماذا تغير اذن ؟ تغير الدستور واضيفت اليه مجموعة من التعديلات و الاصلاحات ، لكن المغرب ظل “دولة اسلامية ” ، رغم بعض الاصوات الضعيفة التي كانت تطالب بالتنصيص في و ثيقة الدستور على ” ضرورة ” ان يكون المغرب دولة علمانية او مدنية ، ورغم بعض الاصوات البرغماتية التي ارادت الكيل بمكيلين ، وفضلت ان تعمل بالتقية وعدم الوضوح مطالبة استبدال ” الاسلامية ” ب ” مسلمة” ، و الفرق بين الحمولة المعرفية للمصطلحين واضحة و جلية لا تخفى على ذي لب ، لكن الحمكة المغربية انتصرت على المكر . اسلامية الدولة و امارة المؤمنين بالمغرب قبل الحديث عن امارة المؤمنين بالمغرب ، لابد من طرح بعض الاسئلة التي نراها معقولة من قبيل : هل يمكن للنظام العلوي الذي يمتد نسبه الى بيت النبوة ان يتخلى عن الاسلام ؟ و اذا افترضنا جدلا انه يستطيع فعل ذلك فهل ستبقى له اي مصداقية و مشروعية لتولي زمام الحكم في البلاد ؟ ثم هل يمكن ان نتصور الملك اميرا للمؤمنين او نتحدث عن امارة المؤمنين في ظل حكم مدني او علماني ..؟ لكن في المقابل هل المغاربة كلهم مؤمنون ؟ وهل يعني التنصيص على اسلامية الدولة في الدستور اقصاء للاقليات الاخرى اليهودية و النصرانية و ..؟ مجرد اسئلة يفرضها الحديث عن ” حرية المعتقد ” .. في حوار مع جريدة التجديد اوضح الدكتور احمد الريسوني إن شعار حرية المعتقد سيفتح “الباب للدسترة غير المباشرة للحق في الإلحاد والتنصير”، قبل أن يضيف أن ذلك “سيحتم إعادة تفسير وإعادة موضعة إمارة المؤمنين”. وتساءل الريسوني “ماذا لو نودي ذات يوم بأن غير المؤمنين أصبحوا يمثبون نسبة كبيرة أو يمثلون الأغلبية، وهم بالضرورة غير معنيين بصفة امير المؤمنين ولا داخلين تحت مقتضياتها؟ أم أن هذا ما يرمي إليه صناع الدستور الجديد؟” لكن .. ما المقصود بامارة المؤمنين ؟ عند بحثنا عن المقصود بامارة المؤمنين نجد ان المقصود بها في شريعة الإسلام، الرئاسة العظمى والولاية العامة الجامعة، القائمة بحراسة الدين وسياسة الدنيا والقائم بها يسمى: “الخليفة” لأنه خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ويسمى أيضا ” الإمام” لأن الإمامة والخطبة في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وعهد الخلفاء الراشدين لازمة له لا يقوم بها غيره إلا بطريق النيابة عنه، كما يسمى “أمير المومنين” . وهو الوالي الأعظم، الذي لا والي فوقه ولا يشارك في مقامه غيره. وأصل مشروعية إمارة المومنين تستمد من إجماع علماء الإسلام من عصر الصحابة والتابعين وأهل السنة والمرجئة والشيعة والمعتزلة والخوارج باستثناء نفر منهم يسير على أن الإمامة أمر واجب وفرض محتم.قال ابن حزم في كتاب الفصل :”اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة، وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم-”.قال المارودي في الأحكام السلطانية:” فإذا ثبت وجوب الإمامة، ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم فإذا قام بها من هو من أهلها سقط فرضها عن الكافة”، ووجوبها عند الأشاعرة والمعتزلة هو وجوب شرعي . ويستند هذا الاجماع على إشارات في كتاب الله وسنة رسوله، فقد ذكر الماوردي:” إن الشرع جاء بتفويض الأمور إلى ولي في الدين، قال الله عز وجل في سورة النساء:” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”. في تصريح ل”التجديد” ، في وقت سابق ، قال الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة إن مصطلح إمارة المؤمنين ينتمي إلى القاموس السياسي الإسلامي، وهو مصطلح يرتبط أساسا بمقدمات؛ منها أولا الانطلاق من أن الإسلام دين ودولة، وأن له نظاما سياسيا يتميز به، ثم بعد ذلك تأتي قضية البيعة وهي الميثاق والصلة بين الحاكم والمحكوم، مشددا على أن هذه الصلة حقيقية وليست افتراضية على نحو ما أوحت به نظرية العقد الاجتماعي، ثم بعد ذلك – يوضح بنحمزة- يأتي نظام إمارة المؤمنين باعتباره هو الذي يكون معه التعاقد على البيعة، والذي يتمثل فيه ويتشخص وجود نظام سياسي إسلامي. انطلاقا من هذه الادبيات التي تعتبرعقيدة راسخة لدى المغاربة نص الفصل 19 من الدستور الحالي على ان “الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي ،حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ” . وفي مشروع الدستور الجديد ينص الفصل 41 منه على أن ” الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية “. وتقوية لهذه الدعامة تم في مشروع الدستور الجديد دسترة المجلس العلمي الاعلى الذي يرأسه الملك . حيث جاء في الفصل 41 نفسه “يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر. ” بناء على هذه المعطيات يمكن ان نقول بان المغرب كان دولة اسلامية و سيبقى كذلك ، رغم ضغط بعض الاطراف من الداخل و الخارج من اجل التخلي عن الصفة الاسلامية للدولة ، ويمكن ان نسجل ايضا ان ” امارة المؤمنين ” التي اصبحت مؤسسة قائمة بذاتها و ليس مجرد صفة ، تعتبر اول ركيزة و اكبر دعامة للحفاظ على لحمة المغاربة و امنهم الروحي ، خاصة و ان نسبة المسلمين في المغرب حسب بعض الدراسات تشكل 98 بالمائة . موقف المغاربة من الهوية الدينية للدولة تفاوتت التوجهات و تباينت الاراء بخصوص هذه المسألة خصوصا بين العلماء و المثقفين وبعض الاحزاب و الحركات الاسلامية ، لكن ربما لم يجمع وطنياعلى مسألة كما اجمع على ضرورة التنصيص دستوريا على اسلامية الدولة ، رغم بعض الاصوات غير المسموعة التي كانت تنادي بعلمنة الدولة ، لا لشيء الا لان المغاربة ، بالفطرة ، يستطيعون المساومة والتنازل عن كل شيء الا عن دينهم . وهذا ما اتضح جليا في البيانات و التصريحات التي خرج بها كل من المجلس العلمي الاعلى ، و حركة التوحيد و لاصلاح ، و حزب العدالة و التنمية ، وحزب النهضة و الفضيلة ، و موقف التيار السلفي الذي عبر عنه كل من الفزازي و المغراوي ، ثم موقف التيار الصوفي الذي عبرت عنه الطريقة القادرية البودشيشية و بعض الطرق الصوفية الاخرى . بل حتى جماعة العدل و الاحسان المعارضة لم تسجل اعتراضها على اسلامية الدولة ، بل اكتفت بانتقاد طريقة الحكم و التسيير فقط … بل حتى ذلك الانسان الامي العامي الذي لا يفهم شيئا في الدين و لا في السياسة ، هل يمكن ان يستوعب المقصود من كون الدستور المغربي ينص على ان الدولة ليست اسلامية بل علمانية ؟ الا يمكن ان يتصور هذه العلمانية دينا اخر في مقابل الاسلام ، و ربما قد يتصورها كفرا ، هل يمكن ان تقنع جدتك ، او امك ، او اي انسان عادي اخر بان المغرب لم يعد دولة اسلامية ؟ ؟ ان الاسلام دم يجري في عروق جميع المغاربة لا يمكن ان يقدموا عليه الا الشهادة في سبيله .. وقرصنة البعد العربي و (الاسلامي) في الهوية المغربية وطمسه _ كما يقول احد الكتاب _ سيؤدي إلى الافتراء على هويتنا، وإلى اختزالها وتشويهها، وبترها عن تاريخها وعن حقيقتها، ولذلك لن يفلح القائمون على هذه القرصنة في مسعاهم الخائب هذا. الشعب المغربي متشبث بهويته العربية الأمازيغية الإسلامية. لا يمكنه أن يسمح لأي قوة سواء كانت في الداخل أومن الخارج أن تتلاعب بها. الهوية المغربية خط أحمر. الشعب الذي قاوم الاستعمار وطرده من ديارنا، والذي تصدى للأوفقيريين وللدلميين وللبصريين، وقاوم مخططاتهم وهزمها، قادر على أن يقف في وجه الذين يفكرون في المس بهويته الحقيقية، ولن يقبل منهم أن يُلبسوه هوية على مزاجهم الخاص. كل محاولة في هذا الباب مآلها الفشل الحتمي، وستكون مغامرة غير مدروسة، وقد ترتد على أصحابها بأوخم العواقب، حتى وإن تم التنصيص عليها في الدستور. على سبيل الختم ختاما يقول الدكتور عمر بن حماد نعم أيضا (يقصد للدستور) لأننا نقدر انه ليس في المشروع المعروض ما يمكن اعتباره خطا أحمر يهدد كيان الدولة الإسلامية التي عرفها المغاربة منذ قرون، بل الذي فيه هو كثير من الإيجابيات وبعض الملاحظات والانتظارت. ومن الرشد تثمين الإيجابيات ومواصلة المطالبة باستدراك النقص. لأن الحديث هنا عن عمل بشري محكوم بقوله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)، والدستور البشري أيا كان سيبقى محتاجا للتعديل والمراجعة والإتمام ما بقي بشر على الأرض يسير، ولا أدل على ذلك أن بعضا من الذين صوتوا بالأمس للدستور الحالي هم الذين طالبوا بتعديله، ثم هم اليوم يقررون في شأنه… وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وحينها يقف الناس بين يدي رب العالمين لدفع الحساب عما بذلوه في دنياهم. ويضيف ، ومن أجل كل ما سبق نقول نعم للدستور ونتبعها ب: “حي على حسن التنزيل وتمام التفعيل” والأمر هنا يعني الجميع الأفراد والهيآت أحزابا ونقابات وجمعيات. فلقد صار معلوما أن الذي ينقصنا ليس النصوص على أهميتها ولكن الذي ينقص هو التنزيل الصحيح والحذر الشديد من الالتفات والتعطيل وسوء التأويل. ونعتبر بأن الحديث النبوي الشريف تصدق مضامينه على مشروع الدستور بأن يحمله العدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. اذن ، دعونا نعترف بان مشروع الدستور فاق حتى سقف مطالب الاحزاب المغربية التي لم تستوعب بعد بعض مضامينه ، ودعونا نعترف كذلك بالفضل الذي يرجع لحركة 20 فبراير التي طالما نادت بالاصلاحات الدستورية ولا زالت تلح على ضرورة المضي في طريق الاصلاح الديموقراطي رغم ما ووجهت به من قمع ن وما رميت به من تهم ثقيلة . واخيرا دعوني اضم صوتي الى كافة المغاربة واعترف بان هذه الفترة التاريخية جد دقيقة و حساسة تستوجب من المخزن و من الاحزاب ومن الحركات ومن جمعيات المجتمع المدني وكل المغاربة و المغربيات ، افرادا و مؤسسات ، التكتل و التوحد والتحمل من اجل المساهمة في بناء المغرب الذي نريد .. هذا المغرب الذي تقلنا ارضه و تظلنا سماؤه جميعا ، رغم ان شمسه تحرق البعض منا اكثر من البعض الاخر الذين ابتكروا طرقا خاصة للاستظلال . (…) واذا تم التصويت ب ” نعم ” يوم الجمعة القادم ، فما على المغاربة الا ان يحكموا العقل ، و ينتقلوا من مرحلة التصويت الى مرحلة التنزيل و التفعيل حفاظا على مكتسبات و حقوق المغاربة الذين قدموا ، و لا زالوا يقدمون ، ضريبة التغيير .. لكن هل سنكون في مستوى متطلبات المرحلة ؟؟ الايام القادمة حتما ستحمل معها الجواب .. * هذه المقالة في اصلها عبارة عن محاضرة شاركت بها في الندوة التي نظمتها الجمعية الامازيغية لمساندة الشعب الفلسطيني بوجدة الاحد الماضي حول “اللغة و الثقافة و الهوية في مشروع الدستور الجديد ” . شارك -------- أضف تعليقا Click here to cancel reply. الإسم (مطلوب) البريد الإلكتروني (لن ينشر مع التعليق) (مطلوب) الموقع الإلكتروني