شهدت الساحة الإعلامية مؤخرا جدلا اقتصاديا وسياسيا شديدا يتعلق بمسألة إنشاء البنوك الإسلامية بالمغرب، خاصة بعد أن صادقت الحكومة على مشروع بهذا الشأن، ومساهمة منا في إثراء النقاش العلمي الجاد في هذه النقطة، تأتي هذه المقالة كمحاولة لتسليط الضوء على جانب مهم من النشاط الاقتصادي والتجاري لهذه البنوك المتمثل في كيفية توظيفها للقروض، بحيث سأحاول إجراء مقارنة بينها وبين البنوك التقليدية في هذه النقطة بالذات، وسأبين مدى اختلاف نظرة كلا الإتجاهين للقرض، ويتجلى عنصر الاختلاف بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية في مسالة الفائدة، فالقرض في البنك التقليدي يتم بموجب عقد بين المتعامل والبنك، يقدم فيه البنك مبلغا معينا من المال لهذا المتعامل بشرط أن يلتزم هذا الأخير برده مع فوائده في الأجل المحدد في العقد، أما البنوك الإسلامية فلها موقف حازم ضد الفوائد، فهي تقدم القرض بشرط التزام المقترض برد نفس المبلغ دون زيادة ودون احتساب أي فوائد، غير أن هذه البنوك الإسلامية تضع شروطا قاسية يجب توفرها في من يريد الاستفادة من قروضها، أما الشيء الغير متوقع من هذه البنوك الإسلامية هو أنها تفرض على المستفيدين من قروضها دفع بعض التكاليف المالية أو ما تسميه هذه البنوك بالمصروفات الإدارية للقرض وهذا يتناقض مع ما تدعيه هذه البنوك من التزام بشرع الله ولكي تتضح الصورة بشكل جيد فقد عمدت إلى تقسيم هذه المقالة إلى مطلبين أساسيين: المطلب الأول: توظيف القرض في البنوك الإسلامية. المطلب الثاني: توظيف القرض في البنوك التقليدية المطلب الأول: توظيف القرض في البنوك الإسلامية. إن توظيف القرض في البنوك الإسلامية يقوم أساسا على منح البنك مبلغا معينا من المال، لشخص من الأشخاص يكون عادة أحد العاملين فيه أو أحد المتعاملين معه، بشرط أن يضمن ذلك الشخص سداد القرض، دون تحميله أية أعباء أو عمولات، أو مطالبته بفوائد، أو بأي زيادة، بل يكتفي البنك باسترجاع أصل المبلغ الذي اقرضه. لكن هناك من انتقد هذه الصورة المثالية للبنوك الإسلامية فهناك تناقض واضح بين ما يحكى عن هذه البنوك الإسلامية من رفق بالمتعاملين ومساعدتهم وبين الواقع الحقيقي الذي يبين أن هذه البنوك في حقيقة الأمر لا تختلف عن البنوك التقليدية التي تفرض فوائد كبيرة على المتعاملين معها إلا بالاسم، تقول الدكتورة عائشة الشرقاوي:« وقفنا في محاولتنا للتعرف على تطور القروض، كأداة عمل مستخدمة من قبل البنوك الإسلامية أمام تناقض بين النظرية والتطبيق، فالنظرية تقول من حيث المبدأ أن القروض بدون فوائد مدعمة بمبدأ المشاركة هي البديل الشرعي للقروض بالفوائد، والتطبيق عكس ذلك، إذ لا تحتل القروض المكانة التي من المفروض أن تكون لها، من بين بقية الأدوات التوظيفية الأخرى، كما أن النظرية تقول أن القروض يجب أن تكون حسنة، أي بدون أي عائد عليها، والتطبيق يثبت أن {البنوك الإسلامية} تأخذ رسوما في مقابلها فضلا عن الضمانات التي تطالب بها المتعاملين». ومن ثم فإن القرض يكون عادة في أضيق نطاق، حيث يصعب على البنك الإسلامي التوسع فيه، فهو يعطي مبالغ جد محدودة وبشروط قاسية، وسبب هذا التضييق والتحفظ هو مخافة الضرر بمصلحة البنك والمساهمين فيه. فهناك إذن تناقض بين الشعارات التي نادت بها هذه البنوك، وبين التطبيق العملي فمنذ بداية التجربة، ومؤيدوها ومنظروها، ينادون بأن البديل الإسلامي للقروض بالفوائد، هو المضاربة والمشاركة بالأساس، بينما البديل المنطقي، هو القروض بدون فوائد أي القروض الحسنة، وهو ما لم تلتزم به هذه البنوك بدعوى صعوبة تطبيقه، وكونه لا يعطيها المردودية الكافية، وهي هيئات مالية تهدف إلى الربح. وهذه الحالة تنطبق على معظم البنوك الإسلامية، وبالتالي فالبنوك التي تمنح القرض الحسن الخالي من الفوائد والزيادات قليلة جدا. ومن هنا فإن القرض الحسن الذي يمنحه البنك يدور حول محورين أساسيين هما: أولاً: التنفيس عن المسلمين في كربهم. وبمعنى آخر مواجهة الأزمات التي قد يتعرض لها المسلمون سواء أكانت أزمات ذات طابع اقتصادي أو ذات طابع اجتماعي له أبعاد اقتصادية، وخير مثال على هذه الأزمات أعباء الزواج والتعليم ومصاريف العلاج في حالة المرض، وحالات الوفاة وغيرها من الأزمات التي قد تحدث للأفراد. ثانياً: التيسير على المعسرين. وهو من أهم محاور القروض الحسنة، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، و جدير بالذكر أن البنوك الإسلامية كثيرا ما تواجه أثناء نشاطها بحالات من إعسار العملاء، ومن ثم فإنها قد ترى تمويل بعض أنشطة العملاء بقروض حسنة لإقالتهم من عثرتهم لكن يجوز أن يأخذ البنك مقابلاً للتكاليف والمصروفات الإدارية التي أنفقها مقابل منح القرض شريطة أن لا تزيد عن المصاريف الفعلية وأن لا ترتبط بأجل. صندوق القرض الحسن: أولا: هدف صندوق القرض الحسن. وهذا هو الجانب التطبيقي للقرض الحسن، حيث يهدف صندوق القرض الحسن إلى إحياء صور التكافل الاجتماعي في المجتمع وزيادة أواصر الإخاء والمساعدة بين الأفراد. ثانياً: مصادر تمويل صندوق القرض الحسن. تكمن أهمية هذه النقطة في معرفة مصدر المال الموضوع في هذا الصندوق وكيف يتم تمويله، وهنا أنقل كلام الكاتب يوسف عاشور حيث يقول:« يعتمد صندوق القرض الحسن في تمويله على ما يلي: -المبالغ التي يخصصها المصرف من رأس ماله أو من أي مصادر أخرى كالحسابات الجارية. -المبالغ التي يودعها أهل الخير للاستفادة منها في صندوق القرض الحسن. - التبرعات المقدمة من المحسنين في هذا الصندوق. -عوائد استثمار الأموال المتراكمة في هذا الصندوق - نسبة من الغرامات المترتبة على المتعاملين مع المصرف نتيجة إخلالهم بشروط العقود التي يبرمها معهم». ومن خلال هذه النقط التي ذكرناها نلاحظ أن البنوك و المصارف الإسلامية لا تعتمد في نشاطها الاقتصادي والتجاري على الإقراض كنشاط أساسي. بل تعتبره نشاطا ثانويا فقط ، حيث تعتمد أساسا في تمويل صندوق القرض الحسن على التبرعات والغرامات والخصومات ونسبة قليلة من رأس ماله. شروط منح القرض الحسن: لا تمنح البنوك الإسلامية القرض عشوائيا، بل لابد من توافر عدة شروط في من يريد الاستفادة من هذه القروض وهذه الشروط ذكرها الكاتب عاشور يوسف في كتابه«مقدمة في إدارة المصارف الإسلامية» حيث قال:«تتحقق المصارف الإسلامية في منح القرض من الآتي: 1 أن يكون طالب القرض مسلما ملتزما بأمور دينه. 2 التحقق من مشروعية الأسباب المطلوب من أجلها هذا القرض. 3 التحقق من الحاجة الفعلية للقرض وذلك بإجراء دراسة اجتماعية أو بتقرير مقدم من جهة رسمية عاملة في هذا الميدان. المطلب الثاني: توظيف القرض في البنوك التقليدية. يعد الائتمان العمل الأساسي للبنوك التقليدية، ومحوره تقديم القروض لمن يطلبها، وتتوفر فيه شروطها، سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، مع التزام أي مقترض، بإرجاعها لها، مضافاً إليها الفوائد المقررة عليها، عند حلول الآجال المحددة، وتنهج البنوك في تقديمها للقروض، المضاربة على الفرق بين الفوائد التي تأخذها من المقترضين وتلك التي تقدمها لأصحاب الودائع، علماً بأن هذه الأخيرة، تكون دائماً أقل من الأولى. ومن ثم، فإن القرض أو الإقراض يعد من أبسط صور الائتمان المباشر الذي تمنحه البنوك لزبنائها وأَقْرَبِهَا، من حيث الخضوع للقانون، إلى القواعد العامة الواردة في الفصل 856 وما يليها من قانون الالتزامات والعقود، على اعتبار أن أحكام القرض البنكي لا تختلف بكثير عن أحكام عقد القرض العادي، وخاصة فيما يتعلق بتسليم المال موضوع العقد ورده وتحديد الضمانات اللازمة له إن اقتضى الحال. والغالب في الأمر أن يكون للزبون المستفيد من القرض البنكي حرية استعمال الأموال المقترضة فيما يناسبه من غير أن يكون للمؤسسة البنكية مانحة هذا القرض أي اعتراض على ذلك، ما لم ينص العقد الرابط بين الطرفين بهذا الشأن على تخصيص المبلغ المقترض لإنجاز عملية معينة أو غرض معين. وبذلك يعتبر الإقراض من أهم النشاطات المصرفية للبنوك التقليدية فهو يشكل مصدراً من أموال البنك التقليدي وهو مجال استخدام تلك الأموال، ويقوم البنك التقليدي بدفع فائدة على مصادر الأموال المقترضة على شكل ودائع مثل توفير لأجل ويأخذ على مصادر الأموال المقرضة على شكل قروض وسلف و تسهيلات بنكية, وجميع أشكال القروض التي يتعامل بها البنك التقليدي هي قروض ( ربوية) مشروطة فيها الزيادة على الأصل ومربوطة فيها الزيادة بالأجل. وقد تأخذ القروض البنكية إما شكل قروض عادية، أو شكل اعتمادات مصرفية، ففي الحالة الأولى، يحصل الزبون على مبلغ القرض دفعة واحدة، ويقدم هذا النوع أما بصفة مستقلة أو تضاف لحساب الزبون الجاري، إذا كان متوفرا عليه، وفي الحالة الثانية، فإن البنك يضع مبلغا معينا رهن إشارة الزبون خلال فترة زمنية محددة، ويحق لهذا الأخير أن يسحب منه متى شاء، وبالمبالغ التي يريد، شرط الاعتماد واجله، وهذا يعني أن الزبون لا يحصل على مبلغ القرض مرة واحدة، وإنما في مرات متعددة، أي كلما كان بحاجة إلى ذلك، وهو ما يعرف بفتح الاعتماد، الذي يكتسي خصائص تميزه عن صورة القروض العادية. وبالرغم من أن القرض البنكي يخضع في جل أحكامه للقواعد العامة الواردة في القانون المدني، فإنه يشكل عملا تجاريا بالنسبة للبنك الذي يعتبر تاجراً بحسب الشكل...أما بالنسبة للمقترض، فإن ما يستفاد من لزوم المشرع المغربي الصمت بهذا الخصوص هو أن القرض البنكي لا يكون عملا تجارياً بالنسبة للزبون إلا إذا كان هذا الأخير تاجرا وكان القرض مرتبطا بأعماله التجارية، ومع ذلك فإن القرض البنكي يكون عمليا منتجاً للفوائد لصالح البنك المقرض وفق المقتضيات العامة المنصوص عليها في المادة 871 من قانون الالتزامات والعقود وما يليها، والمقتضيات الخاصة الصادرة تطبيقا لهذا القانون، وكذا المقررات التنظيمية الصادرة بهذا الخصوص من قبل وزير المالية والاقتصاد ووالي بنك المغرب. وتجدر الإشارة إلى أن القروض البنكية تخضع في تنظيمها لقوانين متعددة عامة، كقانون الالتزامات والعقود والقانون التجاري والقانون البنكي، فقانون الالتزامات والعقود وضع فقط الملامح الرئيسة للقرض بصفة عامة، ولم يتعرض للتفاصيل، ونفس الشيء بالنسبة للقانون التجاري فرغم أنه أكد على أن البنك والقرض والمعاملات المالية تعتبر أعمالا تجارية فإنه ترك أمر التفصيلات والأحكام الخاصة للقروض البنكية للقانون البنكي. خاتمة: إن توظيف القرض من طرف البنوك الإسلامية في حقيقة الأمر لا يختلف كثيراً عن توظيف البنوك التقليدية، فإذا كانت هذه البنوك التقليدية تشترط فائدة على المقترضين وتستغل حاجة الناس إلى الأموال وتزيد في نسبة هذه الفوائد الربوية إذا تعثر المقترض في السداد، فإن البنوك الإسلامية رغم ما يقال عنها من أنها لا تتعامل بالفوائد ولا تأخذ أية عمولات من المقترضين فإن هذه الصورة المثالية لا تسلم من النقد، فالبنوك الإسلامية أولاً لا تعتبر الإقراض نشاطاً رئيسياً بل تعتبره فقط نشاطاً ثانوياً، إضافة إلى أنها تضع شروط قاسية يجب توفرها في من يريد الاستفادة من القرض، أما الشيء الغير متوقع من هذه البنوك الإسلامية هو أنها تفرض على المستفيدين من قروضها دفع بعض التكاليف المالية أو ما تسميه هذه البنوك بالمصروفات الإدارية للقرض وهذا يتناقض مع ما تدعيه هذه البنوك من التزام بشرع الله. *طالب باحث في ماستر أحكام الأسرة في الفقه والقانون كلية الشريعة والقانون أكادير