لَمْ يتأخّر ردُّ النساء الاتحاديات على الانتقادات الكثيرة التي طالت الكاتبَ الأوّل لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، عقب دعوته إلى مراجعة أحكام الإرث في أفق الوصول إلى المساواة بين الجنسين، والتي وصلت إلى حدّ تكفيره؛ ففي أوّل ندوة للجنة المساواة وتكافؤ الفرص التابعة للحزب، نالَ مَن أسماهم المشاركون والمشاركات في الندوة ب"المحافظين" سيْلا من الانتقادات، بمن فيهم أعضاء المجلس العلميّ الأعلى. وتساءلت إحدى الاتحاديات، عمّا يجعل فقهاء المجلس العلمي الأعلى، وغيرهم من فقهاء المملكة، يصمتون عن عدم تطبيق أحكامٍ واردة في القرآن، تحمل صبغة النصوص القطعيّة، خصوصا ما يتعلق بأحكام الحدود، ولا يتحدّثون إلا عندما يتمّ طرح مسألة المساواة بين الجنسين في الإرث؛ وتساءلت المتحدّثة: "أين كان هؤلاء الفقهاء عندما وُضع القانون الجنائي؟ وأين كانوا عندما صادق المغرب على عدد من المواثيق والاتفاقيات الدوليّة، المتضمّنة للمساواة، مثل العهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسية؟". ووصفتِ المتحدّثة فقهاء المجلس العلميّ الأعلى بأنهم "خارج التغطية، ويجهلون ما يجري في العالم، نظرا لعدم تواصلهم مع أفراد المجتمع"، وأنهم، باعتراضهم على مبدأ المساواة في الإرث بين المرأة والرجل "يساهمون في تكريس الظلم الذي يطال المرأة"، موجّهة لوْما للعالمات اللواتي يشتغل داخل المجلس، على سكوتهنّ على "الظلم الذي تتعرّض له النساء"، داعية إيّاهنّ إلى "إقامة ثورة داخل المجلس العلمي الأعلى، على الأفكار والآراء الفقهية السائدة حاليا داخل المجلس، من أجل التنبيه إلى أنّ عدم المساواة فيه انتهاك لحقوق المرأة". "نحن بحاجة إلى إسلام الشعب لا إسلام المخزن" وشرّح الباحث أحمد عصيد، السياق الذي جاءت فيه ردود الفعل "العنيفة" على دعوة إدريس لشكر إلى المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، قائلا إنّ ردود الفعل هذه جاءت في سياقٍ تطبعُه خاصِّيتان، الأولى تتمثّل في خوف الحداثيين والديمقراطيين من العودة إلى الوراء، والتراجع عن المكتسبات المتحقّقة في مجال الحقوق والحريات، فيما تتمثّل الخاصيّة الثانية في تزايد العنف الرمزّي، من خلال الخطاب، والعنف المادّي، من خلال السلوكيات، "بسبب الفهم الخاطئ لمعنى الحريّة من طرف الجهات المروّجة لهذا الخطاب والمُمارِسة لهذه السلوكيات". وأرجع عصيد سبب سوء استعمال الحرّية إلى "طول الأمد الذي قضّيناه في الاستبداد"، وهو المُعطى الذي رأى فيه أنّه يصنع مناعة في ذهنيّة الناس تحُول دون التحرّر من الأفكار المترسّخة على مدى عقود، حتى وإنْ زال الاستبداد، موضحا أنّ المساواة هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، وأنّ رفض التّسليم بهذا الأمر مَردُّه أنّ المجتمعات العربيةَ والإسلامية، لم تحسم بعد في الدخول إلى الزمن الحديث، "إذ تضع رجلا هنا ورجلا هناك، في ظلّ وجود نظام سياسي يلعب على الحبال، بما في ذلك استغلال الدين، لترسيخ شرعيته، وهو ما يجعل المجتمع يتأرجح بين الأصالة والحداثة". ووجّه الناشط الأمازيغي انتقادات إلى الديمقراطيين والحداثيين، بتخلّيهم عن التقاليد العريقة والأصالة، لفائدة المحافظين، قائلا "الخطأ الذي سقط فيه الديمقراطيون والحداثيون هو أنّهم قطعوا الصِّلة مع الأصالة، "لأنّ ذلك برأيهم هو المدخل الأساس لبلوغ الحداثة، وهذا خطأ استراتيجي استغلّه المحافظون لصالحهم خيرَ استغلال"، وأضاف أنّ إلباس المحافظين لخاطبهم لبُوس الأصالة، والتقاليد العريقة، يجعلهم يحظون بتعاطف أفراد المجتمع المحافظ، بطبْعه، والذي لا يرى في خطاب الحداثيين المنسلخين عن الأصالة، سوى خطابٍ دخيل مُستمدّ من الغرب. "الحكم الشرعيّ مجرّد اجتهادات فقهية" وفيما دعا عصيد الحداثيين إلى عدم التفريط في الأصالة، أوضح أنّ الأصالة التي يقصدها هي الأصالة التي كانت سائدة في المغرب، قبل 1912، "قبل أن يسْتحكم المخزن، وينشر ثقافته في مختلف ربوع البلاد"، موضحا أنّ "التمسّك بالأصالة لا يعني العودة إلى الوراء واستعادةَ الماضي، ولا يعني بالضرورة أن تكون الأصالة مرتبطة بالدّين، بل ندعو إلى أصالة لا يحدّدها الفقهاء، بل الشعب"، وبخصوص الدين الإسلاميّ، قال عصيد، "هناك حاجة ماسّة إلى إعادة الاعتبار للإسلام المغربيّ، إسلامُ الشعب وليس إسلامَ المخزن". من جانبها، قالت فريدة بناني، أستاذة بكلية الحقوق في الرباط، إنّ "ما يسمّى بالحكم الشرعيّ، أو الشريعة، ليس سوى اجتهادات فقهية أوردها الفقهاء في مؤلّفاتهم، وهي مجرّد اجتهادات بشرية إنسانية قابلة للنقاش"، وأضافت، مستعينة بالقول المأثور "القرآن حمّال أوجه يجد فيه كلّ امرء ما يطلبه"، أنّ "الشرع لا يوجد إلا بين دفّتي المصحف، وما يخرج منه هو اجتهاد إنساني". وانتقدت بناني، ما يذهب إليه "المحافظون"، الدّاعون إلى المساواة، شرط اعتبار الشريعة خطّا أحمرَ لا يجوز تجاوزه، قائلة إنّ "هذا يسيء إلى الإنسان"، موضحة أنّ الاجتهاد هو إعمال العقل لاستنباط الأحكام الواقعية الملائمة للعصر، وأن "القرآن ثابت من حيث تلاوته، لكن عندما يتعرّض له العقل البشري بالتحليل، يصير نصّا إنسانيا، ولا يحقّ لأيّ أحد إذا اجتهد أن يدّعي أنّ العصمة، فلا رأي معصومٌ، ولا اجتهادَ مقدّسٌ". واعتبرت التجانية فرتات، عضو اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، أنّ من بين أسباب عدم إقرار المساواة بين الجنسين، رغم ما تضمّنه دستور 2011، في الفصل التاسع عشر، من إقرارٍ لِلمساواة، نابع من وجود "غموض المفاهيم في الدستور، يؤدّي إلى مواقف متباينة"، وعادت فرتات إلى موقف المجلس العلمي الأعلى من دعوة إدريس لشكر إلى المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، وما ترتّب عنها من انتقادات وصلت إلى حدّ تكفيره قائلة "ما صدر عن علماء المجلس، وعن غيرهم من المحافظين، كان هجوما اعتياديا من الخائفين على رجولتهم". "التشريع الإسلاميّ منتوجٌ ذكوري" الباحث الجراري الحسن رحو، ذهب إلى أنّ النقاش حول مسألة المساواة بين المرأة والرجل في الإرث يجب أن ينطلق من مضامين القانون الوضعيّ، عبر مدوّنة الأسرة، والباقي (النصوص الشرعيّة)، يجب أن يكون للاستئناس لإقناع الناس، "ولا يحقّ لأحد أن يتدخّل في هذا النقاش إلا بصفته مواطنا، كباقي المواطنين، بعيدا عن صفة فقيه أو شيخٍ أو مُفْتٍ"؛ وعادَ الباحث الجراري، إلى البدايات الأولى للإسلام، قائلا إنّ الدين الإسلامي بدأ مع النبيّ إبراهيم، وأنّ الجديد في الدعوة الأخيرة للإسلام (الدعوة المحمدّية)، هو تحرير الإنسان من الكهنوت، ومن رجال الدّين". واعتبر صاحب مؤلّف "الوجيز في أحكام الإرث وفق القانون المغربي"، أنّ مشكل غياب المساواة بين المرأة والرجل، ليس وليد اليوم، "بل هو نتاج تراكم انحرافات ثقافية امتدّت لقرون"، موضحا أنّ المشكل الأساسَ لدى المسلمين، هو أنّ دولة المسلمين لا توجد بها سلطة تشريعية، "لكون النّاس يتوهمون أنّ القرآن فيه حلول لجميع مشاكلهم، ليصطدموا بأنّ عدد الآيات التي تضمّ تنظيم أحكام الناس في القرآن لا يتعدّى خمسَ عشرة آية"؛ وعابَ المتحدّث على المسلمين "اتّخاذ كل واحد للقرآن كتاباً لتخصّصه، فالطبيب والقانوني والباحث وغيرهم يرى كل واحد منهم في القرآن كتابا لتخصصه، بينما القرآن كتابُ هداية". من بين التراكمات الثقافية التي يرى الجراري أنّها أفضت إلى عدم إقرار المساواة بين المرأة والرجل في المجتمعات الإسلامية، هو أنّ التشريع الإسلامي "هو منتوج ذكوريّ، أنتجه الذكور لصالح أنفسهم، ولو شاركت المرأة في وضع هذا التشريع لكان الأمرُ خلافَ ما نحن عليه اليوم"؛ وعابَ المتحدّث على الفقهاء عدم سعيهم إلى الاجتهاد، من أجل ملاءمة ما ورد في القرآن مع متطلبات العصر، إذ قال إنّ جميع الأحكام الواردة في القرآن إلّا وَلها أصْل في التاريخ قبل نزول الوحي، ومنها أحكام الإرث، "وما جاء في القرآن هو تزكية للأفضل والأحسن من بين ما كان موجودا، فلو كان في العصر الذي نزل فيه القرآن أفضلَ من أحكام الإرث الواردة فيه لتمّ تزكيتها"، مضيفا أن "مشكل الفقهاء هو أنهم لا يميّزون بين ما جاء في القرآن وبين ما جاء من أجله".