قضية فلسطين كانت ولا تزال محركا لشعوب المنطقة على مر التاريخ، منذ بدء عملية الاستنبات القسري لهذا الكيان غير الشرعي في تربة تلفظه في كل يوم آلاف المرات. من أجلها خاضت الأنظمة العربية حروبا خسرت معظمها لتتنصل منها تدريجيا على المستويات كثيرة واحتفظت بها مكرهة على مستوى الخطاب السياسي المحتشم لعلها تهدئ من ثورة جماهيرها كلما دعت الضرورة إلى ذلك. إذا كانت هذه الدول تصوغ في كل مناسبة أو بدونها أسباب مهادنتها، إن لم نقل خضوعها وخنوعها، في محاولة لإخفاء بعض من عجزها تحت غطاء الواقعية تارة وموازن القوى العالمية طورا وغير ذلك من التبريرات، فإن اللافت هنا هو تأخر وبطء التفاعل مع قضية الأمة الأولى عبر أشكال تضامنية كالمظاهرات المليونية الداعمة والضاغطة على الأنظمة من أجل العمل على وقف التقتيل والذبح وكل الفظائع التي يرتكبها المحتل، ولو بشروط، وذلك أضعف الإيمان. رغم أن القضية الفلسطينية تعرضت لعملية تصفية ممنهجة ومستمرة قاومها شعبها طوال هذه العقود ببسالة منقطعة النظير، إلا أنها ستظل منبعا للدروس والعبر للأجيال القادمة. قضية عاشت معها الشعوب العربية نكبات وملاحم مقاومة لا تعد ولا تحصى، ورحل الجيل الأول الذي عايش البدايات وخبر خباياها في حقبة كانت القضايا القومية والإسلامية لها ثقل في وجدان أي إنسان عربي مسلم، وأتت بعد ذلك أجيال نشأت مع شعارات السلام واتفاق أسلو ومسارات التطبيع، ثم جاءت أخرى عايشت تحولات عميقة على المستوى السياسي والثقافي أصابت عمق اهتمامات ومعتقدات شعوب المنطقة. لكن القضية الفلسطينية لم تراوح مكانها في وجدان هذا العربي المسلم، فهو يتألم بتألم أخيه الفلسطيني ويسعد بسعادته. فما الذي جعل وهج الجماهير يخفت بهذا الشكل إذن؟ في كتابه "الإهانة في عهد الميغا إمبريالية" عرج المرحوم المهدي المنجرة، منظر الحرب الحضارية، عما سماه "زمن الخوف"، وهذا ينطبق مرحليا على الشعوب العربية، إنها تعيش خوفا مزمنا تمردت عليه أثناء موجة الربيع لكنه عاد واستأسد عليها بعد مدة قليلة، فاستكانت إلى جراحها ومآسيها. بيد أن القضية الفلسطينية تعود لتنير ظلامه وتوجه بوصلته، وما يحدث الآن في غزة من إبادة جماعية تحت أنظار العالم ومباركة الغرب وصمت العرب سيجعلها حتما تستفيق وتخلع عنها رداء المهانة الذي لا يليق بها وتعود إلى سابق عهدها لتقول كلمتها وتضغط لوضع حد لهذا القتل الوحشي للأبرياء ولو على نهج الشارع الذي لا بد أن تكون له أصداء على الميدان.