بدأ الربيع العربي أواخر 2010 بحدث مألوف في حياة المجتمعات، بائع متجول يحرق نفسه احتجاجا على التضييق عليه من طرف السلطة، ثم اندلعت احتجاجات شعبية وانتشرت من مدينة إلى أخرى حتى عمت تونس، واستطاعت في الأخير أن تغير نظام الحكم وتأتي ب"إخوان النهضة". لكن الذي لم ينتبه إليه الناس أن الإعلام العابر للبلدان بواسطة القنوات الرقمية عبر الصحون كان فاعلا حاسما في أخذ جذوة من جسد البوعزيزي لحرق البلد كله. ونتذكر ذلك الشيخ الذي كان يبكي من الفرح ويقول: "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية". ونقلت الجزيرة، قناة الفتن، مشاهد تونس ووزعتها على الشعوب العربية، ثم حدثت عدوى الدومينو، فاشتعلت النيران في بلدان عربية أخرى، لم تنطفئ إلى اليوم في سوريا واليمن، فيما تغيرت الأنظمة السياسية في مصر وليبيا. هذا الربيع العربي لم يغير شيئا من الواقع العربي، دُحر الإخوان في مصر وتونس، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة، وغرقت ليبيا بعد موت القذافي في غموض مازال قائما. لماذا إذن لم تتحول الشعوب المنتفضة إلى ديمقراطيات متقدمة؟ لأن انتفاضتها قادها إعلام أجنبي يهيّج الناس ولا يربيهم على أبجديات الانتقال الديمقراطي، ولأن هذه الشعوب تحركها العاطفة الدينية وليس العقل الذي يبني الحضارات، والنتيجة فشل محبط للربيع العربي. لكن، رغم ذلك، كانت لهذا الربيع حسنة لا تنكر، وهي أن الدافع للثورة كان وطنيا نابعا من حاجة المواطن العربي إلى التغيير ومسح الأنظمة الفاسدة، أي إن العوامل الداخلية في الدول العربية هي التي كانت المحرك الأساس للربيع العربي. اليوم، تعزز الإعلام الذي يحرض الشعوب العربية على الفتنة، وتمثله الجزيرة القطرية، بإعلام أخطر، وهو الأخبار المزيفة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، بتقنيات الذكاء الاصطناعي واستيراد الصور والفيديوهات من أزمنة وأمكنة أخرى لتوجيه الرأي العام. أنا شخصيا تم النصب عليّ حين شاهدت أطفالا إسرائيليين موضوعين في أقفاص في مشهد يدمي القلب، فتبين أنه خبر كاذب، وكذلك وقع لي مع أخبار الفلسطينيين المزيفة. في هذا الوضع وجدت نفسي أتريث قبل استهلاك أي خبر كيفما كان، حتى لا أنفعل بالخطأ. نحن اليوم لا نعرف من يحرك الخريف العربي، الذي – عكس الربيع العربي المنطلق من انفعال صادق للشعوب العربية – انطلق من رغبات الأجانب، ليولّد تحريضا ملتحفا بقضية قومية لا قدرة لها على تغيير الأنظمة العربية إلا بتهييج العواطف الدينية والقومية. فمن وراء هذه الشيطنة الخبيثة؟ هل هي إيران التي تريد إحراق الدول العربية عبر وضع الخنجر في جرح عربي قديم ملفوف بعاطفة هوجاء؟ أم هي مؤامرة عظمى لتغيير خريطة الوطن العربي؟ أم إن الفاشلين الدينيين والسياسيين الذين نبذتهم شعوبهم يحاولون العودة إلى الواجهة عبر إشعال النار في الشوارع العربية؟ أم إن هناك ما يتجاوز قدرتنا على الفهم والتحليل؟. المؤكد اليوم أن خروج المغاربة للشارع لا تؤطره أحزاب ولا نقابات ولا فاعلون جمعويون صادقون، وإنما تؤطره شياطين من الطبقة المنبوذة التي تريد ليّ ذراع النظام المغربي لحاجة في نفس يعقوب؛ فليتحمل هؤلاء مسؤوليتهم، وليعرفوا أن التعاطف مع أيٍّ كان خارج خريطة المغرب ليس من حقه أن يتجاوز خطوطا حمراء، لأن استقرار المغرب وأمنه أقدس من أي مقدس مستورد ولو كره الكارهون.