يشكل الدور القطري في أحداث المنطقة ظاهرة أو لنقل حالة تستحق الوقوف عندها وتحليل أبعادها وجوهرها الحقيقي لأن الدور الذي تلعبه لا يتناسب البتة مع حجمها ومكوناتها البشرية والجغرافية وطبيعة التحديات التي يمكن أن تواجهها، ومن حيث المبدأ يقاس الدور الذي يمكن أن تلعبه دولة ما في مسرح الأحداث أو المشهد السياسي العالمي بإمكاناتها البشرية والمادية وموقعها الجيوسياسي والمعنى أو الرسالة التي يمكن أن تحملها على المستوى الحضاري. ولو عدنا قليلاً إلى التاريخ لوجدنا أن مسرح الأحداث الدولية الفاعل لم تغادره دول بعينها فكان بين أخذ ورد بين قوى صاعدة تصارع أخرى متربعة على عروشه وممسكة بتلابيبه وهذا كله مرتبط بجملة ظروف دولية متقلبة مرت بها دول العالم خلال القرنين الماضيين. وإذا كان من حق دولة قطر هذه الجزيرة القابعة في أطراف الخليج أن تكون فاعلة في الأحداث لينعم شعبها بالعيش الرغيد والرخاء وتساهم مع أشقائها في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكن وفي المعنى ذاته لا يحق لها أن تتجاوز حدود ذلك الدور وتكون عامل اضطراب وفوضى وأداة تحريض وقاعدة متقدمة لقوى تستهدف دول المنطقة وتساعد في تنفيذ استراتيجيات كونية في إطار لعبة الأمم التي لا ترشحها قاعدة تناسب الأحجام السياسية مع الوزن الاستراتيجي للعب مثل ذلك الدور الخطير. واستناداً لقاعدة تناسب الأحجام السياسية مع الوزن الاستراتيجي يمكن توصيف الدور القطري بالقفاز الذي يستعمله الملاكم للحماية أو الوقود الذي يدفع بالقذيفة دون معرفة الهدف الحقيقي لا الافتراضي، وقد يفسر الدور القطري قياساً على قاعدة الأحجام المشار إليها في العلاقة التي تربط قيادتها بالكيان الصهيوني وتأثرها ببنية وطبيعة ذلك الكيان ودوره فربما اكتشف الساسة القطريون أو أوحي إليهم أن إسرائيل قد استحوذت على كل تلك الأهمية من خلال النفوذ المالي والإعلامي لليهود في العالم ورعاية واحتضان أميركا لها فاقتفوا أثر ذلك فظهرت إلى الوجود قناة الجزيرة وما لعبته من دور كبير في عالم الإعلام وتأثيرها في الأحداث التي شهدتها وتشهدها المنطقة إلى درجة أن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق داغان قال: ''إن قناة الجزيرة ستُدخل المنطقة في فوضى عارمة وحروب لا نهاية لها''. والعنصر الثاني يتمثل في فائض المال الذي تمتلكه قطر والذي أصبح جزءاً من البنية الاقتصادية الاستراتيجية الغربية التي توظف في مشاريع استعمارية تستثمر في الحروب وهو ما أشار إليه أمير دولة قطر قبل عدة أسابيع عند حديثه عن الدور القطري في الحرب على ليبيا. ففي المؤتمر الذي أعقب اجتماع باريس حول مستقبل ليبيا الخميس في الفاتح من سبتمبر (أيلول) وحضره بعض قادة الدول التي حضرت الاجتماع، أجاب الأمير القطري عن سؤال لأحد الصحفيين عن شرعية القصف والتدمير من جانب حلف شمال الأطلسي لليبيا بالقول: إن هذا العمل الأطلسي مشروع تماماً ولم يجد أي معارضة عربية أو إسلامية، بدليل عدم خروج أي تظاهرة ولو صغيرة ضده في أي دولة من الدول العربية أو الإسلامية. وأردف حاكم قطر وصاحب قناة الجزيرة: إن التدخل الأجنبي في ليبيا إنما أتى من أجل حماية الشعب الليبي وبطلب عربي، ولولا هذا التدخل العسكري ما نجحت ''الثورة'' الليبية أو سقط نظام القذافي. وبهذه النتيجة فإن هذا التدخل العسكري الغربي مشروع بل مرغوب فيه على حد زعمه، ولم يقل لنا أمير قطر منطوق الفتوى التي أجازت التدخل العسكري الخليجي لحماية نظام فاسد وقمعي في البحرين. فالفتوى التي يقدمها السيد حمد آل ثاني أمير قطر بخصوص جواز الاستعانة بحلف الناتو إن تطلبت حماية المدنيين ذلك واعتبار التدخل الأجنبي أمراً مشروعاً هي سابقة خطرة. إنها فتوى كافرة ولا يمكن لأي عربي مهما بلغت عمالته وجرأته في خدمة الغرب أن يقبلها، وكلنا اكتوينا بنار العراق، كما نكتوي الآن بنار ليبيا التي باتت تحت سيطرة حلف الناتو ويتحكم بها وبمستقبلها رغم كل مظاهر السيادة الزائفة التي يحاول كل من شارك في الجريمة إضفاءها على المشهد الليبي أو المجلس الانتقالي الحاكم الجديد لليبيا العربية. والعنصر المشترك الثالث بين قطر والكيان الصهيوني يتمثل في الانخراط القطري في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. إذاً اكتشف الساسة القطريون أن إسرائيل هي إعلام ومال ورعاية أميركية فلماذا لا يكونون هم كذلك ما داموا يمتلكون المقومات نفسها التي تؤهلهم لذلك ؟ والسؤال هنا هل أخطأ الساسة القطريون في هذه القراءة أم لا؟ وهو سؤال قابل لأكثر من إجابة أو وجهة نظر وربما ستجيب الأحداث المقبلة عليه وباعتقادنا إن الساسة القطريون قد وقعوا بمقاربة خاطئة وقراءة مقلوبة للواقع، فالكيان الصهيوني يمتلك قوته من تمركزه في البنية السياسية والاقتصادية والإعلامية والروحية الأميركية والغربية تحديداً، بل إنه يشكل أحد أهم مدخلاتها ومخرجاتها إضافة إلى أن الحالة اليهودية تشكل جزءاً هاماً من الذاكرة الجمعية الغربية في سردية تاريخية تعود نقطة البدء في تشكلها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة ويزيد، فالبعد الروحي مكون أساسي في النظرة الغربية إلى هذا الكيان ليأتي الدور الوظيفي ملتحقاً به، فالمساحات المشتركة بين إسرائيل والغرب لا تتوفر إطلاقاً بين الغرب بجناحيه وإمارة قطر دون الإشارة إلى بنية وطبيعة ومقومات الكيان الصهيوني وما يمتلكه من إمكانات وفارق تقاني ومعرفي قياساً على الحالة القطرية ذات التصميم الاستهلاكي وغير المنتج بالمعنى الحضاري. لقد برز دور قطر في الأشهر الأخيرة بسرعة كبيرة، خصوصاً بعد أن حلقت طائراتها إلى جانب طائرات بريطانيا في حرب ليبيا، وبعد أن أغدقت بالأموال والأسلحة للعصابات المسلحة فيها، حتى أن محطتها التلفزيونية الإخبارية ''الجزيرة'' قامت بتغطية أخبار الثورات بشكل تضليلي ومثير. ولكن ما سبب كره الكثيرين لقطر؟ ولماذا يخرج العرب الغاضبون ويحرقون العلم القطري احتجاجاً؟ بدايةً كان من يتظاهر ضد قطر يحرق العلم القطري، لأنه كان هناك شعور باليد القطرية في قيام وتأجيج الثورات، واليوم هناك من يتظاهر في تونس بعد الثورة ضد التدخل القطري في شؤون تونس السياسية، فقد نظم العشرات من التونسيين تتقدمهم شخصيات سياسية وممثلون عن المجتمع المدني وقفات احتجاجية أمام سفارة قطر بتونس تنديداً بتدخل دولة قطر في شؤون تونس الداخلية. ورفع محتجون شعارات تندد بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وبما قالوا أنه تدخل سافر لدولة قطر في الشأن التونسي. وقال عصام الراجحي مؤسس جمعية ''شباب الثورة'' إن ''دولة قطر تحاول التدخل في السياسة التونسية وتسعى لفرض أجندة سياسية بعد أن فرضت أجندة إعلامية عبر قناة الجزيرة، إنها تتصرف كما لو أنها دولة قوية معنية بمشاغل التونسيين'' مضيفاً '' نحن بصفتنا شباب الثورة نقول لها إن تونس دولة ذات سيادة وعليها أن تكف عن دعم الإسلاميين والترويج لهم، يكفيها ما فعلت في ليبيا''. وتابع الراجحي ''جئنا هنا أمام السفارة القطرية لنقول لدولة قطر، أن تونس في غنى عن استثماراتها لأنها تريد رشوة شعب لا يقبل الرشوة''. وفي ليبيا كان يتعين عليهم شكر قطر، ومن المفترض أن يكونوا ممتنين لها، غير أنهم يشتكون تدخلها في سياسة بلدهم. فقد اتهم رئيس وزراء ليبيا السابق ''محمود جبريل'' قطر بأنها تحاول لعب دور أكبر بكثير من حجمها في شؤون بلاده وتؤيد فصائل لم يسمها. وكان وزير خارجية ليبيا السابق وسفيرها الحالي في الأممالمتحدة ''عبد الرحمن شلقم'' قد اتهم قطر بأنها تسير على نفس الطريق الذي سلكه معمر القذافي من حيث جنون العظمة، فتتوهم أنها تقود المنطقة وأنها تعمل على تشكيل حزب إسلامي يشبه حزب الله في ليبيا. وقال ''شلقم'' في برنامج ''مع الحدث'' الذي يبث عبر التلفزيون الألماني القسم العربي، أن قطر تريد الهيمنة على ليبيا، ولكني أقول لها ''لن تكون ليبيا إمارة تابعة لأمير المؤمنين في قطر''. وقال ''شلقم'' أن ليبيا ليست في حاجة لأموال قطر، وأن من قام بالدور المهم على الأرض هم القوات الفرنسية والأمريكية والبريطانية وليس القطرية. وسخر ''شلقم'' من أن القطريين سيديرون تنمية ليبيا، حيث قال أن الخبراء الذين يديرون النفط والبنوك في قطر هم ليبيون، وأن قطر لا تتميز عن ليبيا لكي تأتي وتعمل غرفة عمليات في ليبيا. معبراً عن رفضه لذلك بالقول: هذا مرفوض، قطر كلها لا تساوي حارة في ليبيا. والخبراء الليبيون هم الذين يقودون قطر ولسنا في حاجة لها في أي شيء، فليتركونا نقرر مصيرنا بأنفسنا، نحن لا نعتبرهم محايدين. وعبر ''شلقم'' عن عدم فهمه للتحالف الذي تقوده قطر قائلاً: أنا لا أفهمه، ولا أقبله وغير معروف حتى لليبيين. من هي قطر؟ أليس جيشها مرتزقة من نيبال ومن بنغلاديش وباكستان؟ ما هي قدرة قطر؟ فعدد الشهداء الليبيين والجرحى يفوق عدد سكان قطر. من ناحية أخرى ذهبت قطر إلى أبعد من تقديم العون لإزاحة الحكام العرب، فقد شكلت بمالها ونفوذها سياسات مرحلة ما بعد الثورات التي لها الطابع الإسلامي، فهي تستضيف رجل الدين المصري ''يوسف القرضاوي'' ومسؤول عن تمويل حزب النهضة الذي فاز في الانتخابات بتونس. إن ما قامت به قطر بالإضافة لما تقوم به قناتها (الجزيرة) التي تحولت إلى بوق في خدمة الدعاية الأمريكية الصهيونية ولتسويق برنامجها الشرق أوسطي خطير ولا يمكن السكوت عنه، وأظنه من المناسب أن يقال لها ولكل من يفكر بتجميد عضوية سورية الأبية، أو المس بمكانتها العربية أن هذا غير مقبول ولا يمكن إلا أن يكون في خدمة العدو الإسرائيلي والأمريكي. ألا يكفي قطر ما فعلته بليبيا وفي غيرها من الدول العربية؟ وهل يظن حكامها أن المواطن العربي يجهل من أين يتلقون تعليماتهم وأوامرهم؟ ألا يعي هؤلاء أن قوتهم النابعة من تبعيتهم للسيد الأمريكي لا يمكن أن تدوم وأنهم سيلفظون أنفاسهم بمجرد انتهاء خدماتهم لسيدهم. فبلاد العرب والعروبة سورية، ستبقى كبيرة سواء جمدت عضويتها أو لم تجمد في جامعة الدول العربية، هذه الجامعة التي كشفها وعرّاها الربيع العربي، هذا الربيع الذي سعت دول الخليج وقطر بخاصة إلى تحويله إلى خريف عربي أو إلى ما أسماه الأستاذ ''محمد حسنين هيكل'' ''سايكس بيكو'' جديد. نفهم أن قطر دولة صغيرة تحتاج إلى حماية من الغرب ما دام العرب لا يفعلون، وإن كنا نرفض هذه الحماية من حيث المبدأ، ويمكننا معرفة أسباب وجود قاعدة أمريكية في الدوحة على بعد كيلو مترات قليلة من قصر الأمير ينطلق منها العدوان الأمريكي على وطننا العربي قصفاً وتجسساً، لكن ما لا يمكن قبوله ولا فهمه أن يفتي أمير قطر في شأن يخص الأمة كلها، ويضع بلده و''جزيرته'' في خدمة المشروع الأخطر على مصالح ومستقبل هذه الأمة. فليس من حق حاكم قطر ولا أي رئيس أو حاكم عربي أن يقدم فتوى تبيح استعمار أوطاننا تحت أي مسوغ أو شعار مهما كان براقاً أو يحمل طابعاً إنسانياً زائفاً. وفي تقديري ومن خلال كل المعطيات، أن مساعي النظام القطري وإن نجح أحياناً ولو بوسائل غير مشروعة بالإسهام في تغيير بعض الأنظمة في البلدان العربية كما حصل في ليبيا، فإن الأمر سينتهي في آخر الأمر بأن تبقى ليبيا، كما هي على الخارطة، كبيرة بمساحتها وتاريخها، فيما ستظل قطر تلك الدولة الصغيرة التي لا تُذكر، وأن كل مساعيها نحو الزعامة لن تحقق لها شيئاً يُذكر، مهما أنفقت من أموال، فهي في الحقيقة، كمن يشتري بالونات فينهك نفسه في نفخها ليطيرها أخيراً في الهواء، ناهيك عن لعنة التاريخ التي ستطاردها إلى الأبد وستحاسبها على ما اقترفته من جرائم، بدورها المشبوه في حق أشقائها العرب. وأخيراً وليس تقليلاً من مكانة قطر أو الإساءة لشعبها الذي تجمعنا به أواصر القربى والتاريخ واللغة والمصير المشترك، كنا نتمنى أن ينشغل الساسة القطريون وغيرهم من حلفاء الناتو في الخليج بشؤونهم الداخلية حيث أنظمة الحكم بلا دساتير أو قوانين وتشبه ممالك القرون الوسطى، وحيث المرأة لا تستطيع أن تقود سيارة وليس طائرة كما كان في ليبيا أو غيرها من بلادنا العربية. كنا نتمنى أن ينشغل الخليجيون وإخوتنا في قطر بتقديم العون لمنكوبي الصومال والمجاعة هناك، ويكتفوا بذلك ولهم الشكر والثناء، أما أن يشرعوا العدوان على أمتنا العربية تحت مسوغات ملتوية ولخدمة السيد الأمريكي والإسرائيلي، فهذا ما يرفضه المواطن العربي... بل سيقاومه. فحسبكم قول الشاعر العربي: إذا هبت رياحك فاشتممها فما تدري متى حل السكون وإن درت نياقك فاحتلبها فما تدري الفصيل لمن يكون