في صغري كنت أحبّ الرّحّالة الصّغير كأيّ سلسلة من الرّسوم المتحرّكة، وعندما كبرت أعدت مشاهدته : طفل صغير يسكن كوكبا بعيدا يزور الارض مرّة مرّة ، وفي كل مرّة حكاية وعبرة وصداقة جديدة. أعجبتني الفكرة لكنّي أقوم برحلة عكسيّة، و بما أنه لا يمكنني امتلاك كوكب صغير صنعت الكوكب في خيالي وصعدت إليه كلّما ضجّت الدّنيا حولي. إلاّ أنّهم أخبروني أنّ هذا هروب فأنا لست الرّحّالة الصّغير . فنزلت من كوكبي لأرض الواقع وليتني لم أنزل. عدت الى عالم متناقضاته كثيرة ، الحقّ فيه باطل والباطل فيه حقّ ،الاخلاق فيه تخلّف ورجعية والفساد تقدّم وحضارة ، المجون تربية صالحة والدّين تخلّف ورجعيّة ، عالم فيه العاقل مجنون والحقير سلطان ، عالم مشكلته مسألة أخلاق وما أحوجنا لها لاحترام الغير . عالم التغت فيه مفاهيم كثيرة ، عالم فيه الاغتصاب لا يجرّم الاّ بسجن المغتصب، و من سيخضع لهذا الحكم الكلّ أم هناك امتيازات في ظلّ لا عدل في القضاء ، وحتّى إن كانت العقوبة سجنا للمغتصب ماذا عن مصير المغتصبة ؟ أن تنضاف لقائمة العاهرات ، أن تحمل عبئا نفسيّا وجسديّا يعيش معها الى الممات ، وماذا إن نتج حمل عن الاغتصاب من سيتحمّل مسؤولية المجني عليها وذاك البريء الّذي سيأتي لهذه الدّنيا نتيجة علاقة اغتصاب ، وماذا إن كان المغتصب أبا أو أخا وماذا وماذا.......؟؟ من يملك الجواب لتساؤلاتي، من يملك الحلّ لهذه الفتيات والصغيرات ... طبعا لا حلّ فالاغتصاب ليس حمّى نأخذ مسكّنا وننام لنستفيق ونحن قد تخلّصنا منها . إنّها فضّ بكارة بالغصب وتعذيب جسديّ ونفسيّ تبقى آثاره بقيّة الرّوح في الجسد.الاغتصاب مرض يأتي نتيجة اختلالات نفسّية ومجتمعيّة والاولى معالجة المرض لا أعراضه ، إنّه نتيجة تخلٍّ عن الاخلاق عن التّربية ، ادمان المخدّرات و الخمر و حبوب الهلوسة، و هوس الجنس والدّائرة مغلقة وأين الحلّ ؟؟ شباب و فتايات ضائعون بين ملذّات وإدمان وخمر ، وأهل تخلّوا عن رقابتهم ورعايتهم .أتذّكر وأنا صغيرة كانت الامّهات دائما توصي أطفالها ( يلى هدر معاك شي حد جري يلى قال لك اجي معاي ونعطيك حلوة جري ) مراقبة من أمّهات تحرّكها غريزة الامومة والحماية . أين اختفت هذه المراقبة وقد أصبحت الامهات لا تعرف أين خرجت بناتهم ولا مع من ؟ ولم لا يكون هناك وعي وارشاد عن الجنس منذ الطفولة بمنظور ثقافي ديني حتّى لا يقع الصّغار ضحيّة لنفوس خبيثة حيوانيّة ، وأنا أعتذر للحيوانات لانّهم أرقى منّا إذ لا يمارسون الجنس بالغصب أو مع الاطفال . ولم لا يكون هناك ارشاد عن خطر المخدّرات في المدارس الابتدائية خصوصا أنّ الاطفال ضمن شريحة المدخّنين . ولم لا تقام مراكز للادمان مجّانية وتكون التّوعية وقاية وعلاج في كل مدينة . أين اختفت النّخوة والغيرة ، والامر بالمعروف والنّهي عن المنكر. وهذا يحولنا لذاك الطفل في ميدلت الذي كان يعذّب ويصرخ طلبا للاغاثة لاكثر من شهرين والجيران تسمع ولا أحد يحرّك ساكنا أليس لهم أبناء؟ أليس فيهم رجولة و انسانية؟ ليخلّصوا ذاك المسكين الذّي لا حول له ولا قوّة . لِم لًم يبلّغوا الشّرطة بما يحدث في ذاك البيت ؟. لم لا نحصل على بنذ يراقب الابوين بالتّبنّي كما في الغرب؟ أم أنّنا نتهافت فقط على أخذ مبتدلاتهم وملابسهم البالية . أوليس الاجدر أن ننفتح على بعض قوانينهم الانسانية التّي هي اصلا من مسلّمات ديننا الحنيف أم أننا مسلمون بالاسم فقط . أصبحنا نعاني من سيطرة اللاّنسانية وكلّ يقول( وأنا مالي).غدونا نخاف العبد ولا نخاف الله ، نستكين ونخضع حتّى أمام أبسط الامور، ولا نمدّ يد المساعدة لا لمستنجد ولا لخائف واكتفينا (بالله يهدي ماخلق ) .وانتهى دور الابوين داخل الاسرة واستسلما لطيش وسلطة الابناء مع أنّهما الراعيين المسؤولين (كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ). اغتصاب لشهوة ونفس مريضة لا تفرّق بين رضيع أو طفولة. أبوّة وأمومة لا تظهر الاّ للاطفال من الصّلب وماذا عن أطفال الاخرين ماذا عن المكفولين . خمر ومخدرّات ولا أخلاق هذا هو العالم هذا هو التحضّر؟؟، وهذا ما أتركه عندما تتألّم روحي و لا تقدر على مجارات الواقع واهرب لكوكبي الصغير ليس بمذنّبات ولكن بحسرة وألم ودعاء .