المكان المحطة الطرقية أولاد زيان، هناك يوجد عدد لا بأس به من الفتيات والنساء اللواتي وجدن أنفسهن في الشارع بدون مقدمات. تصطدم قدما المرء في الصباح الباكر بجسد إحداهن نائمة أو مسترخية في أحد الأزقة، بعد ليلة طويلة قضتها في تناول المخدرات الرخيصة «السيليسيون» . وجوه اختفت ملامحها تحت أقنعة ترابية لا مثيل لها. سحناتهن تقريبا متشابهة وملابسهن أضحت بدون لون، هربن من قسوة الأب أو زوجة الأب أو العم أو الخال إلى الشارع، فوجدن عنفا من نوع آخر في الشارع، عنف التحرش الجنسي والاغتصاب مما جعل العديد منهن يصبحن رغما عنهن أمهات لطفلات شوارع جديدات. تتخذ من أمكنة مختلفة بدرب سبليون بدرب السلطان بالمدينة الاقتصادية مأوى لها، فمرة توجد بجانب المسجد تستجدي المصلين ومرة أخرى ترتاد الفضاء الأخضر الذي أصبح مرتعا للحشرات بسبب الأزبال المنتشرة، هناك تحاول أن تجد شيئا صالحا للاستعمال البشري لتقتات منه، ومرة أخرى تتخذ من الإسفلت المجاور لبعض المنازل سريرا غير ناعم تقضي عليه ليلتها، قد يرأف بعض سكان المنطقة لحالها فيقدمون لها بعض الأغطية البالية وقليلا من الطعام، وقد لا يرأف لحالها البعض الآخر، بل قد يتوجسون منها شرا، خصوصا أنهم يقولون إنها تعترض سبيل النساء. متشردة درب سبليون هي متشردة معروفة بدرب سبليون لا يعرف لها سكان المنطقة اسما، فمرة ينادي عليها بعض السكان عندما يريدون تقديم المساعدة إليها بزبيدة، ومرة أخرى خديجة وهناك من يفضل أن ينادي عليها بفاطمة، لكن المهم أنهم جميعا يتوافقون على قصة خروجها إلى الشارع. استفاقت من نومها على صوت الشاحنة الخاصة بجمع الأزبال. التفتت يمينا ويسارا كأنها تتأكد من أن هذا المكان الذي توجد فيه، هو المكان نفسه الذي اختارته لقضاء جزء من ليلتها به بما أنها لا تستسلم للنوم إلا في الساعات الأولى من الصباح. وجه اختفت ملامحه تحت أقنعة ترابية لا مثيل لها، وملابس رثة تفوح منها مختلف الروائح الكريهة. كل شخص في المنطقة يعرف حكايتها.. هذه المرأة التي لم تتجاوز بعد الأربعين سنة، عاشت هناك منذ أزيد من عشرين سنة، أتت قادمة من بادية خنيفرة واستقرت بدرب سبليون بعد أن طافت جيع أنحاء درب السلطان. هربت من عنف والدها وأعمامها في اتجاه المجهول وهي لم تبلغ بعد السادسة عشرة من عمرها. اعتقدت أنها ستجد في مدينة الدارالبيضاء مكانا مناسبا لتحقيق أحلامها بعيدا عن العنف، لكنها لم تعرف أنها ستعيش عنفا من نوع آخر، بدأ بالتحرش ثم الاغتصاب. في النهاية وجدت نفسها أنها ضائعة، بعد أن ضاعت منها حياتها وكرامتها. تقتات على مساعدة الناس مرة ومرة أخرى تعتمد على التسول لتعيش، وأحيانا أخرى تعترض سبيل النساء وتسلبهن ما بحوزتهن لاقتناء المخدرات الرخيصة (السيليسيون)، إنها تعيش في الشارع منذ سنوات ومن الواضح أنها ستبقى في الشارع ما تبقى من عمرها. بائعة «كلينيكس» تختلف كل حكاية عن الأخرى، لكن الشيء الوحيد الذي يجمع بين الحالات أن المعاناة تجمع بينها. «الخوف لا يعرف طريقه إلى قلبي، فأنا في الشارع منذ أن كان عمري أربع سنوات، لقد اعتدت على الشارع وعلى المجرمين وعلى العنف الذي يتسم به هؤلاء، لقد مورس علي العنف ومارسته على الأشخاص الضعفاء. تعرضت للاغتصاب ومارست الجنس بمحض إرادتي ومرة أخرى بغير إرادتي وأنجبت طفلين في الشارع، فما الذي سيخيفني؟!». بهذه العبارة بدأت منى حديثها لتتابع قائلة بعد أن اختارت مكانا للحديث بعيدا عن إشارات المرور، حيث تبيع «كلينيكس» لأصحاب السيارات «أنا يتيمة الأبوين، كان عمي الذي تكفل برعايتي يعتدي علي بالضرب، فهربت من بطشه إلى الشارع، ومنذ تلك الفترة وأنا في الشارع. أعيش في الشارع مع فتيات أخريات، فمرة نقضي سواد الليل بالمحطة الطرقية ومرة أخرى بالدور الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة». تعرضت منى للاغتصاب من قبل بعض المتشردين وأنجبت طفلين في الشارع، لا تعرف أين يعيشان، الشيء الوحيد الذي تعرفه أنها قدمتهما هدية لشخصين أخبراها أنهما سيتكفلان بهما. البعض يقول إنهما يستعينان بهما للتسول، لكنها لا تعرف الحقيقة. تزايدت في السنوات الأخيرة أعداد المتشردات من الفتيات الصغيرات. أغلبهن خرجن إلى الشارع بسبب التفكك الأسري، بعضهن جاء من المناطق النائية واستقررن بالدارالبيضاء أو إحدى المدن الكبرى، أو أحيانا خرجن إلى الشارع بتشجيع أحد الوالدين لدفعهن إلى العمل أو التسول. عادة ما تقول بعض هؤلاء المتشردات إن ««زملاءهم» المتشردين يوفرن لهن حماية، وفي نفس الوقت يعانين من مضايقاتهم وتحرشاتهم الجنسية، وأحيانا يصر هؤلاء الذكور على ممارسة الجنس معهن، وفي أحيان كثيرة يتم ذلك رغما عنهن وأحيانا برضاهن. هذه العلاقات تفضي غالبا إلى الحمل ثم الولادة في الشارع. وعادة ما يتعرض المواليد للوفاة لأن الظروف التي تتم بها غير ملائمة. وقد تتخلص بعضهن من الحمل بالإجهاض أو من المولود برميه في مكان ما هروبا من المسؤولية، لكن بعضهن يقدمن مواليدهن لأسر للتكفل بهم. كل شيء مباح..! بالمحطة الطرقية أولاد زيان، يوجد عدد منهن. فتيات ونساء وجدن أنفسهن في الشارع بدون مقدمات. «عمري عشرون سنة.. خرجت إلى الشارع وأنا عمري سبع سنوات أي أنني قضيت ثلاث عشرة سنة في الشارع، يحكمني قانون الجماعة التي أنتمي إليها، أي أنه من الضروري أن أتبع القوانين التي يريدها القوي أو رئيس الجماعة، لكن من الضروري أن نتضامن كجماعة. يمكن أن نتسول من أجل أن نشتري ملابس لشخص «عار» في الجماعة، يمكن أن نسرق و يمكن أن نقوم بأي شيء». بهذه العبارة بدأت فاطمة حديثها لتتابع قائلة : «الشخص الذي لديه الخبرة أكثر والقوة الجسمانية هو الذي يحكم الجماعة، لكن لدينا قواسم مشتركة. نعيش الألم نفسه والمعاناة نفسها. فالمجموعة تعوض العائلة التي نفتقدها». صديقتها التي كانت تمسك في يدها علبة العلكة، وفي اليد الأخرى علبة «كلينيكس». طفلة صغيرة ابتسمت في براءة. اسمها رقية، لكنها لا تعرف عمرها بالتحديد وإن كان لا يزيد على ثلاث عشرة سنة. رقية تقطن بالمحطة الطرقية لأولاد زيان مع أمها التى لا يزيد عمرها عن سبع وعشرين سنة، والدتها لم تهرب من منزل أسرتها، ولكنها كانت ببساطة تعمل خادمة في البيوت وكان والدها يستخلص أجرها الشهري من مشغلتها فلم تعترض ولم تتمرد على وضعها، ولكنها ببساطة حملت من أحدهم! من هو؟ لا يهم، مادام أن شريكها في الحمل لم يتحمل مسؤوليته، فقررت الهرب إلى الشارع، لأنه من وجهة نظرها سيصبح أحن عليها من الجميع. لم تفلح محاولات إسقاط الجنين الذى أبى إلا أن يخرج إلى الدنيا ويعيش في الشارع. سحنات متشابهة قد تصطدم قدما المرء في الصباح الباكر بجسد شخص نائم أو مسترخ في أحد الأزقة، بعد ليلة طويلة قضاها في تناول المخدرات الرخيصة «السيليسيون». يتأكد أنها لواحد منهم. وجوه اختفت ملامحها تحت أقنعة ترابية لا مثيل لها في أكبر مراكز التجميل في العالم. سحناتهم تقريبا متشابهة وملابسهم كذلك، لا يمكن التفريق بين المرأة والرجل، إنهم أطفال الشوارع وبنات وأمهات الشوارع! هؤلاء المتشردات هربن في الماضي من قسوة الأب والعائلة، لكنهن بتن اليوم يمثلن أكبر معمل متنقل فى العالم لتفريخ أطفال شوارع جدد رغما عنهن.. عوضن العائلة الحقيقية برفاق الشارع .. فتيات اغتال الشارع براءتهن وجعل بعضهن أمهات رغما عنهن، في بعض الأحياء يرى بعض المارة طفلة تحمل طفلة، لكن الحقيقة أنها أم تحمل طفلتها. أعدادهن كثيرة، ولا توجد هناك دراسة حقيقية لحصر العدد وإيجاد حلول لوضعهن. رقية ليست الأولى التى تولد على الرصيف ووالدتها ليست الأولى التى تتعرض للاغتصاب حتى لو كان برضاها. فالشارع يعج بالآلاف من هؤلاء. العلاقات الجنسية وتناول المخدرات الرخيصة والاعتداء على الضعيف هو الثمن الوحيد للحياة. سناء عاشت اضطراريا ليال للجنس الجماعي، لا تعرف لا عدد الأشخاص ولا عدد المرات التي مارست فيها الجنس، ولكن كل ما تؤكده أنها لم تحمل حتى الآن. بينما تؤكد أن كثيرا من صديقاتها حملن. بعضهن أجهضن وبعضهن أنجبن، ولكن لا أحد يعرف من هو والد هؤلاء الأطفال.. المهم أنهن يجدن الحماية من هؤلاء الأشخاص في الوقت الذي تخلى عنهن أهاليهن ومعهن المجتمع كذلك.