تعرف مهنة الصحافة بالمغرب واحدة من أدق مراحلها خلال هذه الآونة، وذلك باعتبار الحيثيات المُعقدة التي تكتنفها.لنبدأ بآخر المعطيات من بلاط صاحبة الجلالة: توقفت أسبوعية الصحيفة عن الصدور ب "شكل مُؤقت " . "" حسب مدير تحريرها السيد محمد حفيظ، و ب " صفة نهائية " وفقا لما صرح به ممولها الرئيسي والوحيد السيد فاضل العراقي.. وتوقفت أيضا جريدة " الأسبوعية الجديدة " بشكل نهائي حسبما أفاد بذلك زملاء كانوا يعملون بها، أما مدير تحريرها " عبد العزيز كوكاس " فالتزم الصمت المُطبق حيال هذا الحدث " الجلل " حيث لم يُكلف نفسه حتى عناء إصدار بيان يُعممه على الصحف للإخبار بحيثيات عدم استئنافه إصدار جريدته، وتُفسر بعض المصادر ذلك بان المعني قد " يكون استفاد من منصب مُستشار لدى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة مُقابل تمريره حدث توقف جريدته في صمت مُطبق " والسبب؟ كانت الأسبوعية الجديدة قد نشرت في أحد أعدادها خلال شهر ماي من سنة2005 حوارا مع السيدة نادية ياسين نجلة شيخ جماعة العدل والاحسان عبد السلام ياسين، قالت فيه، دون أن يرف لها جفن، بأن " الملكية لا تصلح للمغرب " وهو ما شكَّل حدثا إعلاميا وسياسيا بارزا، تناولته مختلف وسائل الاعلام المحلية والعالمية، بيد أنه كان مُستغربا حقا أن تغرق الأسبوعية الجديدة بعد ذلك في ضحالة مهنية غريبة، بإشراف مدير تحريرها "كوكاس " حيث لم تعد تُوزع في أواخر أيامها سوى بضع مئات من النسخ، إلى حين توقفها النهائي عن الصدور قبل بضع أسابيع، ونتيجة توقف الجريدتين فإن مقاهي مدينتي الربط والدارالبيضاء ستتعزز ببضع عشرات من الصحافيين العاطلين الإضافيين. لم ينل هذان الحدثان - أي توقف الجريدتين المعنيتين – أدنى اهتمام حيث لم يظفر توقف يومية " الصحيفة " و " الأسبوعية الجديدة " سوى ببضعة أسطر همت الأولى في جريدة يومية واحدة، في حين التزمت باقي الجرائد " الزميلة " الصمت المُطبق، بل يتسرب من مطابخ بعض هيئات تحرير صحف مغربية أن الحدثان يحظيان بالتهليل والاستبشار، وذلك على خلفية تعكس هذه المقولة الشعبية المغربية خير عكس وهي: " خوك فالحرفة عدوك ". والواقع أن هذان المعطيان يعتبران الجزء الظاهر من جبل جليد ضخم، ينتصب بكل " قُصوحيته " و برودته الشديدة بين المنابر، من جهة، وبين الصحفيين المغاربة، من جهة أخرى. فيما يتعلق ب "المعضلة " الأولى فإن ثمة حكايات غريبة حقا، والأخرى مفهومة، لنستمع إلى أحد الزملاء المُخضرمين وهو يحكي بعضا من تجربته ما يشرح الأمر من زاوية نظره: " الصحافيون المغاربة هم أفضل مُن يُترجم ذهنية المجتمع المغربي، فهم يتسابقون على إرضاء أولياء نعمتهم أي مُشغليهم، قبل أي شيء آخر، وهم مثل المجتمع الذي ينحدرون منه، تتفشى النميمة والدسيسة بينهم، وهو ما يجعل مطابخ هيئات التحرير زاخرة بحكايات غريبة حقا، لو واتت بعض الصحافيين الجرأة الكافية لحكايتها، لبيع ما سيحكونه كقطع الخبز الفرنسي الساخن " مُستطردا : " من التفاصيل الغريبة التي عشتها في إحدى الصحف الحزبية العتيقة، خلال سنوات السبعينيات، أن مديرها كان يُعامل صحافييه مثل العبيد، ولا يتورع مثلا في كيل الشتائم لهم وهم صاغرون، هذا الوضع شجع رئيس تحرير نفس الصحيفة المذكورة على أن يجعل من كثير من صحافيي نفس الجريدة الحزبية مجرد) بركَاكَة ) لديه يسومهم سوء الإهانة وهم راضون، أتذكر في هذا الصدد أن صحافيا في نفس الجريدة الحزبية العيقة، بكى يوما قهرا حينما حاصره رئيس التحرير، وكاد يرمي به للشارع مطرودا لولى أن دموعه الغزيرة شفعت له، هذا الأخير يوجد الآن في منصب رئيس التحرير، بينما ارتقى رئيس التحرير السابق إلى منصب المدير، بعدما استقال سابقه الذي بلغ من الكبر عتيا، فماذا تنتظرون من رئيس التحرير الجديد؟ إنه – حسب ما بلغني من بعض الصحافيين الذين يشتغلون معه – يُكيل للعاملين معه نفس ما ذاقه هو خلال سنوات عمله الطويلة في الصحيفة الحزبية العتيقة". هذا غيض من فيض مسار الصحافة الحزبية التي قامت قائمتها في ظل الصراع القديم بين الدولة المخزنية والأحزاب المُعارضة، حيث استحوذت الأولى على كل شيء، وتركت الأحزاب تتدبر أمرها، من أجل أن يكون لها موطئ قدم إعلامي يواكب ما هو سياسي ، أي إيديولوجي، حيث كانت لها جرائدها التي دالت أيام عزها، فمن يُصدق الآن، من بين شباب الجيل الحالي، أن جريدة الاتحاد الاشتراكي، مثلا، التي ُتوزع الآن بالكاد، نحو عشرة آلاف نسخة، وصلت أقصى درجة مبيعات في تاريخ الصحافة المغربية، خلال سنة 1993 مع الفضيحة الأخلاقية الشهيرة باسم صاحبها الحاج مصطفى ثابت، حيث كانت قد وزعت قرابة 200 ألف نسخة، وهو الرقم الذي لم تصل إليه أية جريدة وطنية لحد الآن. وذلك حينما كانت مُواكبة لمعارضة الاتحاديين لبعض سياسة الحسن الثاني ولو بكثير من الحذر. الصحافة الحزبية توجد الآن عند نقطة اكتمال دائرة نهايتها فيما يبدو، حيث لم تبق تدل عليها سوى أسماؤها، أما مضامينها فعبارة عن كلمات مُجترة بلا لون أو طعم، وقُراؤها انفضوا من حولها بالآلاف، وصحافيوها، أو ما تبقى منهم بالأحرى، ليسوا سوى مجرد أجيرين يستخلصون رواتبهم، التي كثيرا ما تتأخر عن مواعيدها آخر كل شهر، ليستمروا في العيش وسط عباب من الخوف من التوقف النهائي لمنابرهم، كما حدث لجرائد حزبية سابقة ك " الميثاق الوطني " و " السياسة الجديدة " و " أنوال " .. إلخ. كساد سوق الصحافة الحزبية سببه السياسيون، الذين كلما غرقوا في مستنقع السياسة، سحبوا معهم جرائدهم، إلى أعماق الهلاك، بدلا من أن يتركوها تطفو وتغالب أمواج الصراع من أجل البقاء لوحدها، واليوم فإنه ليس خافيا أن الصحف إياها تعيش بفضل " هبات " الدولة – فلوس الشعب بالأحرى – لقاء استمرارها في اجترار لغة الخشب والنوم في العسل. لاحت في أواخر سنوات عمر الحسن الثاني بوادر نشوء صحافة مُستقلة عن الدولة والأحزاب، حيث ظهرت منشورات صحافية جديدة، يومية وأسبوعية، مثل " الأحداث المغربية " و " الصحيفة " و " لوجورنال " و " الصباح " .... صحف بالعشرات منحت حقا الانطباع للقارئ بأن الأمر يتعلق بديناميكية صحافية جديدة، بيد أنه سرعان ما تبين أن الأمر لا يتعلق سوى بعزف على نفس النوتة الإعلامية السابقة، التي كانت لصحف الأحزاب، قبل أن تدخل هذه الأخيرة تجربتها السياسية المتمثلة في " حكومة التناوب ".. وتبين بالفعل أن الصحف اليومية الجديدة لها خلفية سياسية، على الأقل فيما يتعلق بهوية رساميلها، حيث نجد من بينهم قياديين اتحاديين سابقين مثل عبد العالي بنعمور و بنجلون التويمي و محمد لبريني.. وهو ما جعل البعض يجزم، بأن المنبر الجديد المذكور، ليس سوى تنويع على أوتار اتحادية أخرى، جهة الجناح المحسوب على الكاتب الأول الحالي للحزب، ونعني به محمد اليازغي. هذا المعطى التصنيفي لجريدة الأحداث المغربية، يجد اصداء له مُماثلة، وإن بأهداف مختلفة لكنها تقترب مما سلف، حيث نجد مثلا أن يومية الصباح التي صدرت بشكل ونبرة مهنية مختلفتين في البداية، سرعان ما تأكد أن مُموليها ليسوا سوى مجموعة مستثمرين مغاربة، تقليديين انتبهوا إلى المورد الثر للمال من خلال صنبور الإشهار، ومعرفتهم بحكم التجربة الطويلة، في الاستثمار تحث الأعين الحادبة و الحذرة للمخزن، أن كنز الإشهار مشروط بخط " تحريري مُناسب " وقد أتى الاستثمار أكله حيث تربعت جريدة الصباح لبضع سنوات على رأس المبيعات، لكن يبدو أن أكرة النَّفَس قد أُرهقت، حيث لم يعد ثمة ما يستحق الانتباه في شكل ومضمون آيلين للتلف السريع. الواقع أن التجربتين المذكورتين على مستوى الإصدار اليومي، توجدان في مأزق مهني حقيقي حيث المطلوب شيء من المغامرة المهنية للتخلص من خطوط التماس السياسية مع أصحاب المصالح السياسية و الاقتصادية، في الدولة والأحزاب وهذا ليس بالأمر الهين، بالنظر لدقة الأوضاع وتشابك الخيوط، حيث أفل نجم المُعارضة السياسية، وأصبح شبه مستحيل، مع نُخب سياسية شائخة لا هم لها إلا قضاء باقي سنوات العمر في بحبوحة من العيش و راحة البال ( الواقع أن المغرب ربما يُعتبر من بين بلدان قلائل في العالم الثالث، التي يعتبر فيها العمل السياسي بمثابة تقاعد مُجزي، وربما يرجع هذا إلى طبيعة النظام السياسي للبلاد). بالمُقابل نجد صحفا أخرى، نبتت من تربة حاولت المُزاوجة بين الاستثمار المربح والأداء المهني الجاد والجيد، مثل " لوجورنال " و " تيل كيل " ووليدتها بالعربية " نيشان " و " الصحيفة " و " الأيام " ... وأخرى اختارت خط المُشاكسة على طول الخط ، وتمثلت في التجربة القصيرة والغنية بالدلالات، التي كان وراءها الصحافي علي لمرابط، من خلال جريدتيه " دومان ماغازين " و " دومان " المُتوقفتين عن الصدور، بموجب قرار للمحكمة قضى بمنع مديرهما من الكتابة لمدة عشر سنوات. يبدو أن هذه التجربة توجد في مأزق حقيقي حاليا، عقب مسلسل المحاكمات التي بدأت بإدانة الصحافي لمرابط أكثر من مرة، بتهم تتصل ب " المس بالمقدسات " وقد وصل الأمر في بعض الأحيان إلى مواقف جديرة بالسخرية الداكنة حيث توبع الصحافي المذكور بالتهمة المذكورة لأنه نشر ما يُفيد أن قصر الصخيرات الذي شهد أطوار المحاولة الانقلابية العسكرية الأولى سنة 1971 معروض للبيع، ولم يتورع قاضي الجلسة عن القول بأن كل حجر في قصر الملك مُقدس، وهو ما جر النعت الشهير ب " قضية الحجر المقدس "... إسهابنا في تفاصيل مِحَن ذلك الصحافي المُشاكس، يبرره أن ما تلا ذلك من مُجريات تعاطي حُكام المغرب الجدد مع لاما سُمي ب " الصحافة المستقلة " أكد أن النية كانت معقودة لوضع حد للتجربة إياها مهما كان الثمن، تأكد ذلك حين تُرك الصحافي المُشاكس المذكور آنفا مُضربا عن الطعام لنحو أربعين يوما حتى كاد يُشرف على الموت، مثلما توبعت صحف ومجلات: " الأسبوعية الجديدة " و " لوجورنال " و " الأيام " و " تيل كيل " و غيرها لأسباب مختلفة بدءا بتهمة " المس بالمقدسات " مرورا بقضية البرلمانية " الشيخة " و " الثلاثمائة مليون التي حكمت بها المحكمة لفائدة البلجيكي " كلود مونيكي " ضد لوجورنال "... إلخ. في خضم هذه المعركة تأكد للصحافيين، أنهم لا يستطيعون مواجهة الإعصار الذي وضعته الدولة في وجههم، كما أنه ليس كل صحافي يمكن أن يتوفر على النَّفَس الانتحاري لعلي لمرابط، ناهيك عن أن شبح إغلاق المطبوع يَعد ببطالة سرمدية تقريبا، بالنظر إلى محدودية المنابر التي يُمكن أن تستوعب الصحافيين العاطلين، فضلا عن الحساسيات و أجواء العداء المُستحكمة بين مُمارسي الحرفة ببلادنا، وحصيلة هذا التفكير " المُتعقل " للصحافيين المُستهدفين كانت هي سلسلة تنازلات واعتذارات للملك و البرلمانية " الشيخة " و إشارات خوف في قاعات المحكمة.. بدأ ذلك مع اعتذار مدير " الأسبوعية الجديدة " عبد العزيز كوكاس الذي خرج من عند مُحققي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالرباط، ليقول لإحدى الصحف اليومية " أنا ملكي حتى النخاع " مما كان يعني أنه يتبرأ مما نشره في جريدته على لسان نجلة الشيخ ياسين قولها بأفضلية الجمهورية على الملكية.. ثم تبعه مدير أسبوعية " البيضاوي " عبد الرحيم أريري الذي كان مُتحمسا جدا لوضع عنوان مُثير حقا، بغض النظر عن سوقيته، على صدر أحد أغلفة أعداد جريدته وهو " الله ينعل دين مها بلاد ".. غير انه سرعان ما ابتلع حماسه حين ووجه برفض صاحب المطبعة سحب نسخ العدد إياه، حيث اضطر إلى تغيير عنوانه العجيب بآخر أقل سوقية وإثارة. وجاء الدور عند نفس المحك على مدير آخر هو نورالدين مفتاح صاحب أسبوعية الأيام الذي لم يجد بدا من الاعتذار للملك، بعدما حوصر قضائيا في مسألة نشره لملف عن الحريم القصور الملكية بين ثلاثة ملوك، وبالرغم من اعتذاره ذاك فإن المحكمة ضاعفت مرتين حكم الغرامة عليه في مرحلة الاستئناف. أما مدير " تيل كيل " بن شمسي، المعروف بحبه الشديد للمال، فوجد نفسه بعد عنترياته ضد السيدة حليمة العسالي يعتذر لها لتظل مئات الملايين المحكوم عليه بها في جيبه. وحذا صحافيو مجلته الدارجية نفس الحذو حيث اعتذروا عن " غلطتهم " الشهيرة والمتمثلة في ملف النكت الذي أثار ضدهم سخطا رسميا وشعبيا ودينيا، مما دفعهم في لحظة ضعف إلى الاعتذار مثل تلاميذ مذنبين، بل الكثر من ذلك ان علامات الرعب كانت بادية على مدير نشر المجلة المذكورة، وهو ينتقل في الأماكن العمومية محفوفا بحراسة أمنية مشددة خوفا على حياته، هذا الأخير لم يستطع تحمل الكثير، لذا فقد صرح أمام هيئة المحكمة بأنه " حاج " ولم تكن له نية في الإساءة للدين، أما الكاتبة التي حوكمت إلى جانبه فقالت بأنها تضع النشيد الوطني كمنبه في ساعة هاتفها المحمول... وهو ما جعل القاضي يشفق على حالهما ويحكم عليهما فقط بثلاث سنوات موقوفة التنفيذ. ليقرر بعد ذلك مدير النشر" كسيكس " للاستقالة من منصبه ومن الصحافة، ليتفرغ لكتابة المسرحيات فهي أقل مشاكل، اللهم سأم الجمهور الذي يًُشاهدها. وحده أبو بكر الجامعي استطاع أن يُفلت من فخ الاعتذار، حيث لم تُجد صرخات محامي " كلود مونيكي " محمد زيان نفعا معه، وهو يستحثه لكتابة افتتاحية، يعتذر فيها لموكله وبالتالي يلتزم هذا الأخير بعدم السعي لتنفيذ الحكم.. وبرفضه لهذا الطعم المُغري يكون الجامعي قد أنقذ سمعة مهنة الصحافة كما يُمارسها الجيل الجديد من الصحافيين المغاربة. وللأسف فإن شجاعة الرجل لم تستطع إيقاف النزيف، حيث أن المؤشرات التي تلت، أكدت أن تقهقر إرادة أصحاب حرفة المتاعب، هي الأساس والصمود استثناء، آخر المؤشرات على هذا المنحى تمثل فيما سطرته نقابة الصحافة في تقريرها الأخير، مُؤكدة أن مدير يومية المساء الوليدة، الواسعة الانتشار، بمقاييس ومعايير سوق الصحف المغربية، لم يتورع عن إفشاء هويات مصادره التي زودته بمعطيات في ملف العفو الملكي، معرضا إياهم لمخاطر جسيمة، ناهيك عن ضرب أخلاقيات المهنة ومصداقيتها في الصميم. الواقع أن المخزن المغربي، يعرف جيدا الأرضية البشرية والمهنية التي يتعامل معها في حقل الصحافة، لذا فقد قام بتحييد عناصر " التشويش " ودفع أجورا خيالية لمستشارين فرنسيين منحوه المشورة الناجعة للي ذراع الصحافة المستقلة الوليدة، وبعض صحافييها " المتنطعين " دون تكسيرها، فقد كشف الموقع الالكتروني الساخر " بقشي ش" قبل بضعة أسابيع، أن الصحافي الفرنسي المعروف " جوفران " المدير السابق لمجلة ليكسبريس يوجد ضمن المستشارين المعنيين للمخزن المغربي في مجال مهنة المتاعب، وحسب نفس الموقع فإن " جوفران " هو صاحب الفتوى القاضية بإرهاق كاهل الصحافيين بمتابعات قضائية هامشية، يكون الأمر فيها مُرتبطا بغرامات مالية ضخمة، ويمكن القول أن الفتوى إياها قد أتت أكلها، وإذا أضفنا على ذلك عملية التحييد السابقة، التي اعتمدتها الدولة منذ زمن لنقابة الصحافة، حيث جعلت منها مجرد ملحقة في شؤون الاعلام، يسيطر عليها حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ومنفذا لبلوغ مناصب عليا في الدولة ( كما حدث مع اليازغي والعربي المساري، وحاليا مع يونس مجاهد...) فبالرغم من عظائم الأمور التي عاشتها المهنة وأهلها في السنوات الخيرة إلا أن النقابة المذكورة كانت تكتفي ببعض المبادرات الخجولة، أو تلتزم الصمت، وهذا ليس بمستغرب من جهاز نقابي قال في حقه أحد أعضاء مكتبه المستقيلين منذ بضعة أشهر – يتعلق الأمر بعلي خلا – في حوار مع مجلة " تيل كيل " : " إن محاضر اجتماعات المكتب الوطني لنقابة الصحافة تُنقل للبوليس ". واليوم فإن قاموس الشتائم " المنقية " بين بعض الصحافيين - مثلما هو واقع الآن بين محمد لبريني صاحب الأحداث المغربية، ورشيد نيني صاحب المساء - يُغني عن الكثير من النبش في الأعماق العفنة لمهنة منكوبة بممارسيها، العاجزين عن الارتفاع على أحقادهم وتحاسداتهم الصغيرة، خدمة لمهنة تُعتبر، لو مورست بمبادئها وأخلاقياتها الرفيعة، خير مهنة أُخرجت، من رحم الحضارة البشرية الحديثة، للناس. خلاصة القضية ربما توجز في عبارة – بالتعبير الشعري الساخر للشاعر السوري المعروف نزار قباني - : المغرب لم يُؤسس بعد صحافته الحقيقية.