وكأن معاش المتقاعد معصوم من عوامل الزمن، تعتبر الحكومات المغربية أنه لا حقّ للمتقاعد في الزيادات التي تقرها لموظفيها الناشطين؛ بل تعتبر المعاش دخلا يجب إخضاعه للضريبة، ثم تنتظر موته لترتاح من نفقاته التي تثقل الميزانية أو أن يفترس التضخم معاشه إن طال عمره، فترمي له "جوج فرنك" دون عناء. وتوجد، اليوم، نساء أرامل يقفن في مكاتب البريد من أجل ألف درهم وأحيانا أقل، وقد كان أزواجهن أطرا عليا قبل أربعين سنة، بفضل راتب يتجاوز 3 آلاف درهم. ولو بقي الهالك حيا لما تجاوز معاشه ألفيْ درهم، ولو اشتغل أربعين سنة. كان أخي البكر عاملا في فرنسا منذ 1966، ثم تقاعد سنة 1991، وكان معاشه آنذاك يوازي 4 آلاف درهم، وأطال له الله عمره حتى أصبح معاشه يساوي 10 آلاف و450 درهما اليوم؛ لأن فرنسا تخضع المعاشات للسلم المتحرك، ويتمتع المتقاعد فيها بكل التغييرات التي تدخلها الحكومات الفرنسية على أجور الناشطين. لماذا لا نأخذ من فرنسا سوى الأشياء القبيحة؟ لماذا لم ننسخ منها نظام المعاشات؟ عقلية الاستعباد التي نجدها في ثقافتنا القديمة لا تزال حاضرة في المرفق العمومي والخصوصي، من يشتغل عندك هو عبد بالضرورة وخادم مطيع، تعطيه ما تشاء وتقطع عنه الرزق أو تقزمه كما تشاء. يشتغل الموظف ثلاثين أو أربعين سنة وفي نهاية عمره، حين يحتاج إليك أكثر، من ضعفه وكثرة أمراضه، تتعجل أنت موته لتسترجع النفقات "الضائعة" على كائن "غير منتج". اهتمام الحكومة اليوم مركز على معادلة الموظفين الناشطين مقابل المتقاعدين، تتباكى على أحوال الصندوق المغربي للتقاعد الذي سيتوقف عن صرف المعاشات سنة كذا وكذا إذا لم ولم، ومن بين هذه "اللم ولم" منع المتقاعد من مواجهة ارتفاع الأسعار التي لم تعد ظاهرة السنين وإنما كارثة الأيام والشهور. ثلاثة نشطاء فقط يؤدون معاش متقاعد واحد، وماذا بعد؟ تنتظرون ملائكة الرحمن أم مائدة المن والسلوى، هذه واجبات دولة مسؤولة وليس وضع قبيلة يتغير فيها النظام كل يوم. وكما أنقذت الدولة مؤسسات حكومية كبيرة من الإفلاس بمليارات الدراهم، عليها أن تتدبر مشاكل الصندوق المغربي للتقاعد. تقاعدت سنة 2017، وكنت أوفر 7 آلاف درهم من راتب خارج السلم، فوجدت نفسي بعد 6 سنوات لا أجد 1000 درهم أذخرها "لدواير الزمان"، لماذا؟ لأني بقيت حبيس هذه الدرجة 13 سنة بلا تغيير في الأجر، ولو أصلحت حكومة سابقة النظام الأساسي المعروض سنة 2011 لكنتُ تمتعتُ بسلم جديد، وكان معاشي أكثر حماية لي من أنياب التضخم. وقد أكون متقاعدا من نخبة الموظفين فما بالك بالموظفين الصغار، الذين لا يدرون ما هم صانعون مع معاش لا يتجاوز 3 آلاف أو 4 آلاف درهم. لا شك في أن الدولة تعتقد أن بإمكانهم إنشاء مقاولة أو العمل في القطاع الخاص.. هكذا، في آخر العمر، في الدقيقة التسعين، حيث يحتاج المتقاعد إلى الراحة والهناء وإراحة العضلات البدنية والعقلية.