إذا قلت إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم سيعترض علي غير المسلمين، وإذا قلت بأنها لغة العرب فسيعترض علي إخوتي غير العرب، لهذا سأقول فقط إن اللغة العربية ( إلى جانب الأمازيغية طبعا) مقدس من مقدساتي. إن دعاة استعمال الدارجة في التعليم المغربي يتساوقون عن قصد أو عن جهل مع ما تصبو ليه الليبرالية المتوحشة التي تدمر في طريقها كل شيء، حتى المبادئ والقيم بغية هدف واحد هو تحقيق المصلحة بالمفهوم السلعي والبراغماتي. ألم يحذرنا ماكس فيبر عندما قال : نحن نعيش في زمن نزع القداسة" ومعنى ذلك نزع القداسة عن الظواهر كافة بحيث تصبح لا حرمة لها ويُنظَر غليها نظرة مادية صرف. إن الرأسمالية في أقصى وأقسى تجلياتها تروم نزع القداسة عن كل شيء من لغة ودين وقيم ومبادئ... بهدف خلق جيل هجين. وهنا تكمن الخطورة. المغرب من الدول التي تتعايش فيها الإثنيات واللغات واللهجات والأديان بسلاسة قل نظيرها. والدعوة إلى الدارجة في هذا الزمن بالذات هو دعوة إلى تقويض الدعائم التي أسست لهذه السلاسة، إذ سيؤدي بالضرورة إلى تنافس غير شريف بين المكونات اللسانية المغربية، فيجر كل لسان وراءه لفاً قبليا، أو جهويا، سرعان ما يتخذ طابعا سياسيا. هنا ستعمق الجراح، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار المستوى المعرفي ودرجات الوعي التي سيفرزها التعليم كما أراده دعاة الدارجة. الدعوة إلى التعليم بالدراجة، هي دعوة صريحة إلى صناعة التخلف الفكري والمعرفي وتعويضه بوعي زائف على غرار ما تطرق إليه كتاب nation of sheep a للكاتب الأمريكي وليام يوليوس يدرر. أمة من الخراف إذن سيكون من السهل توجيهها من طرف أعدائها، لأنها ستكون طيّعة، تعيش من أجل اللذة والمنفعة الضيقة بمفهومها الحيواني مع غياب كل المحددات الأخلاقية والدينية والوطنية. الدعوة إلى استعمال الدارجة هي دعوة مقصودة إلى عدمية لسنية، والاقتصار على كتابة كلمات اللسان الدارج بحروف لاتينية، فيعوض حرف العين ب 3 والقاف ب 9 ..... وبهذا نفقد التواصل مع تراثنا وحضارتنا وكل مقوماتنا. إن الذين يدعون إلى استعمال الدراجة في التدريس يركنون إلى مسوغات واهية مفادها أن اللغة العربية قديمة ومعقدة وغير مواكبة للعصر، ينم هذا عن جهلهم التام بالتاريخ؛ فبالعربية دُرس 32 علم في بيت الحكمة. وبالعربية أضيفت 500 مسألة فلسفية كالكسب والطفرة والجبر والاختيار وغيرها كثير، ذلك أن العرب تسلموا مباحث الفلسفة من الحضارات القديمة وهي تضم 200 مسالة وسلموها للعالم ب700 مبحث. لقد بحث أعداء العربية عن نقيصة واحدة في اللغة العربية فلم يعثروا عليها، فذهبوا يؤلفون الممادح في غيرها نكاية فيها، عل ذلك يقلل من شأن العربية. ليست مشكلتنا لغوية أيها المروجون للدارجة: فدول الاتحاد الأوربي تتكلم 23 لغة رسمية وعشرات اللغات المحلية، ودول A.L.E.N.A تعتمد ثلاث لغات للحوار. أما داخل مجموعة ASEAN فحدث ولا حرج. ومع ذلك فإن هذه الدول والمجموعات لا تعاني من مشكل اسمه تردي التعليم. " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ... " النحل، أية92 توصل علم اللغات الكوني اليوم أصل كل اللغات المنطوقة إلا اللغة العربية، ومعنى ذلك أنها هي أم اللغات جميعا، حتى اللغة الصينية التي يتجاوز عمرها ال4 آلاف سنة تقف صبية أما أمها اللغة العربية. وتعتبر السوريانية أول لغة خرجت من رحم العربية متبوعة بالسنسكريتية. إذا كانت الروسية تضم حوالي130 ألف كلمة، واللغة الفرنسية تضم حوالي150 ألف كلمة ، واللغة الانجليزية تحتوي على ما يناهز600 ألف مفردة فإن اللغة العربية تضم أكثر من 12 مليون كلمة ( إحصاء القرن 8 م) أي أكثر من الروسية ب 93 مرة ومن الفرنسية ب 82 مرة ومن الانجليزية ب 25 مرة، هذه الرحابة تجعل العربية أكثر تقدما من أي لغة فوق الأرض، مع العلم أن أول قاموس هو كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن 8م في حين كان على اللغة الانجليزية أن تنتظر إلى حدود 1604 لتحظى بأول قاموس هو : A Dictionary of the English Language لصمويل جونسون. اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تحتوي على ترياق مضاد للفناء حسب قول العالم د سعيد الشربيني والبروفيسور مهند الفلوجي والدكتور فاضل صالح السامرائي الدكتور مصطفى محمود.... مما جعل الجامعات الإنجليزية توصي بحفظ التراث الإنجليزي في وعاء عربي لأنها اللغة الوحيدة غير الفانية. في الختام أصيح ملء حنجرتي: " اللغة العربية أمنا، نحن نحب أمنا حتى ولو كانت قبيحة، وبالأحرى فهي أجمل الأمهات". *قاص وروائي