، قد تحمل بطاقة هوية، أو جواز سفر، أو عقد ميلاد، أو أية وثيقة تسمح لك بحمل جنسية بلد ما، لكن أن تكون مغربيا، فعليك أن تكون إضافة لما ذكر، حاملا لذاكرة أجيال سبقت، ولأحلام وآمال الأجيال الحاضرة... أو تلك التي لم تولد بعد... ليس سهلا أن تكون مغربيا، إذا قدر لك أن تكون مغربيا، فعليك أن تملك من العزيمة ما يجعلك تهب هبة رجل واحد لتزلزل الأرض تحت أقدام المستعمر...ليرجع صاحب العرش لعرشه...وتشق الجبال بسواعد الشباب، لتربط شمال الوطن بالوطن ...وتسترجع صحراءك بمسيرة سلمية... بنظام وانتظام...سلاحك الوحيد ذكر حكيم... ليس سهلا أن تكون مغربيا، إذا قدر لك أن تكون مغربيا، فعليك أن تهدم جبلا من أجل ريان...ذلك الطفل الذي لم يبلغ الحلم بعد...وأن يحزن العالم لحزنك...ويقف مشدوها لإرادتك الصلبة التي تتحدى الجبل...وأن تقاوم الوباء بإباء...سلاحك إرادتك وعزيمتك وإيمانك بحب مقدساتك... ليس سهلا أن تكون مغربيا، أن يفرح العالم لفرحك حين وصل منتخبك الوطني لنصف نهائي كأس العالم...يوم لفّت الأجساد بالأعلام الوطنية، وملأت زغاريد النسوة كل الأمكنة، وحاصرت منبهات السيارات الامتدادات اللامتناهية للشوارع، في وسط الزحام تحس بالنظام، وفي ضيق الشوارع والأزقة تشعر بسعادة منشورة على الوجوه، تسامح، تصافح، ابتسامات ...عندها تشعر بأن الانتماء للوطن إيمان... ليس سهلا أن تكون مغربيا، حين يصاب جزء من الوطن بمصاب جلل...يصبح الوطن كله ذاك الجزء من الوطن...تتحرك في دواخلنا تلك الرغبة الجامحة في أن نكون جسدا واحدا، يسكنه الطبيب الجراح والجريح في نفس الآن... كلاهما يحمل أملا وألما...وحلما بشساعة كل الأكوان...جسدا واحدا يقهر اليتم...يخفف عن الأرامل لوعة الفراق...ويواسي الشيوخ الذين أكل الجبل الغادر سواعدهم، ورسم الزمن حكايات مقروءة على تجاعيد وجوههم...هكذا نحن...مغاربة وكفى. ليس سهلا أن تكون مغربيا، أحييت فينا ما هو حي فينا يا زلزال الحوز ...أحييت ما بحوزتنا من تضامن وتآزر وتواد وتآخي...ذابت المسافات منذ الهزة الأولى...قهرنا الهزات الارتدادية لنصلك أيتها القرى النائمة في حضنك يا أطلسي الشامخ...لنمسح دموع يتيم...نواسي أرملة فقدت زوجا تذرف دمعا بكبرياء، وعجوزا فقدت ابنا أو حفيدا تلتمس له بخشوع الرحمة والمغفرة...وأناسا فقدوا أعزة آنسوهم دهرا، لم يبق لهم منهم إلا الاسم والكنية وصورة جامدة في الذاكرة لا تنسى... ليس سهلا أن تكون مغربيا، قلوب العالم كانت كلها معنا في أحزاننا...توحدت المشاعر ...وتسابق المعزون والمواسون...وأصحاب الأيادي البيضاء...كبار قادة العالم...منظمات دولية وإقليمية...مشاهير ...أناس بسطاء...حتى الأعداء المتحاربون توحدوا في حبنا... جمعتهم الرغبة في تقديم مساعدات عاجلة للتخفيف من آلامنا...حتى الذين حاصروا يوما أنفسهم... فكوا الحصار... ليس سهلا أن تكون مغربيا، لما اهتزت الأرض... قلنا للعالم نحن المغاربة قادرون على فك عزلة المكان...وعلاج المصابين...والتكفل باليتامى...ودفن موتانا بكرامة...ومد الجسور...وبناء الصوامع وأسوار الأجداد...وعمارة الأمكنة الموحشة...بإرادة وعزيمة ملك وشعب لا يهابان الصعاب، ولا تعطل أحلامهم فواجع الزمان...عقدت الاجتماعات ...اتخذت القرارات المناسبة في الوقت المناسب...وبدأت رحلة الألف ميل...باسم الله مجراها ومرساها... ليس سهلا أن تكون مغربيا، إذا قدر لك أن تكون مغربيا، فاعلم أنك من سلالة لا تعرف المستحيل...تقهر الصعاب...جسد يختزل حضارات عريقة...قلب ينبض بحب أبدي يجمع كل أعراق الوطن...تسافر داخله مشاعر وأحاسيس لا حد لها من التضامن وحب الخير للغير...ومن أجل كل هذا، وغير هذا يحسدنا الحاسدون...ويقدرنا ويجلنا ما سواهم. ليس سهلا أن تكون مغربيا، كن من أي جنس من أجناس الأرض...احمل جوازات سفر ما تقدم من الأمم وما تأخر...صل القمر وما والاه من الكواكب والنجوم...اصنع القنابل المدمرة والصواريخ العابرة للقارات...املك المعامل والمعاول...اكتنز ذهب الدنيا أجمع...دمر الشعوب تحت أي مسمى...اقهر القريب والبعيد...اخترع الرقميات وفك شفرت المعسر منها... لكن ليس سهلا أن تكون مغربيا...فحب الوطن عقيدة.