حرية الكلام والتعبير، فيما يخص المسائل السياسية والقضايا التي تهم العامة، تعتبر سر قوة أي نظام يدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالحكومات الديمقراطية لا تسيطر أو تراقب ما يقال أو يكتب من طرف مواطنيها. فكل ما هو ديمقراطي يكون مشبعا عادة بأصوات كثيرة وأراء مختلفة، وحتى متناقضة والسبب هو المشاركة العامة في المصلحة التي تهم الوطن بما أنهم وطنيون. ووفقا لأصحاب النظريات الديمقراطية، يؤدي الحوار الحر والمفتوح عادة إلى انتقاء أفضل الخيارات، كما أنه قد يؤدي إلى تجنب اقتراف أخطاء خطيرة ومضرة للوطن، فالمتكلم قبل كل شيء هو من الشعب والنظام مهمته الأولى هي خدمة الشعب،وإن وقع خلل بين المتكلم والمتلقي تتزعزع القيم الوطنية والمعاني السامية للنظام والمنظومة الشعبية. تعتمد الديمقراطية على مجموعة من المواطنين القادرين على صياغة المعلومة، وتحليل الأفكار ومناقشتها لتحثهم على المشاركة في الحياة العامة لمجتمعاتهم، علاوة على قدرتهم على انتقاد المسؤولين والحكوميين أو السياسة الاستبدادية للنظام إذا اقتضى الأمر في سبيل المصلحة العامة. لكي يحس الشعب بالممارسة الوطنية يجب أن يمارس حقه في حرية التعبير وبكل صراحة ، إما عن طريق الكلام أو الكتابة، والمتكلم أو الكاتب وجب أن يكون محميا من طرف دستور ديمقراطي متعارف عليه ومصادق عليه من طرف النظام الحاكم ، ومقبول من طرف الشعب ، دستور يخدم الكل في رقعة تسمى الوطن، بحيث تمنع كل هيئة من اختراقه. "" لكن في العالم العربي عامة والمغربي خاصة ندعي الحرية والديمقراطية ونقيّدها في دستور ليس له علاقة بالديمقراطية، ندعي حقوق الإنسان من جهة ونفتح السجون والمعتقلات من جهة أخرى، تفتح قنوات الحوار ليُكسر ضلع كل متكلم في مكان إنفتاحها. استهلكنا الشعارات حتى النخاع وتجرعنا الكلمات حتى نفاذها، لكن انتهى وقع الكلمات والشعارات ليأتي التطبيق على أرضية سيدي إفني ، وعلى صفحة الحوار والمصالحة يُخرط وجه حسن برهون، شكيب الخياري، زهرة وآخرون في السجون بتهم غريبة تمتح من قوانين مسلّطة على الفئة المغلوبة من الشعب لقمعها وجعلها في الدرك الأسفل ، علما أن الطبقة الأخرى منزهة حتى وإن عبثت فهي مجنونة. يجب أن يعلم المسؤولون أن المغرب لكل المغاربة والقانون وجب أن يحمي الجميع، والقضاء يخطئ ويصيب، والنظام نظام على الكل ليس على البعض، وحرية التعبير والكلام حق إنساني، هذه هي الديمقراطية التي نريد وما تريدون يبقى استبدادا فقط. إن المعيار الحقيقي لتقدم أية أمة أو شعب أو مجتمع أو دولة يكمن في مدى احترامها لحرية التعبير باعتبارها محوراً أساسياً في قضية حقوق الإنسان، وهو المعيار الذي تقاس به صدقية الأمم والشعوب والمجتمعات والدول، إضافة إلى الحركات والأحزاب والجماعات السياسية في السلطة أو من معارضاتها، وكذلك حركات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، التي هي الأخرى بحاجة إلى ممارسة شفافة وأسلوب ديمقراطي لدعم حرية الرأي والتعبير ليس بالتصادم أو بالتساوم أو خلق الفتنة ولكن بالتوافق والتشارك كقوة اقتراح مؤثرة وليس قوة احتجاج فحسب. الإصلاح والديمقراطية ينموان ويتعززان بحرية التعبير التي بدونها تبقى الأشياء ناقصة ومشوّهة، فهي التربة الخصبة التي تنشط المجتمع وتعيد إليه عافيته وتساعده على التطور والازدهار والإصلاح والنمو. قال فولتير يوما "قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي دفاعاً عن حقك في التعبير عن رأيك" اليوم أصبح متاداولا بين العرب " قد تختلف معي في الرأي لكن كون مستعد أن تدفع حياتك دفاعا عن حقك في التعبير عن رأيك.." وصدق من قال من التشابه ما قتل. * مهندس وباحث من أمريكا [email protected]