هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    أخبار الساحة    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفات مع ميكانيزمات الحراك العربي
نشر في هسبريس يوم 27 - 01 - 2014

بمناسبة اندلاع ام الثورات بمصر: وقفات مع ميكانيزمات الحراك العربي
تمهيد:
في مثل هذا اليوم من سنة 2011 ( 25 يناير) شهدت مصر خصوصا وعموم الدول العربية انتفاضات تزعمها شباب العالم العربي، وقد سمي ذلك بمصطلحات ومفاهيم وتعاريف من قبيل الحراك والربيع والانتفاضة والانقلاب... وقد تفاوتت الأنظمة في درجات تفاعلها مع الحدث. إلا أن ما جرى في مصر يمكن أن ينعت بأم الثورات؛ التي ناضلت من اجل إسقاط نظام حسني مبارك، وانطلقت في إرساء مؤسسات الدولة. إلا أن حلم ارض الكنانة سرعات ما تسرب بسبب انقلاب عسكري تطلب تكاليف.
تعدد عراقيل فهم ما يجري
تنتصب أمام الاشتغال على موضوع الحراك العربي عراقيل متعددة نخص منها بالذكر خمس: فتعدد دول العالم العربي واختلاف كبير لمسارها التاريخي ومظاهرها الطبيعية والاجتماعية خلف صعوبة استكمال الصورة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية... مما فرض الاعتماد على معطيات آنية، نقر بقصورها عن تحقيق شمولية النظرة إلى الحدث.
كما أن طبيعة المناخ السياسي العربي المعقد والقائم على توازنات وتركيبات بهلوانية، ظلت غير مساعدة على تتبع التطور وبناء توقعات وتنبؤات. وقد تفاقمت الصعوبة بسبب ندرة الدراسات النموذجية في التجارب العربية. فطريقة التحليل غير العلمي والمبني على ردود أفعال إزاء بعض الأحداث العابرة (انقلاب موريتانيا)، خلقت نوعا من الضبابية، كرستها مقولات الخصوصيات المحلية، وعرضت بعض التجارب للتشويش، تبينه ظاهرة استنساخ الشعارات وأشكال تنظيم الحراك.
قصد المساهمة في النقاش الدائر حول الحراك العربي، تقف هذه المقالة وقفات أولية مع ميكانيزمات الحراك الشبابي العربي في إثني عشرة محطة.
ماهية الموضوع المستجد
تتمثل أهمية الحدث التاريخي في كونه يشكل التحول الأبرز على الإطلاق، وسم مطلع العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، وأحدث قطيعة مع خطاب الإرهاب والتطرف التي طبعت تدبير العشرية الأولى منه، وسرع بطي صفحة مواجهة الأنظمة لأي عمل تغييري.
إن فجائية الحدث غطت هزاته مجال العالم العربي ربيع الشعوب العربية الواسع من المحيط إلى المحيط، في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الشهر، بشكل جد متفاوت القوة وجد متباين النتائج.
وضع الحدث الأمة الإسلامية والعربية على الواجهة، وأوقف سيلا من مشاريع من شأنها تعميق أزماتها. بل منحها الحدث فرصة ذهبية لإصلاح أوضاعها. وقد أعاد الحراك الاعتبار للشباب في معادلة الصراع، ووعد ببداية تشكل نخبة جديدة التطلعات. وبعدما كان هذا القطاع يوصف باللامبالاة والميوعة، أصبح يتبنى قضية قيادة أقطار الأمة المجزأة إلى التحرر والعدالة والكرامة.
خلف الحدث زعزعة قوية لبعض الثوابت السياسية بالعالم العربي؛ فلم يعد مقبولا وصفه بالمستقر، والتابع والمتحكم فيه من قبل الزعماء وأعوانهم. مما طرح ضرورة إعادة النظر في المفاهيم وقواعد التحليل السياسي. كما يجبر على تغيير أساليب الدراسة السوسولوجيا السياسية.
تنوع المفاهيم المتداولة
في محاولة لإعطاء الحدث بعده الإيديولوجي، يتداول حاليا في مقاربة الأحداث الجارية بالعالم العربي مفاهيم متقاربة المعاني، تتصف بالتعدد؛ فهناك من اختار مفهوم الانقلاب؛ باعتباره فعلا يرتبط بالجهاز العسكري، الذي ينقلب على الأنظمة المدنية أو العسكرية، فتعتلي السلطة رموز جديدة أو حكومة سياسية جديدة من حيث الهيكل، لكن ليست بالضرورة جديدة من حيث المنهج ونمط الحكم.
من جهة ثانية تداولت فئة من المفكرين مفهوم الثورة؛ لاقتراب ما يحدث من مضامين الثورات الفرنسية والأمريكية والسوفيتية والإيرانية... وهي فعل قد يستعمل العنف، ويرتبط بزعامة ونخبة وطبقة اجتماعية أو سياسية تطيح بنظام سياسي، ليحل محله نظام جديد من حيث المضامين، تتولى تنزيلها قيادة الثورة بعد الاستيلاء على زمام السلطة.
يرى البعض أن ما يجري بالمنطقة انتفاضة، مستلهمين ما وقع بفلسطين؛ رغم أن مطالب الحراك الشعبي الفلسطيني تختلف عن باقي الأقطار العربية؛ فهي تنشد التحرر وإجلاء المستعمر، وتتوخى عودة اللاجئين إلى أراضيهم، وتتطلع إلى تأسيس دولة فلسطين عاصمتها القدس، وتسعى إلى تسريح المعتقلين الفلسطينيين القابعين بسجون الاحتلال.
وأخيرا يسمي فريق ما يقع بالحراك الاجتماعي؛ فهو حركة غير إيديولوجية انصهر فيها كم كبير من الشباب، ذي مشارب سياسية متنوعة. وهو فعل تنخرط فيه كل الطبقات الاجتماعية سلميا في المطالبة بتغيير شمولي، يلخص في مطلب إسقاط الفساد دون الطموح في الوصول إلى السلطة. وهو ما يمكن أن يصطلح على ما يقع بمعظم العالم العربي مع مطلع العشرية الثانية من القرن الجاري.
تعدد شروط الحراك الاجتماعي
يستلزم اندلاع الحراك الاجتماعي استكمال ثلاثة شروط رئيسة، تتمثل في استكمال المظلوميات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فالمظلومية السياسية تفسر بعوامل افتقاد المنافسة الشريفة في تداول السلطة، وتمييع المحطات الكبرى للنشاط السياسي. في هذا الإطار يعيد المحللون عوامل ضعف المنافسة السياسية الشريفة إلى نزوع الحكام العرب إلى احتكار الرئاسة مدى الحياة؛ فالقذافي يعتبر أقدم متسلط، وصل إلى سدة الحكم عن طريق انقلاب عسكري نفذه سنة 1969 ضد الملك إدريس السنوسي؛ منذ أكثر من أربعين عام عجاف.
كما يميل الرؤساء إلى الجمع بين مهام متعددة ومتباعدة الوظائف، فولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، يشغل أيضا مناصب: نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام في المملكة العربية السعودية.
من جهة أخرى اختار النظام السياسي بالبلاد العربية استدامة تواجد الحزب الحاكم بالسلطة لعقود، استمرت منذ الحصول على الاستقلال، وبداية اعتماد الانتخابات بالبلاد العربية. وقد ترتب عن ذلك تنامي مظاهر العبث بالحياة السياسية؛ من خلال وضع دساتير على مقاس هوى الزعماء. فبشار الأسد غير فصلا من الدستور في خمسة عشرة دقيقة بعد رحيل حافظ الأسد، ليتمكن من الترشح للرئاسة.
وبهدف إنهاء طموحات المعارضة، سادت عقلية التوريث الرئاسي بالعالم العربي: إذ بدأ تحضير الأبناء أحمد صالح (اليمن) وجمال مبارك (مصر) وسيف الإسلام القذافي(ليبيا)... لتولي الرئاسة بشكل مستفز لشعور النخب والشعوب.
أما تمييع العمل السياسي فيتمظهر في هامشية المؤسسات المنتخبة: إذ أن اعتماد المكاتب الوطنية والشركات الوطنية وتأسيس المجالس العليا... يعتبر عملية تهريب الملفات الحساسة اقتصاديا واجتماعيا من يد الوزراء وتركيزها بيد الحاكم. وقد تعزز تهميش المؤسسات بتضخم الإقصاء من الفعل السياسي، وإلغاء التعددية من خلال اعتقال الخصوم المؤهلين للترشح للرئاسيات، والتضييق عليهم في الانتخابات، كامتياز لتلميع عناصر الحزب الحاكم بالبلاد العربية، وتيسير التزوير لها.
أمام تكرارات العبث الفاحش بإرادتها، عزفت الشعوب عن الانخراط في المحطات السياسية؛ إذ أن النسب ظلت تتراجع، ولا ترتقي إلى التعبير عن المشاركة الشعبية الحرة، اللازمة لإفراز مؤسسات شرعية.
تتجلى مؤشرات استكمال المظلومية الاجتماعية في مظاهر التصفية الجسدية (القتل البشع للصحفي الليبي من قبل القذافي سنة 2005.) وضعف حرية التعبير الذي يتمظهر في إغلاق القنوات مع بداية الحراك الشعبي، خصوصا المحايدة، واعتقال الصحفيين (رشيد نيني: المغرب) والتمثيل البشع (الطفل حمزة علي الخطيب: سوريا) وحظر الانترنيت والتشويش على الهاتف والتصنت على المكالمات بمعظم الدول...
ويعتبر فساد القضاء واختلال العدل وانعدام المساواة، وسيادة العنف والمس بالكرامة: البوعزيزي (17 دجنبر) وفدوى العروي (22 فبراير) وحميد كنوني (9 غشت). وقصف أحياء الفقراء (مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين من قبل الجيش السوري) (14 غشت). ووصف الشعب بالجرذان والنجاسة والدنس (الخطاب الأول للقذافي)... نماذج مغرقة في دوس قيم التحرر والحداثة.
يستلزم اندلاع الحراك الشبابي استكمال المظلومية الاقتصادية التي يمكن اختصار مفاعيلها في استفحال انتشار البطالة؛ بحيث صرحت منظمة العمل الدولي على أنها تفوق 23 بالمائة عموما، وتكاد تتضاعف في قطاع المرأة. كما أن ضعف الاستثمار وتراجع الدخل وغلاء المعيشة نتيجة اقتصاد الريع، والامتيازات المخلة بشروط المنافسة الحرة، وضعف النمو الاقتصادي رغم توافر البلاد العربية على مقدرات كفيلة بتحقيق نمو مستمر يضاهي الدول المتقدمة.
شبابية الحراك الشعبي
يقول لنين: "من لم يتعلم الثورة قبل العشرين فلن يتعلمها أبدا". ويقول محمد عابد الجابري: "إن ما يكتبه الشباب بصدق ومعاناة يكون في الغالب أقرب إلى كبد الحقيقة مما يكتبه الكبار". لذا فإن شبابية الحراك الشعبي العربي قد غيرت النظرة إليه، وصححت صورته من خلال: تحكمه في تقنيات التواصل، والقدرة على تحويل الفيسبوك إلى أداة فعالة في التعبئة لمشاريع سياسية كبرى.
لقد تغذى الحراك بالتزام الشباب ذي الانتماء السياسي بمختلف توجهاته، وحرصه على الحضور اليومي في ساحات النضال، ومواجهة سريعة لما يفرز من تحديات. كما برهن عن حنكة في قيادة الحراك على أرض الواقع، والسبق في تقديم كل أشكال التضحية المادية والمعنوية.
الحضور البارز للمرأة
يعد حضور المرأة من السماة البارزة في الحراك الشبابي العربي؛ فقد قامت الشابة أسماء محفوظ المصرية بمحاولة سنة 2008 لتنظيم مظاهرة، تلقت استجابة ضعيفة، تمكنت عناصر الأمن من تفكيكها بسهولة.
إلا أن إقدام نفس الفتاة على إعادة المحاولة سنة 2011، تمكنت على إثرها من إنزال الملايين إلى ميدا التحرير، وأفلحت في المساهمة في هد نظام مبارك. وقد أظهرت المرأة مساهمتها الجسيمة من خلال المشاركة في قيادة خلايا الشعارات والتطبيب والتوعية السياسية والأعمال الاجتماعية...
التحدي والصمود الشعبي
اتصف الحراك العربي بالصمود والتحدي الشعبي المتعدد المظاهر، والتي يمكن رصد بعض معالمها في تجاوز قانون حالة الطوارئ رغم الوعيد والتهديد الموجهة لمخالفي الأوامر، وتحدي إعلان حظر التجول، واقتحام الأماكن الممنوع التجمهر بها، والمرور بالشوارع الرئيسية، وبلوغ النقط المحظورة.
يعتبر استرخاص الاعتقال والاستشهاد، وتحمل الإعاقات والجروح والكسور والاستمرار في الحراك، وتحمل العنف بمختلف أشكاله... مقدمة لارتقاء الشباب إلى مستوى اعتماد أسلوب المواجهة المسلحة المنظمة (ليبيا: على سبيل المثال)، حيث عمد الثوار إلى مواجهة النظام وأنصاره.
كما يعد تحدي التكتم الإعلامي والتضليل الصحفي والإشاعات... تعاطيا شبابيا ذكيا مع محاولات الزعماء في تفكيك المظاهرات من خلال تقديم بعض الوعود، ودغدغة العواطف، التي جابهها الشباب في الحين بتجديد المطالب الحقيقية والرفع من سقفها. وقد ساهم ذلك في تجاوز "البلطجية" أو "البامطجية" (بالمغربية) والفئات المأجورة التي تنعت في المغرب ب"حركة 20 درهم"، مقابل حركة 20 فبراير المعارضة.
شكل تجاوز عقبة التفتت الطائفي (لبنان) نموذجا، ومواجهة تصعيد القوات الإثيوبية والإفريقية والحكومية (الإدارة الإسلامية في كسمايو) في الصومال، وتحمل قطع الخدمات العامة وتسميم المياه (إيران) بمنطقة الأحواز، وتجاوز امتناع الدولة عن معالجة المصابين والجرحى والتماطل في نقلهم إلى المستشفيات العمومية... اوضح صور التحدي الشعبي.
تنوع أشكال الحراك
بين اندلاع الحراك وحدة الشعوب العربية في الهدف، وإعلان تضامن بين قيادات الحراك، ومساندة بعضها البعض من خلال الإمدادات الغذائية وإنشاء المخيمات لاستقبال النازحين (مخيم الذهيبة بتونس لللاجئين الليبيين) وجنوب توركيا (مخيم اللاجئين السوريين)، وتنظيم مظاهرات واعتصامات كبرى ومسيرات عارمة، استهدفت أماكن حساسة، تجاوزت قدرات السلطة والبلطجية في السيطرة وتفريق المحتجين.
أتقن المتحركون استثمار وسائل الاتصال الحديث؛ فالفيسبوك والتويتر واليوتوب الحديثة والسريعة ساعدت في نشر الأخبار والمستجدات وتعميمالقرارات. ولإنجاح المعارك لجئوا إلى اتخاذ ساحات ثابتة (التحرير، الحرية، التغيير، الشريعة...) وغيرها من الاسامي. كما بادروا إلى احتلال المباني والمنشئات الحكومية.
وقصد تلخيص طبيعة المعركة تم اتخاذ شعارات دقيقة (إسقاط الفساد، إسقاط النظام، الشعب يريد، ارحل...)، وتحديد شعار لكل مرحلة نضالية. ويعد تحديد يوم الجمعة وهو يوم عطلة، يخصص للغضب الشعبي بعد أداء الصلاة، انطلاقا من المساجد أهم العناصر المشتركة بين الحراك.
كما استثمرت إثارة العامل الطائفي (السعودية وإيران) كمدخل للتظاهر. وإعمال مبدأ النصرة (فلسطين) بالانخراط في مسيرة العودة باختراق الحدود الصهيونية انطلاقا من دول الطوق. واتخاذ مستوصفات في ميادين التحرير لضما تقديم الإسعافات الأولية بعين المكان.
ساهم تثبيت المحتجين، وتشجيع الجماهير على الانخراط في الاعتصامات التي كسبت تأييد تنظيم تظاهرات بالخارج وفتح فروع مساندة. واعتماد السرعة والمفاجأة في انتقال الثورات إلى الأقطار العربية ومساندة بعضها البعض، ووضع خطة لإدارة أنشطة إعلامية تفوقت على إعلام الأنظمة.
إجبار القوى على اتخاذ مواقف مساندة
تمخض عن انعقاد مؤتمر الأصدقاء والمانحين بباريس (فاتح شتنبر) اعتراف أكثر من ستين دولة بالمجلس الانتقالي السوري، وأفرجت عن أموال مجمدة، مما يشكل حصار للنظام وصعوبة استقبال الفارين من إفراده.
تبنت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان قرارات تشكيل لجن لتقصي الحقائق حول انتهاك حقوق الإنسان بسوريا (23غشت) و( 1يوينو، مجزرة الحولة) على سبيل المثال. كما بادر المثقفون الأردنيون إلى تنظيم مسيرة تضامن مع الثوار السوريين، وإدانة قمع (14 غشت) نظام بشار.
تمكن الحراك من كسب تأييد أفراد الجيش والأمن والحرس الثوري، الذي أصبح يحرس الثورة، بل والاستفادة من خبرة بعض العناصر في التعاطي مع بعض الأحداث.
على المستوى الميداني أيدت مختلف أحزاب المعارضة والحركات، وانضم رؤساء القبائل والعشائر، مما اكسب الحراك مدا معنويا مهما، تعزز بدعم القوى العظمى (حلف الناتو)، مما أثنى العديد من الأنظمة عن اعتماد مقاربة العنف واستعمال السلاح.
استفاد الحراك من تأييد الرموز الدينية ومؤسسات العلماء، ومساندة الهيئات الحقوقية، وإصدار شخصيات (القرضاوي يوسف، واحمد الريسوني، ونيلسون منديلا، ومحمد الفيزازي، وبن سعيد آيت إدر...) لرسائل تحفيز وتوجيه الحراك الاجتماعي، ورغم محاولة بشار كسب دعم هيئات العلماء فان القطار فقد فاته. وفي نفس السياق ختم انعقاد المؤتمر القومي والمؤتمر العام للأحزاب العربية (350 شخصية)، بإعلان دعم الحراك الشعبي العربي. ويعد اعتراف أكثر من ستين دولة بالمجلس الانتقالي الليبي دعامة أساسية لمضي الحراك نحو قصر العزيزية.
إصلاحات سياسية مسكنة
أمام الموجة العارمة اضطر الزعماء إلى القبول بإجراء إصلاحات، تقتضي الفصل بين السلط (خطاب العاهل الأردني 14غشت) نقلت بموجبه بعض اختصاصات الملك إلى البرلمان اثر تشكيل لجنة لاقتراح تعديلات دستورية. كما تجلى ذلك في إقالة وزراء (بن علي) خصوصا الداخلية، وحل الحكومات (ليبيا عمان سوريا الأردن الكويت...) بالخصوص، وإعلان عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، والعدول عن الترشح لولاية ثالثة (عمر خليفة جيبوتي).
وفي أوج الحراك أرغم الزعماء على التخلي عن السلطة (مصر وتونس وليبيا) بعد خراب البصرة. وقد تلى ذلك نزيف لشبكات الأنظمة، تمثلت في استقالات من صفوف الحزب الحاكم والانضمام إلى المسيرات الشعبية وميادين التظاهر، وإرباك حسابات أحزاب الدولة (الأصالة والمعاصرة: بالمغرب) وفسح المجال أمام التعبيرات المعارضة. فبلغت الحركات الاسلامية بكل من تونس والمغرب ومصر... مكانة مهمة في تسيير دواليب الدولة رغم استعادة فلول الانظمة المنهكة لبعض انفاسها وابداء طموحاتها في العودة من جديد الى سدة الحكم المطلق.
وكان من بين حسنات الحراك استثمار الحدث في الدفع بالقوى العاملة (فلسطين) إلى تقوية المصالحة، ووضع دساتير جديدة (المغرب وتونس ومصر والأردن) وتوسيع المشاورة . ونتيجة سرعة انهيار الحكم، تمكن الحراك من فضح هشاشة الأنظمة والحكومات العربية خصوصا وزراء الداخليات، التي انتهت قدرتها التسلطية على التحكم في أنفاس الشعوب. فالشعب الذي كان يصفه الحكام بأنه وفي احتضن الحراك، واستقبل الثوار حينما انهارت قبضة الدكتاتورية.
ومن بين النتائج العامة تأثر العالم غير العربي (القوقاز بروسيا) وثورات (الصين13 مدينة) وغيرها. كما خلف انفراجا وإطلاق سجناء الاعتقال بسبب الرأي السياسي (موريتانيا)، وإطلاق برامج لتمويل مشاريع الإدماج.
إصلاحات اقتصادية ترميمية
قصد تهدئة الأوضاع تم إقرار تخفيضات في أسعار المواد الغذائية (تونس) مثلا، كما تمت المسارعة إلى الزيادة في الأجور (المغرب ومعظم دول الخليج...). ونتيجة ارتفاع منسوب الحراك، عملت الدول الكبرى على إبطال صفقاتها (روسيا تجارة الأسلحة) مع العالم العربي. ويعد تزايد القلق الصهيوني بسبب تنحي العميلين حسني مبارك وعمر سليمان من مخلفات الحراك.
ومن النتائج الطبيعية للتحول الجيوسياسي في المنطقة، و تماهيا مع طموحات الشعوب تجميد الدول الكبرى أرصدة الأنظمة المنهارة (ليبيا ومصر). وكان من الطبيعي سرعة انهيار الاقتصاديات القائمة على المساعدات، وظهور أزمات بشكل آني، كادت تستثمر ضد تحقيق أهداف الحراك.
إصلاحات اجتماعية استمالية
لقطع الطريق أمام تجذر فكر الحراك، أسرع الحكام بتقديم وعود بحل مشاكل البطالة (تونس) بإعلان آلاف الوظائف. كما تم إطلاق مشاريع الوحدات السكنية (نصف مليون وحدة سكنية بالسعودية) لإيواء العمال والطلبة وصغار الموظفين.
ولتني القوى الحية عن المضي في مشروع التغيير، أطلق الزعماء مشاريع تدعيم موقع الجماهير خصوصا الشباب، وإحداث هيئات تعد بإشراكهم في القرار. إلا أن أجوبة الرفض عبرت عنها الشعوب بتزايد أهمية مؤسسات المجتمع المدني (تنسيقيات الحراك، لجان الأحياء، واللجان الشعبية، والمجالس الانتقالية ومجالس حماية الثورة، ومجالس تطبيق مطالب الثورة، ومجالس اقتصادية اجتماعية ومجالس الشباب)...
ويعد تغيير النظر إلى طبيعة الاحتجاجات إذ كانت تواجه بالتجاهل والعنف، لتصبح أمرا عاديا بالشارع العربي. ونتيجة تغير المعادلات، تم التخلي عن التحليلات الخارجية (مراكز باريس وواشنطن) ليبرز دور المحلل السياسي والفكري العربي العضوي في الحراك الشعبي. كما كشف الحراك عن ضعف تأطير الأحزاب القومية والاشتراكية وظهور الفاعل الإسلامي بقوة... الذي أتبت صعوده إلى الحكم تناغم الشعوب مع برامج التغيير. ومحاكمتها لكل من لم يركب قطار الحراك، ويعد فشل التيار الإسلامي في الانتخابات الأخيرة بالجزائر مؤشرا دالا.
سيميائيات الحراك الاجتماعي
لقد تعدد الدلالات السيميائية للحراك الشبابي العربي؛ فالانهيار والسقوط والهروب (تونس، مصر، ليبيا) يأتي دائما بعد الخطاب الثالث، وعدم القدرة على ردع حراك غاضب انطلقت شرارته من مركز ذي تاريخ معارض (بنغازي، سيدي بوزيد، درعة).
ورغم الانطلاق من الهوامش فان الحسم ينتهي بوصول الحراكيون إلى مراكز القرار، لتظهر أهمية العاصمة الإدارية في إحراج النظام، نظرا لحيوية المرافق الإدارية المركزية، وتركز المؤسسات الديبلوماسية كالسفارات، وتواجد الجاليات والصحافة الأجنبية ومقرات سكنى الحكام وحاشيتهم.
يوافق توقيت الانهيار إما ميلاد الرئيس (مصر) أو اعتلاء السلطة (اقتراب فاتح شنبر ليبيا). ونظرا للحقد الذي تورم في صدور الشباب فإن تغيير رموز النظام الحاكم (حل حزب السلطة، إزالة التماثيل، وتغيير الأسماء مثل تغيير اسم الساحة الخضراء لتصبح ساحة الشهداء بليبيا فور ولوج طرابلس) كانت أسرع رسالة وأولى خطوات المسح التام لآثار الأنظمة المطاحة.
يبقى اختيار يوم الجمعة للتظاهر، واعتبار المسجد المكان المفضل لانطلاقة التظاهرات، واختيار الدقيقة ما قبل الإفطار لإعلان السيطرة على طرابلس، وتنحي وهروب الدكتاتوريات بشكل مفاجئ وسري بليل، مع تهريب ثروات جد طائلة.
استتاج:
انطلاقا من تشابه الأوضاع، وانسجاما مع ما سيطبع هذا القرن من الاحتجاج العارم بسبب الأزمة المالية العالمية، واستنادا إلى مؤشر تحقيق نسب عالية من الشروط الثلاثة الموجبة للحراك الاجتماعي، فإن النصف الأول من القرن الجاري ينبئ بتغيرات جذرية، سيشهد العالم العربي قسطا وافرا منها.
لذا يتوقع ألا يتوقف الزحف على الأنظمة عن التجدد، ما لم تتحقق الحرية التامة والعدالة المنصفة والكرامة الإنسانية. والأكيد أن المسكنات والترميمات السطحية باتت غير كافية للتهدئة. وبقدر ما تؤجل رفع سقف المطالب عن طريق التحالف ضد حكومات الربيع العربي، والسعي لافشال تجاربها، فإن الأفق الحتمي لن يقل عن تغيير الأوضاع. ويرجح أن تتحمس أنوية حراك الشباب كلما استكملت الشروط لحراك عارم، فالشرط السياسي نضج، فيما الاجتماعي والاقتصادي يرتبطان بجوانب موضوعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.