التدوين مساحة للبوح وحاجة شخصية للكتابة وللانفتاح على الآخر ، ورغم أن ثقافة التدوين لم تظهر في المغرب إلا في السنوات الأخيرة فإن نسبة مهمة من المدونات المغربية استطاعت في ظرف وجيز أن تبرز كوسيلة إعلامية تنافس بما تقدمه للقارئ من تدوينات وسائل الإعلام التقليدية ، وتقض بين الفينة والأخرى مضاجع السلطات ، وتسلط الضوء على ملفات وقضايا كانت تصنف إلى عهد قريب ضمن التابوهات التي يحظر الإقتراب منها أو فتح النقاش حولها . "" أرقام وتحركات أزيد من 700 ألف مشترك هو عدد مستخدمي الانترنت بالمغرب حسب الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ، وهو معطى ساهم إلى حد كبير في تلقف المغاربة لثقافة التدوين وتسخيرها لإنشاء مدونات تعددت طبيعة محتوياتها بتعدد الحمولات الفكرية والتوجهات السياسية والثقافية والدينية لأصحابها . وتشير بعض الإحصائيات الخاصة إلى أن عدد المدونين في المغرب يفوق 80 ألف مدون ، 70 في المائة منهم يدونون باللغة الفرنسية والباقي يدون باللغة العربية ، وتعزى أسباب هذا الإنتشار السريع لتنامي المدونات في المغرب إلى سهولة إعدادها واستخدامها وتصفحها خاصة من لدن الشباب الذين يمثلون الشريحة العظمى في هرم المجتمع التدويني المغربي . هذه الأرقام والمعطيات دفعت العديد من المدونين المغاربة إلى الخروج من ثنايا العالم الإفتراضي والنزول إلى عالم الواقع ومحاولة بناء جسور تواصلية بين العالمين وهو ما ترجموه فعليا بتحركات مكثفة تمثلت في الأساس بتنظيم الحملة التدوينية الأولى مع المعطلين بالمغرب ومشاركتهم في نضالاتهم وهمومهم ونقل مطالبهم إلى كافة الوزراء والمسؤولين ، كما تجلت تحركاتهم في الحضور إلى كافة الأشكال التضامنية مع قضايا الأمة العربية والإسلامية خاصة قضية فلسطين ، والإنخراط في عدد من قوافل المساعدات التي توجهت هذا العام نحو المناطق المتضررة بالفيضانات ، وبرزت هذه التحركات على أرض الواقع بشكل قوي في أحداث مدينتي صفرو وسيدي إيفني . رد قاسي تزايد عدد المدونات وتعاظم دورها وسرعة تأثيرها على الرأي العام وتطرق البعض منها لملفات حساسة دفع بالسلطات المغربية إلى محاولة كبح جماح التدوين والحيلولة دون تحوله إلى سلطة قائمة بذاتها وهو ما دفعها إلى متابعة عدد من المدونين المغاربة أمام القضاء بتهم مختلفة ، ف" فؤاد مرتضى " مهندس دولة متخصص في الهندسة المنطقية حكم عليه بثلاث سنوات سجنا نافذا بتهمة انتحال صفة الأمير رشيد على صفحات الموقع الإلكتروني الشهير " فيس بوك " ليكون بذلك أول مدون مغربي تجره الشبكة العنكبوتية لغياهب السجون قبل أن يستفيد من عفو العاهل المغربي . سنة بعد ذلك ستعتقل السلطات المغربية المدون محمد الراجي بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك مباشرة بعد نشره لمقال بموقع هيسبريس، ، تحت عنوان "الملك يشجع الشعب على الاتكال"، يوم 3 شتنبر 2008، وبمحاكمة ماراطونية لم تدم أكثر من عشر دقائق ولم يسمح فيها بتواجد هيآت الدفاع سيحكم عليه بسنتين حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 5 آلاف درهم، لينخرط بعدها المدونون والمدونات ونشطاء الرأي وثلة من الحقوقيين والمنظمات الوطنية والأجنبية في حملة تضامنية واسعة النطاق داخل وخارج المغرب أفضت إلى إلغاء محكمة الإستئناف للحكم السابق . ولم يكد ينسى المدونون المغاربة هذه الرسالة القاسية حتى اصطدموا بخبر اعتقال المدون " حسن برهون " وإدانتة بستة أشهر حبسا نافذا بعد اتهامه بنشر تهم كاذبة تتعلق بالفساد ، وعكس " الراجي " فلم تشفع تحركات المدونين المغاربة وحملاتهم التضامنية مع هذا المدون في إطلاق سراحه أو تخفيف مدة سجنه ،. المدونون ينتظمون قسوة رسائل السلطات المغربية وعدم تسامحها مع أصحاب المدونات ونشطاء الإنترنت ولد لدى المئات من المدونين المغاربة قناعة مشتركة بضرورة تنظيم المدونات في شكل قانوني يحمي المدونين ويؤطر أعمالهم ويوجههم لبناء تدوين احترافي وهو ما تم بالفعل في الرابع من هذا الشهر ، إذ وبعد سنتين من التحضيرات شهدت قاعة نادي المحامين وسط مدينة الرباط يوم السبت الماضي اختتام فعاليات المؤتمر الأول للمدونين المغاربة بحضور أزيد من ستين مدونا من مختلف مناطق المغرب أعلنوا بعد نقاش طويل عن ميلاد " جمعية المدونين المغاربة " . وعن أهداف هذه الجمعية والغاية من تأسيسها قال سعيد بنجبلي صاحب مدونة " تحية نضالية " ورئيس " جمعية المدونين المغاربة : "هدفنا هو النهوض بالتدوين المغربي وتطويره والارتقاء به إلى مستوى الإحترافية، مع ضمان المهنية والجودة العالية ، وكذلك إدماج التدوين بكافة أشكاله وأنواعه في الحياة العامة عبر الانفتاح على المجالات التربوية والتنموية والحقوقية ، بالإضافة إلى وضع ميثاق شرف، يحدد طبيعة التدوين في المغرب، ويحفظ حقوق جميع الأطراف " . وبالنسبة إلى سعيد بنجبلي فإن جمعية المدونين المغاربة "جاءت نتيجة للتطور الحاصل في ميدان التدوين والتقنيات الحديثة للإعلام والتواصل عموما، وستعمل على حماية المدونين المغاربة انطلاقا من توفير التكوين الضروري حول كيفية التطرق للقضايا الحساسة دون الإخلال بالقانون عبر احترام أخلاقيات التدوين، واعتبار مقتضيات المسؤولية وعدم استغلال حق حرية التعبير في إلحاق الضرر بالآخرين ". على الرغم من حداثة التدوين في المغرب فإن تأثيره بات ملموسا على عدة مجالات ومستويات ، الأمر الذي دفع بالعديد من الجرائد الورقية إلى الإستعانة بخدمات المدونين وإنشاء صفحات خاصة تهتم بالتدوين وتحتضن آراء ومواقف المدونين ، بل إن ثلة من السياسيين المغاربة قرروا أمام هذا الخط التدويني الصاعد إنشاء مدونات إلكترونية للتفاعل والتواصل مع جمهور الشبكة العنكبوتية قصد استقطاب أصوات تنفعهم في الانتخابات البلدية القادمة وهو ما يؤكد على أن التدوين بالمغرب ستكون له مكانة كبيرة في المستقبل القريب رغم كل المعيقات التي تحول دون تحوله إلى سلطة حقيقية تشارك باقي السلطات صنع القرار وتوجيه الرأي العام .