يرى المدون المغربي سعيد بن جبلي أن التدوين في المغرب يعاني حالة انفصام لا إرادية ذات مضامين متغايرة. وأضاف أن التدوين في المغرب بحاجة إلى خلق إطار تنظيمي يشرع طرق عمله واشتغاله. - كيف ترون واقع التدوين بالمغرب؟ < التدوين المغربي عموما متميز ورائد، متميز بجودته مضمونا وشكلا وبحرفية رواده العالية وببعد المدونين عن المواضيع التافهة واللغة المبتذلة، والمدونون المغاربة يحاولون السير على خطى العمل الصحفي المهني، لكن يعيش التدوين بالمغرب حالة فصام لا إرادي، إذ يوجد في المغرب مجتمعان متمايزان من المدونين لكل منهما ثقافته وأسلوبه وأنشطته ونجومه، وأساس التمايز لغوي، وتجاوز هذه الحالة ضروري للارتقاء بوضع التدوين المغربي نحو الأفضل. - ما هي الأشواط التي قطعتموها للإعلان عن ميلاد جمعية المدونين المغاربة؟ < نحن الآن في المرحلة الأخيرة من مراحل الإعداد لجمعية المدونين المغاربة، وبعقد المؤتمر التأسيسي للجمعية في 4 أبريل المقبل سيتم تتويج المشاورات والجهود التي انطلقت منذ أكثر من سنتين هي عمر المبادرة، ونظرا لحداثة التدوين وجودا وممارسة فقد كان للتريث والتأني ثمرة، حيث تبلورت الفكرة بشكل أحسن وتجلت الأهداف المفترضة للجمعية وميادين حركتها، كما أتيحت الفرصة لعدد من المدونين الذين كانوا يعارضون فكرة مأسسة التدوين أو الذين كانوا يرون أفضلية للتنسيق بين المدونين دونما حاجة لتقنين هذا الفعل الجماعي لمراجعة موقفهم، فالأحداث التي تتالت في المشهد الإعلامي والحقوقي المغربي دفعتهم إلى ذلك، وترسخت قناعة أكبر بأهمية الانتظام في إطار قانوني. - هل هناك إمكانية للحصول على وضع قانوني للجمعية؟ < بالتأكيد، سنستوفي جميع المقتضيات القانونية اللازمة لتأسيس الجمعيات، وبما أن التدوين الاحترافي لا يزال حلما نسعى لتحقيقه بتأهيل المدونين، ستتأسس الجمعية طبقا لقانون الجمعيات وليس قانون النقابات، ولا أعتقد أن هناك داعيا للحيلولة بين المدونين والتعبير عن أنفسهم قانونيا، بل الأولى دعم هذه الجهود وتشجيعها لنبل الأهداف ومشروعية الوسائل. - ما هي المواضيع التي تتناولها في مدونتك وهل تعرضت لأي شكل من الرقابة أو المتابعة من قبل؟ < أكتب حول كل ما يشغل بالي أو يتولد لدي إحساس بأهميته، أغطي أنشطة أحضرها وأتناول أخبارا أتتبعها، أعلق على الأحداث الوطنية والدولية وأنشر وجهة نظري فيها، وأكتب دراسات أو أفكاري وتأملاتي في مجالات السياسة والدين والتقانة، أحيانا أنشر قصص حياتي وتجاربي الشخصية، و أحيانا إبداعاتي وتصاميمي الفنية على ندرتها، أحسب نفسي على تيار التدوين المتمهل، إذ أكتب وقتما أجد الوقت الكافي وفقط حينما تنضج أفكاري جيدا. - ما هي الفروقات التي ترصدها بين الصحافة والتدوين؟ < التدوين استعمال للانترنت ووسائطها بأشكال مختلفة وفي ميادين متنوعة، أحدها الإعلام، فالتدوين يندرج فيما يسمى الإعلام الجديد (النيوميديا)/ إعلام المستخدم/ صحافة المواطن التي تعتمد أشكالا وأساليب تتصل بالتدوين وتتكامل معه، فالتدوين أصبح مصدرا مستقلا للمعلومة والخبر والرأي بحيث ينظر إليه على أنه ينافس الصحافة التقليدية خصوصا مع تنامي إقبال الجمهور القارئ على الانترنت أو وسائل النشر والتواصل الحديثة وما يتمتع به المدون من استقلالية وهامش حرية مقابل ما تتمتع به وسائل الإعلام من موارد واحترافية، ولكن الأصوب أن التدوين يشكل عامل دعم وإغناء لوسائل الإعلام فعلا وتفاعلا أكثر مما يشكل منافسا لها. إلا أن التدوين يتم استخدامه في مجالات أخرى ليست ذات طابع إعلامي، كميدان الأدب والإبداع عموما، ومجالات التربية والتعليم والبحث العلمي والتنمية البشرية والاجتماعية وغيرها... - أين تصنف المواضيع التي يناقشها المدونون المغاربة في مدوناتهم؟ < لازال التدوين ظاهرة حديثة ويتطور يوما بعد يوم قوالب ومضمونا، والمدونون في المغرب كما بقية البلدان يطرقون عددا لا متناه من المواضيع والقضايا، بدءا بنقل الأخبار وتداولها ومرورا بالتعبير عن القناعات والآراء والمواقف الدينية أوالفكرية أو السياسية أو الاجتماعية وانتهاء بنشر الإبداعات الأدبية وغيرها... يبقى الغالب على المدونات المغربية تطرقها للقضايا العامة سواء الوطنية أو الدولية وذلك لإشباع الرغبة في التعبير الحر التي لا يلبيها الإعلام العمومي، كما تحوز المدونات التي تتناول قضايا الشأن الوطني وتعبر عن هموم المواطن اليومية إقبالا أكبر من مستعملي الانترنت. - كيف يمكن للتدوين أن يطور مفهوم حرية التعبير بالمغرب؟ < يصعب التحكم في التدوين وضبطه بما يخدم مصلحة طرف من الأطراف، فهو يستطيع الانفلات من جميع أنواع الرقابة وقادر على تجاوز القواعد، وهكذا فقد أتاح الفرصة لكل فكر محاصر أن يتنفس، ولكل رأي ممنوع أن ينشر، وجعل الرقابة على الإعلام تبدو عاجزة وغير مجدية، حيث أتاح للمواطن البسيط فرصة التحدث عن نفسه ورأيه بنفسه دون وسطاء، وفتح آفاقا جديدة أمام الشباب ومعدومي الإمكانيات ليتفاعلوا مع مراكز السلطة القديمة ندا للند، سواء داخل المؤسسات الرسمية أو الحزبية أو المدنية ما يسهم في ترسيخ أسس المواطنة ودمقرطة الحياة العامة ويعزز مناخ الشفافية ويدعم الحريات الأساسية عموما وحرية التعبير بدرجة أولى. آليات الحماية تبتدئ من توفير التكوين الضروري للمدون حول أخلاقيات التدوين وحدود الحرية ومقتضيات المسؤولية، كما أن التدوين في حد ذاته وسيلة للحماية، وهو ما يصطلح عليه بالحماية عن طريق الشهرة، ونرى ذلك بوضوح لو عقدنا مقارنة بسيطة بين قضيتي كل من الراجي و حسن تيزوكاغين مدون سيدي افني على اليوتيوب. الأول حكم ابتدائيا وفي حالة اعتقال بسنتين سجنا نافذة ثم حصل بعد ذلك بشكل اسثنائي على السراح المؤقت وبعده البراءة من جميع التهم فيما يشبه المعجزة وفي سابقة قضائية من نوعها ( في القضايا السياسية) نتيجة لحملة تضامن عالمية أطلق شرارتها المدونون وانخرط فيها الجميع وقيل أن ذلك حصل بتدخل من أعلى السلطات بالبلاد، أما شاهد سيدي افني الذي لم يقم إلا بتصوير الأحداث ونشرها على الانترنت، فقد أمضى ستة أشهر في السجن رغم أن جنايته لم تكن أكثر من التصوير بدون إذن، فقط لأن قضيته بقيت طي الكتمان. والتدوين نفسه يندرج فيما يسمى تقنيات النضال الرقمي بمعية الشبكات الاجتماعية كموقع الفايس بوك ومنصة تويتر للتدوين المصغر وأجهزة الهاتف المحمول، وهي التقنيات التي يؤدي الدمج الناجح بينها إلى تعزيز موقع المدافعين عن الحقوق والحريات والقضايا الإنسانية المختلفة.